إعلان

دور المواطن في مكافحة الإرهاب

دور المواطن في مكافحة الإرهاب

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

08:15 م الإثنين 07 أغسطس 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يثير الحديث عن دور المواطن في مكافحة الإرهاب ومن يمارسونه في بلدنا، أو كما يسميهم الرئيس السيسي في خطاباته "أهل الشر"، قضيّتين رئيسيتين. القضية الأولى خاصة بأن هذا المواطن بالضرورة هو "مخبر" أو "عميل" للأجهزة الأمنية، فالكل يتذكّر شكل المخبر في الأفلام القديمة وهو يرتدي البالطو الأصفر ويجلس على أحد المقاهي متظاهرًا بأنه يقرأ الجرنال، لكنّه في واقع الأمر يراقب تحركات أحد الناس. 

والقضية الثانية هي أن عملية مكافحة الإرهاب تقع على عاتق مؤسسات الدولة، والزج بالمواطن العادي في هذه العملية يفتح المجال أمام "التخوين" والاتهامات بـ "العمالة" وما يترتب على ذلك من تآكل ثقة الناس في بعضها البعض ومن ثم تآكل رأس المال الاجتماعي.

وفي مقابل هذه الأفكار السلبيّة عن دور المواطن في مكافحة الإرهاب، تشير الخبرات الدولية في هذا المجال إلى أن أي استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب لم تعد تقتصر على الشراكة بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني فقط، وإنما أيضًا أصبحت تتعامل مع المواطن كطرف أصيل في عملية المكافحة، وهناك العديد من الممارسات الدولية التي تقدم نماذج ناجحة في هذا المجال. 

وأذكر هنا على سبيل المثال بريطانيا، والتي مع تزايد احتمال تعرضها لمزيد من العمليّات الارهابيّة خلال الفترة المقبلة، أصبحتْ أكثر حاجة لتعاون المواطن الفرد معها في جهود عملية مكافحة الإرهاب. فمن ناحية، اتجهت لتحفيز المواطن على المشاركة في جهود مساعدة ضحايا الإرهاب من المدنيين الذين تصادف وجودهم في مكان وقوع الحادث الارهابي. حيث طورت بريطانيا برنامجا على الموبايل باسم CItizenAid وهو يحوي خطوة بخطوة ما ينبغي على أي شخص فعله في حال تواجده في مكان وقوع الحادث الإرهابي لإنقاذ المصابين بهدف تفادي استياء حالتهم، في حال تأخّر وصول سيارات الإسعاف لمكان الحادث، وهذا البرنامج طوّرَه مجموعة من الأطباء العسكريين والمدنيين، وهو متاح بالمجان على منصات إنزال تطبيقات وبرامج الموبايل كافّةً، ويتم تشجيع المواطنين من خلال حملات متعددة على إنزاله واستخدامه. 

ومن ناحية ثانية، اتّجهت بريطانيا إلى توفير منصّات إلكترونيّة سهلة الاستخدام لتمكين المواطن من الإبلاغ عن المحتوى الموجود على الإنترنت، والذي يدعو للإرهاب، وذلك من خلال موقع وزارة الداخلية البريطانية، حيث يوفّر الموقع خاصية الإبلاغ والتي من خلالها يستطيع أي شخص من خلال ملء استمارة إلكترونية لفت انتباه الأجهزة الأمنية للموقع الإلكتروني، أو تطبيق الموبايل الذي ينتشر من خلاله المحتوى المروّج للأفكار المتطرفة والإرهابية. ويتم في هذه الاستمارة ذكر الموقع الإلكتروني أو تطبيق الموبايل الذي يحوي المحتوى المبلَّغ عنه، وتحديد طبيعة المحتوى هل هو صورة أم نص مكتوب، وتاريخ نشر هذا المحتوى وكيفية وصول هذا المحتوى للشخص المُبلِّغ، وفي نهاية الاستمارة هناك سؤال: هل تريد أن تثبّت بياناتك الشخصية أم لا؟ وذلك بهدف الحفاظ على خصوصية الشخص المبلِّغ.

هذه الخبرة تستدعي إعادة التفكير فيما يمكن أن يقوم به المجلس القومي لمكافحة الإرهاب والتطرف، الذي أعلن عن تشكيله مؤخرًا في مجال بناء قدرات المواطن ليشارك بصورة إيجابية في مجال مكافحة الإرهاب بمعناها الواسع، وعلى نحو يعزز فكرة "المواطن المسئول" عن حماية أمن وسلامة المجتمع الذي يعيش فيه، والقادر على المشاركة في تحقيق تلك الحماية والأمن.. فنحن بحاجة لمواطن مسئول، وليس مواطنا "مخبرا".

د. إيمان رجب.. خبير في الأمن الإقليمي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

إعلان