إعلان

أربع سنوات وما زال الاخوان يتاجرون بـ"رابعة"

أربع سنوات وما زال الاخوان يتاجرون بـ"رابعة"

محمد جمعة
08:00 م الثلاثاء 15 أغسطس 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في مثل هذه الساعات تقريبا، وقبل أربع سنوات كانت الدولة المصرية قد نجحت في فض "اعتصام رابعة" غير السلمي.

كلنا يتذكّر تلك اللحظات الفارقة في تاريخ مصر والمصريين، بكل أفراحها وآلامها.. بآمالها وهواجسها المرتبطة بحسابات اليوم التالي.

كلّنا يتذكّر تلك اللحظات التي قطع فيها مرشد الإخوان محمد بديع " شعرة معاوية"، بعد يومين فقط على الإعلان عن "خارطة الطريق" التي توافق عليها المصريون والتفوا حولها، وكانت أولى استحقاقاتها إقالة محمد مرسي.

فلم يترك بخطابه التحريضي في ساحة رابعة العدوية - آنذاك - مكانًا أو مجالا للتسويات.. بل دفع المواجهة بين الإخوان وحلفائهم من ناحية، وكل مكونات الأمة المصرية ومؤسساتها الوطنية من ناحية أخرى، إلى "حافة الهاوية"، أو بالأحرى، نقطة اللا عودة.

آنذاك أمر الرجل أنصار الجماعة ونشطاءها بالبقاء في الميادين حتى "عودة مرسي إلى القصر الجمهوري محمولًا على الأعناق". وكان هذا معناه أنه قد رسم لنفسه وجماعته هدفًا لا يمكن تحقيقه إلا بتكسير إرادة (بل ورءوس) الأغلبية الساحقة من المصريين.

بحسابات تلك اللحظات الحرجة في تاريخ مصر والمصريين.. كانت عودة مرسي إلى القصر الجمهوري معناها أن مصر لن يكون لها جيش وطني يحميها ويذود عنها.

- معناها أن مصر لن تحتفظ بأقباطها ولن يشعروا بمصريتهم بعد الحملة الضارية التى شنها رموز الإخوان ومحازبيهم – من على منصة رابعة- على رمزهم ورئيس كنيستهم. 

- معناها أن مكانة الأزهر وإمامه الأكبر ستهبط إلى مستوى أدنى من مسجد ابن تيمة في مدينة رفح داخل غزة، الذي أعلن عبد اللطيف موسى من على منبره قيام "دولة رفح الإسلامية" قبل أن يقطع "إخوان فلسطين" رقبته هو وأتباعه.

- معناها أننا سنقرأ على التعددية والديمقراطية السلام، إن تم تكسير إرادة كل تلك الملايين التي خرجت في مختلف الميادين والساحات قبل وأثناء وبعد الثلاثين من يونيو .

- باختصار لقد وضع الإخوان ومرشدهم، في تلك اللحظات الحرجة، الشعب المصري وجيشه الوطني وكل مؤسساته، أمام معادلة: إمّا نحن أو أنتم !!!

آنذاك، ومع كل يومٍ كان يمرُّ، بل مع كل ساعة، كان يتأكد فيها للجميع أن القوم باتوا أكثر نزقًا واستفزازًا.

يخرجون من "رابعة العدوية" صوب وزارة الدفاع والحرس الجمهوري وميدان التحرير.. كأنهم يبحثون عن "المواجهة" ويتعمدون "الاشتباك"، إن لم يكن مع الجيش والشرطة، فمع خصومهم المعتصمين في “التحرير” و”الاتحادية”.. ولما لا ؟!! فمرور الأيام على المعتصمين برتابة لا يُحدث أثرًا.. بل قد يدفع بالكثير منهم إلى "الملل" و"الإعياء".. لذا لا بد من بعض الإثارة و"التشويق" حتى ولو كانا مكلفين!

هنا رفع منسوب الاهتمام بـ"الاعتصام" و"المعتصمين" يتطلب "التحرش" بقوى الأمن .. فالدماء وحدها تستدرج الإعلام والأضواءَ ومن ثمّ الاهتمام السياسي .. والكثير منها مطلوب لاستكمال الصورة التي أرادت قيادات الإخوان تكريسها وتعميمها عمّا وصفوه بـ"الانقلاب".. ومن دون "جرجرة" الجيش لا يكون انقلابًا ولا عسكريًا.. ومن دون دماء و"شهداء" يحملون أكفانهم، لا يكون "دمويًّا".. ومن أجل تحقيق هذه "المكتسبات" وتعظيمها، لا بأس من تقديم القرابين على مذبح الشهادة والشهداء.. وإلا ما معنى خطابات المنصة المحرّضة على "طلب الشهادة" و"بذل الأرواح والدماء" التي صاحبت استحضار بعض الأكفان إلى ميادين التظاهر "السلمي"؟!

باختصار، هكذا كانت المعادلة.. وهكذا كانت حساباتها بالنسبة للإخوان !!!

والأنكى أن الأحداث لم تتوقف عند حدود ذلك وفقط، بل راحت تتجه صوب الإعداد لتهيأة المسرح لأكبر موجة مد إرهابي في تاريخ مصر المعاصر.

ففي ذات اليوم (أي الخامس من يوليو2013) الذي وقف فيه مرشد الإخوان محرضا، كانت السلفية الجهادية (قبل خطبة بديع بساعات) تعقد مؤتمرًا حاشدًا في مدينة الشيخ زويد (حضره عدد من عناصر الإخوان بالعريش)، توعدت فيه السلطات الجديدة في مصر "بالويل والثبور وعظائم الأمور".

ولا شكّ أن الصورة التي نقلتها دعاية الإخوان وأنصارهم، والتي ظلت منصة رابعة تؤكدها، كانت كفيلة بإشاعة مناخَ التكفير السياسيِّ، عبر الادعاء زورًا وبهتانًا أن السلطة الجديدة في مصر تحارب الإسلام.. وإن إقالة مرسي هي في جوهرها ومغزاها أحد مظاهر تلك "الحرب على الشريعة!".

ولهذا لم يمر وقت طويل حتى خرج بيان "الثأر لمسلمي مصر" تبنّتْ فيه "أنصار بيت المقدس" محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم، في مدينة نصر في 4 سبتمبر 2013. تلا ذلك تفجيرٌ استهدفَ مقرّ المخابرات الحربية في رفح المصرية، في يوم 11 سبتمبر2013. ثم جرى استهداف مكتب المخابرات الحربية في مدينة الإسماعيلية، وتفجير مبنى محافظة جنوب سيناء، في أكتوبر من ذات العام. وكذلك عملية اغتيال ضابط الأمن الوطني محمد مبروك، في نوفمبر 2013... إلخ.

تلك العمليات وغيرها كانت إيذانًا بحرب مفتوحة يغيب عن أفقها احتمالات الهدنة أو إعلان التهدئة. ولهذا من المهم الإشارة، في سياق كهذا، إلى أن مشهد العنف والإرهاب في مصر عقب ثورة الـ30 من يونيو وحتى اليوم، هو ثمرة عفنة لـ "زواج المتعة" بين تنظيم الإخوان المسلمين، وعناصر وتنظيمات "السلفية الجهادية" في هذه المرحلة.

قد يبدو صحيحًا - إلى حدٍّ ما – القول بأن الإخوان حتى الثالث من يوليو2013 لم يكونوا قد خسروا أكثر من الحكم والسلطة... لكن بدلًا من الاعتراف بالهزيمة السياسيّة أخذتهم العزة بالإثم، وراحوا يخوضون غمار "لعبة حافة الهاوية". بمعنى أن ردة فعلهم على خسارة الحكم، من حيث طبيعته وانفعالاته وشعاراته دفعت بالصراع مع الشعب والدولة – آنذاك - إلى مستوى "وجودي" غير مسبوق.

الآن بعد أربع سنوات على تلك الواقعة، وبالنظر إلى مسارات الأحداث وتطوراتها، يمكننا أن نتفهّم لماذا ذهبت تقديرات بعض المحللين إلى القول بأن "رابعة" – بالنظر إلى تداعياتها على الجماعة- لم تكنْ في الحاصل الأخير سوى ساحة مارسَ فيها الإخوان طقوسَ الانتحار السياسيِّ.

إعلان