إعلان

لا للدعم.. ولا للاحتكارات أيضا

لا للدعم.. ولا للاحتكارات أيضا

د. جمال عبد الجواد
08:57 م الجمعة 07 يوليو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

منذ أكثر من ثلاثين عاما وأنا لم أغادر موقعي في معسكر خصوم الدعم الحكومي، وخاصة خصوم الطريقة التي تقدم بها الحكومة الدعم للمواطنين، ولهذا فإنني في كل مرة تقوم فيها الحكومة برفع الدعم أجد نفسي ضمن الأقلية المبتهجة، فيما أغلب المصريين يعتقدون أن "الدعم حق كل مواطن"، وإذا نجحت في إقناعهم بغير ذلك، فإنهم يلجئون للتشكيك في توقيت اتخاذ القرار، ويتبعون منطقا يشير –لو اتبعته للنهاية- إلى أن التوقيت السليم لرفع الدعم لا يأتي أبدا.

الدعم هو مفسدة كبرى. ينطبق هذا على الدعم الذي يذهب إلى المنتجين أو المستهلكين على حد سواء. ولما كان بعض الدعم ضروريا لأسباب تنموية أو اجتماعية، فإنه لا بد من تضييق نطاقه بقدر الإمكان، ومن مراجعته على فترات زمنية متقاربة للتأكد من فعاليته وحجمه وضرورات استمراره. في هذا السياق فإنه لا بأس إطلاقا فيما تقوم به الحكومة من إعادة النظر في أسعار الكهرباء والمياه والوقود. 

تكلفة إنتاج هذه السلع وتوصيلها للمواطن تزيد كثيرا عن أسعار بيعها، ولابد من رفع الأسعار لتحقيق التوازن. هذه هي الحجة الرئيسية التي تقال في هذا المجال، وأظنها حجة صحيحة، ولكنها صحيحة بشكل جزئي فقط. فالرأي العام وأصحاب المصلحة من دافعي الضرائب والمستفيدين من خدمات هذه المرافق الحكومية لا يعرفون أي شيء عن الطريقة التي يتم بها حساب التكلفة في هذه المرافق، والأثر الذي تتركه على التكلفة عوامل مثل العمالة غير الضرورية الزائدة، والأجور والمكافآت المبالغ فيها، والأشكال المختلفة من إهدار الموارد الناتج عن انخفاض الكفاءة أو الفساد. 

مرافق المياه والكهرباء والسكة الحديد كلها تتمتع بوضع احتكاري في مجالها. والمواطن مضطر للتعامل مع هذه المرافق مهما كان مستوى الخدمة الذي تقدمه والأسعار التي تفرضها، فالبديل منعدم والمنافسة غير موجودة. ضرر الاحتكارات الصناعية والتجارية البالغ على الاقتصاد ومصلحة المواطنين هو أمر مؤكد. فالوضع الاحتكاري يحمي صاحبه من المنافسة بكل ما تجلبه من ضغوط تحفز تطوير المنتجات وزيادة الإنتاجية وتخفيض التكلفة وتحسين خدمة العملاء، فإذا غابت المنافسة وساد الاحتكار تدهورت جودة المنتجات، وزادت تكلفة إنتاجها، وارتفع سعرها، وجرت الاستهانة بخدمة العملاء الذين هم في النهاية أسرى لدى المحتكر، وسوق مضمون لمنتجاته رغم ما قد تكون عليه من رداءة. 

ملكية الحكومة للمرافق العامة صاحبة الوضع الاحتكاري ليس ضمانا لتجنب المشكلات الناتجة عن الاحتكار، بل وربما أدت إلى تفاقم هذه المشكلات، بسبب ما هو معروف عن الحكومة من عمالة زائدة، وفساد، وانخفاض الكفاءة، وإهدار الموارد، وانتشار الواسطة، وضعف الرقابة والمتابعة، بحيث يصبح مطلوبا من المواطنين المضطرين للتعامل مع هذه المرافق تحمل هذه التكلفة الزائدة في كل مرة تتم فيها مراجعة حسابات التكلفة والعائد لتحريك الأسعار وترشيد الدعم. والمطلوب هو أن يتبنى نواب الشعب القضية، ويبذلون جهدا إضافيا تشريعيا ورقابيا لوضع قواعد منضبطة لحساب التكلفة في الاحتكارات الحكومية، ولتخليص هذه الاحتكارات من عوامل الفساد الكثيرة الكامنة فيها.

إعلان