إعلان

طبيعة المرحلة الراهنة من الصراع في القدس

طبيعة المرحلة الراهنة من الصراع في القدس

محمد جمعة
10:42 م الثلاثاء 25 يوليو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

محمد جمعة

من يتابع الآن ما تسطره مراكز الابحاث الأكثر رصانة فى إسرائيل ستزداد قناعته بأن " تل أبيب" باتت قاب قوسين أو أدنى من اتخاذ خطوات حاسمة تجاه القدس والأقصى. وأن ثمة قناعة لدى قادة إسرائيل بأن الاوضاع الراهنة تمنحهم فرصة كبرى لتقويض آخر مظهر من مظاهر الوصايا العربية والإسلامية على الأقصى، والمتمثلة فى انفراد وزارة الأوقاف الأردنية بالإشراف عليه.

إسرائيل – عبثًا - تحاول فى هذه الآونة اقناع العالم بأن ما أقدمت عليه من نصب كاميرات للمراقبة، أو بوابات إلكترونية على مداخل الأقصى، ما هو إلا رد فعل طبيعي بعد مقتل شرطييها هناك، قبل نحو عشرة أيام.

فى حين أن سياسات الماضي، وتدابير الحاضر، وخطط المستقبل، بشأن مدينة القدس والمسجد الأقصى، تعكس بشكل واضح عدم مصداقية الرواية الإسرائيلية.

*مثلا، فى مثل هذا الشهر قبل نحو 37 عاما( 30 يوليو1980 ) قرر مناحم بيجن رئيس وزراء إسرائيل، آنذاك، نقل مكتبه إلى شرق القدس، وصوت لصالح مشروع القرار الذي تقدم به عضو الكنيست اليميني "جؤلا كوهين" ويقضي بضم شرق القدس.

وقد دفع هذا القرار مصر إلى إعلان وقف محادثات الحكم الذاتي، لأنها أدركت عدم قيمته العملية في ظل تلك الأوضاع.

آنذاك لم تكن هناك أية هجمات قد وقعت ضد إسرائيل، لكى تتذرع بها... بل العكس هو الصحيح... آنذاك كانت عناصر إسرائيلية متطرفة قد اغتالت رؤساء مدن: نابلس، ورام الله، والبيرة، بعد أن كمنت تلك العناصر لحافلات عربية كانت تقل هؤلاء المسؤولين، ونفذت جريمتها.

ولم تكتفِ بذلك بل أعلنت صراحة عن اعتزامها تفجير المقدسات الإسلامية في القدس، الأمر الذى دفع مجلس الأمن فى يونيو 1980 إلى اتخاذ قرار بإدانة إسرائيل... فجاء قرار بيجن كرد فعل على تلك الإدانة من قبل الأمم المتحدة .

*أيضا فى عام 2006 لم تشهد مدينة القدس هجوما واحدا ضد أى هدف لإسرائيل. ومع ذلك أقدمت حكومة الاحتلال على سحب هوايات 1363 فلسطيني مقدسى خلال ذلك العام فقط . وهى خطوة تجسد الإجراءات الإسرائيلية المتحدة على صعيد محاولة حسم المعركة على الديموجرافيا فى القدس، من خلال إفراغها من سكانها العرب والتضييق عليهم.

*وفى السياق ذاته، وبعد شهور قليلة على انعقاد مؤتمر " أنابوليس" للسلام، فى نوفمبر2007 ، وبينما كان ايهود أولمرت يفاوض محمود عباس... كانت دوائر الكنيست الإسرائيل تتداول مشروع قرار يقضى باعتبار "القدس" عاصمة لـ " الشعب اليهودى "، وليس فقط عاصمة لإسرائيل !!

والمعنى المترتب على أن القدس عاصمة " للشعب اليهودي " هو أن الـ 252 ألف فلسطيني من سكان القدس سيصبحون بمثابة مقيمين فقط وليسوا مواطنين.

وفوق ذلك فان هذا الإجراء يعكس اصرار الحركة الصهيونية على جعل اليهودية قومية، وبالتالي يعطى الحق فى "القدس" لكل يهودى، بغض النظر عما إذا كان مواطناً اسرائيلياً أم لا، أو كان يعيش فى اسرائيل أم لا !!

ومن ثم تصبح القاعدة الحاكمة بشأن القدس، وفقا لهذا الإجراء: أن القدس عاصمة لكل يهودي سواء كان إسرائيلياً أو غير إسرائيلي، يعيش فى إسرائيل أو يعيش خارجها. وليست عاصمة لغير اليهودى حتى ولو كان من حملة الجنسية الاسرائيلية( مثل عرب 48 ) أو يعيش ليس فى اسرائيل فقط ، بل فى القدس ذاتها !!

*المقصد من كل تلك الشواهد ( وغيرها الكثير) أنه من الخطأ النظر لما يحدث الآن، في الأقصى والقدس، باعتباره خطوة ضمن تدابير أمنية احترازية من قبل إسرائيل. أو أنه إجراء معزول أو مفاجئ يجد تفسيره فى الأوضاع العربية الراهنة، التى يمكن أن تكون بمثابة إغراء لإسرائيل لتفعل ما يحلو لها.

والحقيقة أن تلك الاجراءات تأتى فى سياق أعم وأشمل، وتندرج ضمن الاستراتيجية الاسرائيلية التي تستهدف إحداث تغيير جذري فى القدس.

إسرائيل أنهت ذلك التعايش المشترك مع السلطة الفلسطينية في القدس الشرقية – على الأقل على المستوى السياسي – بإغلاق مؤسسة "بيت الشرق" في أغسطس 2001.

وهى الآن تسعى- فيما يبدو- لإنهاء حالة "التقاسم الوظيفي" الراهنة مع وزارة الاوقاف الأردنية، من أجل تأكيد سيادتها على القدس والأقصى معا.

وإذا كانت قد تراجعت اليوم عن إجراءاتها، أمام صمود المقدسيين، إلا أن هذا لا يعني أبدًا أنها لن تعيد الكره عما  قريب.

إعلان