إعلان

أن يصبح الشعب انتحارياً

أن يصبح الشعب انتحارياً

أمينة خيري
08:34 م الإثنين 24 يوليه 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أمينة خيري

أن يفجر أحدهم نفسه في آخرين لأنه خضع لغسل دماغ فهذا مفهوم. وأن يقرر أحدهم أن يقفز في النيل هرباً من قصة حب فاشلة أو طموحات شخصية مجهضة فهذا أيضاً مفهوم. وتظل هذه وتلك تيارات فكرية ظلامية مغرضة، أو قرارات شخصية مؤسفة. أما أن يتخذ شعب بطوائفه قراراً جمعياً بالانتحار فهذه كارثة.

الكارثة الحياتية التي نعيشها تسير من سيء إلى أسوأ. وهي كارثة متعددة الأوجه متفرعة الزوايا متشعبة التفاصيل. فبدءاً من شوارعنا المتحولة سيركاً مميتاً مروراً بمجالات العمل المنقلبة فوضى عارمة وانتهاء بمجال الخدمات التي أصبحت كوابيس، بات المصري يعيش ساعات عمره في صراع مستمر، لا من أجل البقاء، بل من أجل الفناء.

فناء الشعوب لا يحدث فقط جراء قنابل هيدروجينية وأسلحة بيولوجية أو زلازل وبراكين أو أوبئة وجوائح. ويبدو أننا ولا فخر أضفنا وسيلة جديدة من وسائل الفناء، ألا وهي الانتحار الجماعي البطيء.

تبطئ السيارات سرعتها لتطل على الحادث المروع على الجانب الآخر من الطريق. حفنة من السيارات المتحولة أكوام حديد محاطة بجثامين ركابها وقائديها بسبب سرعة جنونية. يظن السذج أمثالي أن بشاعة المشهد عظة وعبرة. لكن العكس هو الصحيح. فبعد ما يملون أنظارهم ببشاعة المنظر ينطلق كل منهم بأقصى سرعة استعداداً لبشاعة جديدة. بشاعات يومية على الطرق. سببها لا يكمن فقط في غالبية من قادة المركبات لا تفقه الألف من كوز الذرة في قواعد القيادة، بل تكمن في ضرب عرض الحائط بقوانين السير الميتة إكلينيكاً وقوانين الطبيعة الراقدة في غيبوبة. وتتكلل هذه البشاعة بإدارة مرور لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم، بل اتخذت قرار الاحتجاب والاعتزال. صحيح تعاود الظهور أحياناً، ولكن للضرورة القصوى حيث موكب مار هنا أو تأمين لا بد منه هناك.

وهناك في الأدغال والغابات، حين تشعر الأفيال بدنو الأجل تتوجه في صمت إلى الأنهار حيث تموت. لكن هنا في الأحراش ينتشر الراغبون في دنو الأجل في كل مكان داهسين أنفسهم والآخرين دون وجه حق.

الحق الذي يملكه المواطن ليحصل على خدمة حكومية، أو ليوقف سيارته في مكان في الشارع، أو ليحصل على علاج آمن متكامل، أو يلحق أبناءه بمدرسة تمنحه علماً وتنشئة، أو يمشي في شارع ذي رصيف أو يعبر الطريق عبر إشارة مرور إلى آخر قائمة الحقوق البديهية بات سلاحاً يستخدمه مقدمو الخدمات للقضاء على طالبيها. فبين رشاو مقنعة وصريحة، وبلطجة موجهة وكريهة، وتقطير في تقديم خدمات صحية دون وجه حق، وتحويل المدارس إلى هياكل بناء منزوعة الروح والضمير، وسلب المواطن الحق في رصيف آدمي لا يمكن توجيه اللوم لجهة دون أخرى، أو لاعب وليس آخر.

تقصير حكومي؟ نعم! تقاعس مروري؟ بكل تأكيد. تحلل إداري. صحيح. لكن نحن أهل مصر تحولنا انتحاريين على أنفسنا ومن حولنا. كثيرون يتفننون في رصد الأعاذير وسرد الحجج. مضغوطون اقتصادياً، منهكون عصبياًن قلقون اجتماعياً، مهددون أمنياً، فاقدون للأمل، متشائمون، مظلومون، "ما الكل بيعمل كده"، "هي جت علي أنا؟" وقائمة الشماعات طويلة جداً.

وإلى أن يستيقظ المسؤولون من غفوتهم، وتفيق إدارة المرور من غيبوبتها، ويتنبه أولي المؤسسات والهيئات إلى أن الأمور لا يمكن أن تترك لتدير نفسها بنفسها، هل لنا أن نواجه أنفسنا؟ حين تضرب بقواعد المرور عرض الحائط هل خفف ذلك من ضغوطك الاقتصادية؟ حين تمتنع كطبيب أن ممرضة عن تقديم خدمة محترمة لمريض، هل أعاد ذلك لك حقك المسلوب؟ حين تعطل مصالح المواطنين ولا تنجز مهام عملك إلا بسياسة الدرج المفتوح، هل طمأنتك الرشاوى على مستقبل أبنائك؟

الشعب الانتحاري يأكل نفسه بنفسه!

إعلان