إعلان

محمد أبوالغار..دمت لنا

علاء الغطريفي رئيس التحرير التنفيذي لمؤسسة أونا

محمد أبوالغار..دمت لنا

علاء الغطريفي
08:00 م السبت 12 أغسطس 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

علاء الغطريفى

كتبت السطور التالية قبل أكثر من 6 اعوام " مايو 2011 " فى المصرى اليوم ، واليوم اكررها من أجل هذا الرمز الوطنى النبيل ، أطال الله عمره ، ومتعه بالصحة ..

هناك أناس يدفعونك إلى التفكير ملياً فى قناعاتك واختياراتك الحياتية، لأنك تشعر رغماً عن أنفك بأنك لم تفعل شيئاً لوطنك مقارنة بمسلكهم الوطنى الخالص. من هؤلاء محمد أبوالغار، المصرى البسيط النبيل ابن شبين الكوم، صاحب الوجه البشوش والابتسامة النضرة والقلب الأبيض الذى يحمل بداخله ثورة بركان على الظلم والقهر والاستبداد، تلمح فى كلماته أشعار صلاح جاهين وصلاح عبدالصبور وبيرم التونسى وأحمد فؤاد نجم وصرخات الرفض للديكتاتورية والتوق إلى الديمقراطية.

تحسبه طبيباً فقط عندما يتحدث عن الطب، وأكاديمياً قُحاً فى المؤتمرات العلمية، وناشطاً عتياً فى الدفاع عن الحريات العامة، ومصلحاً اجتماعياً عند الإشارة إلى حديث التغيير، تمكنت منه كل الأشياء لأنه أخلص لها جميعا، فكان الصواب حليفه.

تربى «أبوالغار» فى بيت متوسط انفتح على الحياة، وجمع بين أصالة الريف وتقدمية الحضارة، فلم ينشأ فى بيئة مغلقة منغلقة، فالجد يجيد الفرنسية لكونه تاجر قطن، وفى الوقت نفسه شديد التدين يقرأ «القرآن» ويؤدى تعاليم دينه دون تطرف أو مغالاة.

آمنت أسرته بأن التعليم ثروتها الوحيدة، فكان التعليم فى فتيات العائلة قبل شبابها، فى زمن لم يكن لبنات الريف فيه مكان فى المدارس والجامعات.

ساهمت النشأة فى تكوين الشاب «أبوالغار» حتى وصل إلى الجامعة ليتخصص فى علم النساء والولادة لكنه ليس كغيره، فالريفى الطامح أراد أن يصنع مجداً يحمل اسمه، فبعد أن حصل على الأستاذية وهو فى التاسعة والثلاثين عام 1979، طيَّرت وكالات الأنباء خبراً عن ولادة أول طفلة أنابيب فى إنجلترا، فاعتبر هذا الأمر هو حلم عمره، وبعد سنوات حقق الحلم لينشئ مع آخرين أول مركز لأطفال الأنابيب فى مصر. وفى 7 يوليو 1987 ولدت على يديه «هبة الله»، أول طفلة أنابيب مصرية، وبعدها توالت النجاحات.

من فرط تقديره للعلم لا يتحرج أن يمتدح المنافسين، ففى برنامج تليفزيونى أصر على الإطراء على طريقة جديدة للتخصيب اخترعها طبيب نساء مصرى.

يُحكى عنه أن جامعة القاهرة أقصته عن قائمة أهم أعضاء هيئة تدريسها الذين قدموا أبحاثاً وإسهامات علمية، فاجتهد أن يعلمهم درساً لن ينسوه، فجاء بكل أبحاثه فى الدوريات العالمية والمؤتمرات الدولية وأكاديمية البحث العلمى ليفاجئ الجميع بأنه صاحب المركز الأول بين أساتذة جامعة القاهرة فى عدد الأبحاث العلمية، ليلطم رئيس الجامعة وحاشيته الأمنية لطمة تنتصر للعلم وليس للأمن.

كان دائما عدواً لمن يرتدون لباس الأمن، سواء فى طرقات الجامعة أو غرف درسها، تمكن بمعاونة مخلصين آخرين أن يؤسس حركة «9 مارس لاستقلال الجامعات» التى ناضلت حتى أطلقت الحريات الأكاديمية وأطلقت رصاصة النهاية على الوجود الأمنى فى ساحات الجامعات.

عندما تزوره فى مكتبه وتلمح علماً مصرياً أو شِعْراً وطنياً على الجدران تتخيل وجوه الوطنية المصرية هناك: سعد زغلول، مصطفى كامل، جمال عبدالناصر، وثوار 25 يناير، تلمحهم فى الطرقات وعلى الكراسى وفى وجوه من يترددون عليه.

النبل يمشى على قدمين، دون مواربة أو مواراة، يحمل بين جنبيه إرادة شاب رغم الشيب الذى يزيّن ملامحه، ولو قررت المشاركة فى مظاهرة للتنديد بنظام مبارك البائد أو الانتصار للحريات فستجده هناك حاضراً حتى لو كان المتظاهرون يُعدون على الأصابع.

أبانا الوطنى الذى سنتذكره دائماً وأبداً: إنك تُشعرنا بمصريتنا، وتهذب مشاعرنا بإصرارك، وتهبنا أجمل ما فى المصرى «الانتماء».

أيها النبيل: يبدو أنك جئت من عصور أخرى، كان النقاء فيها الغالب، والإيثار فيها السائد، لترسم ملامح صورة تغيب عنها لخبطة زمننا الحاضر، وتحضر فيها قيم وفضائل هَجَرتنا وهجرناها.. أستاذنا: هذه الكلمات ليست إلا نقطة فى بحر نبلك.

وختاما : دمت لنا و دمت لهذا الوطن و أجرى الله على لسانك الحق دوما.

إعلان