إعلان

نظرية للشيخ الشعراوي خاطئة وفاسدة

د. عمار علي حسن

نظرية للشيخ الشعراوي خاطئة وفاسدة

د. عمار علي حسن
08:56 م الأربعاء 05 يوليو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

مع التفاوت الطبقي المتصاعد في بلادنا، بفعل الظلم الاجتماعي، والفساد الإداري، والاستبداد السياسي، أجد نفسي في هذا المقام بحاجة ماسة إلى مراجعة بعض الأفكار الدينية التي يتم استغلالها في تبرير الوضع القائم على ما فيه من اعتوار واعتلال وسخف. ولعل الفكرة الأبرز هنا تتعلق بما سبق أن قاله الشيخ محمد متولي الشعراوي، رحمه الله، عن التساوي في الرزق بين البشر أجمعين.

فقد سمعت، كغيري، الشعراوي وهو يقول إن البشر متساوون في أرزاقهم، فهذا أخذ نصيبه الأكبر صحة، وذلك أخذه مالا، وذاك أخذه بنين، ورابع أخذه راحة بال أو سعادة، وخامس أخذه علما. لكننا وجدنا في دنيانا أناسا كثيرين يعيشون في مرض وفقر وعقم وتعاسة وجهل، وعلى النقيض هناك من نجدهم قد أخذوا كل شيء، وصارت بأيديهم أسباب القوة وركائزها جميعا.

ولا ينفع مع حال التناقض التام تلك قول الشعراوي إن هناك مساواة أو تطابقا تاما في الرزق بين الطرفين، ثم محاولته، عبر طريقته الجاذبة للبسطاء، تسويق وجهة نظره تلك، التي كررها، فساحت في أرض المسلمين، وصار هناك من يرددها من عموم الناس، ومن يستغلها بين الطبقات المهيمنة، والسلطات السياسية المتجبرة، التي توظف الدين في تبرير الأوضاع القائمة، وهي طريقة ألفتها الحكومات المستبدة عبر التاريخ، وبلغت حدا من الاستغلال دفع الفيلسوف الاقتصادي كارل ماركس إلى قول جملته الشهيرة: "الدين أفيون الشعوب"، والتي يرفضها المتدينون بدافع اعتقادي وعاطفي ونفسي، دون أن يمعنوا النظر في الأسباب التي دعته إلى هذا القول، وجعلت بعض الذين اتبعوه يفضلون الإلحاد على التدين، أو على الأقل ينظرون إلى استعمالات الدين نظرة نقدية فاحصة.

ومد الشيخ الشعراوي نظريته في اتجاه آخر فوجدناه يقول ذات يوم إن ما ينتجه الغرب من رزقنا نحن، فأهله يتعبون من طول التفكير، وعناء الابتكار، وبذل الجهد المضني، ثم ينتجون لنا الآلات على اختلاف أنواعها وألوانها وأحجامها وأوجه استخدامها، ثم نستوردها لنستمتع بها ونحن في دعة وسعة وبلا عناء في التفكير أو التدبير. ومثل هذا التصور كفيل بصناعة أقصى وأقسى درجات التراجع والتخلف عن ركب الأمم، وكان من المنطقي أن يتصدى كثيرون لتفنيده، وهم على ثقة تامة من صدق مسلكهم، وإيمان بأن الأمر لا يحتاج إلى جهد جهيد في إقناع الناس بهذا.

لكن تصور الشعراوي عن الرزق ظل ساريًا وجاريًا، يردده الناس في كل مكان، وعلى مدار سنوات كان فيها الرجل على قيد الحياة، ونحو عشرين عاما منذ أن فارق دنيانا وحتى هذه اللحظة، وهو ما يجب تفنيده هنا، أو محاولة طرح وعرض تصور أكثر منطقية حول مسألة الرزق، لا تؤدي إلى توظيف الدين في تخدير الناس، وجعلهم يرضون بأوضاعهم البائسة، ويظنون وهما أن ما هم فيه هو قدر لا فكاك منه، وأن محاولة الخروج منه أو التمرد عليه، هي تعبير عن عدم الرضاء بما قسمه الله سبحانه وتعالى.

أتصور أن عدل الله، جل جلاله، يمضي في اتجاه غير الذي أدركه الشعراوي، وباح به للناس، وكرره خلفه دعاة ووعاظ وأهل فتوى وخطباء، وآمن به كثيرون، وتعاملوا معه على أنه حقيقة دينية راسخة. فالله يسأل الناس على قدر ما أعطاهم، فمن أتاه علما، سيسأله في الآخرة عما فعل بما تعلمه، هل نفع به الناس ودافع به عن الحق والحقيقة؟ أم استخدمه كقلادة زينة ليضعها في عنق كل قبيح؟ أو وظفه في خدمة الطغاة والعصاة والجباة؟ ومن أعطاه الله مالا سأله فيما أنفقه؟ هل في وجوه الخير؟ أم تبطر به وطغى وضن به على خلقه من الفقراء؟ ومن أعطاه صحة سأله هل استعملها في البناء والتعمير؟ أم في التخريب والتدمير؟ .. وهكذا عن كل الحالات والأوضاع.

فكل مسؤول أمام الله على قدر ما أعطاه، ولهذا فإن الغني العارف المعافى الولود السعيد، سيختلف سؤاله عن الفقير السقيم الجاهل العقيم التعيس، وبين هذين الحدين، الأقصى والأدنى، هناك حالات متنوعة لحال البشر، تتفاوت في درجاتها وطبقاتها، وعلى قدرها سيكون السؤال، مع الأخذ في الاعتبار، وهذا منطقي أيضا، أن الإنسان مطالب بالسعي الدؤوب في سبيل تحسين شروط حياته، والله تعالى يعلم ويُقَّدِر ويقرر.

إعلان