إعلان

"الدهس".. نمط جديد للإرهاب في أوروبا

"الدهس".. نمط جديد للإرهاب في أوروبا

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

08:04 م الإثنين 21 أغسطس 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يستدعي حادث الدهس الذي وقع في برشلونة منذ أيام، إعادة التفكير في موضوع الإرهاب مرّةً أخرى على أكثر من مستوى، خاصّةً أنَّ إسبانيا من الدول التي شهدت عددًا محدودًا من العمليّات الإرهابية منذ إعلان "داعش" عن قيام دولته في يونيو 2014، فمنذُ ذلك التاريخ حتى نهاية 2016 شهدت إسبانيا ست عمليّاتٍ فقط وهو عدد محدود مقارنة بدول أوروبية أخرى.

فمن ناحية، يمكن القول باطمئنان، إن الدّهسَ تحوّل إلى نمطٍ من الإرهاب الذي قد تشْهدُه دولٌ عديدةٌ خلال الفترة المقبلة، وهو نمطٌ لمْ يكنْ منتشرًا من قبل مقارنةً مثلًا بنمطي التفجيرات باستخدام العبوات الناسفة والاغتيالات وغيرها. حيث لم تعدْ ممارسة الإرهاب في هذه الفترة عملية معقدة، ولم تعد ترتبط بالتدرب على تكتيك مُعيّن أو على طريقة بناء العبوات الناسفة المتقدمة أو بدائية الصنع، فالموضوع غَدَا أبسط من ذلك، ويرتبط بالقدرة على قيادة شاحنة صغيرة في شارعٍ مزدحمٍ على نحوٍ يُسقط عددًا كبيرًا من الضحايا.

وجدير بالذكر، أنه خلال العامين الماضيين، شهدتْ خمْسُ دولٍ أوروبية أخرى حوادث دهسٍ مشابهة لحادث برشلونة، وهي بريطانيا وفرنسا والسويد والنمسا وألمانيا.

ومن ناحية ثانية، فإن هذه البساطة الظاهرة لممارسة الفعل الإرهابي جعلت التنبُّؤَ به أو توقُّعَه عملية صعبة، حيث لم تكنْ القدرات المتقدمة للحكومة الإسبانية في مجال مكافحة الإرهاب قادرةً على منع حادث الدّهس أو اكتشافه قبل وقوعه. إذ يُشير تقرير مكافحة الإرهاب الذي يصدر سنويًّا عن وزارة الخارجية الأمريكية في نسخته الخاصة بالعام 2016، إلى أن قدرات الحكومة الإسبانية في مكافحة الإرهاب “أثبتتْ فعاليتها”، سواء تلك التي تُركِّز على قدرة مؤسسات الدولة على التعامل مع الفعل الإرهابي، أو تلك المتعلقة بإشراك المؤسسات الدينية في مكافحة الأفكار الإرهابية.

ومن ناحيةٍ أخرى، يستدعي هذا الحادث التحرر من بعض الصور النمطية التي بدأت تتشكل خلال الفترة الماضية والخاصة بهوية من ينفذ هذا النوع من العمليات في الدول الأوروبية، حيث ارتبطت تلك الصور بالأوروبيين من أصولٍ تونسيّة، باعتبار أن تونس تُعدُّ الدولة رقم واحد من حيث جنسية المقاتلين المنضمين لداعش في العراق وسوريا. حيث تشير تحقيقات الشرطة الإسبانية إلى أنَّ المسئول عن حادث الدَّهس خليةٌ مُكوَّنةٌ من 12 شخصًا على رأسهم الأخوان موسى ويونس أبو يعقوب، وهما إسبانيَّان من أصولٍ مغربيةٍ، وهذا يُؤكِّد مرّةً أُخرى ما أنه لم يعدْ هناك نموذجٌ مثاليٌّ perfect model لمن هو الإرهابي. 

إن هذا الوضع يخْلق تحدِّيًا حقيقيًّا للحكومة الإسبانية، وغيرها من الدول التي قد تشهد أحداثًا مشابهة، من حيث قدرتها على تغيير سياسات مكافحة الإرهاب بما يواكب التّغيّر في استراتيجيات العناصر الإرهابية في هذه المستويات الثّلاث.

إعلان