إعلان

حول" تفاهمات" مصر و حماس و دحلان "

حول" تفاهمات" مصر و حماس و دحلان "

محمد جمعة
08:21 م الثلاثاء 18 يوليه 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

محمد جمعة

طيلة الاسابيع القليلة الماضية كثر الحديث حول تفاهمات، قيل أنه قد جرى التوافق بشأنها، بين مصر وحركة حماس، من ناحية. وبين حماس والنائب فى المجلس التشريعي الفلسطيني محمد دحلان، من ناحية أخرى، وبرعاية مصرية أيضا.

خلال ذات الفترة، كانت القاهرة قد استقبلت وفدين كبيرين من حركة حماس، استغرقت مهمة كلا منهما أكثر من أسبوع كامل من المحادثات. وهو ما عزز انطباعات الكثيرين بأن هناك جديدا ما يجرى الترتيب له. وأن هذا الجديد ربما سيفضى إلى إعادة تشكيل المجال العام فى غزة وحولها، أو يغير من قواعد اللعبة هناك.

والملفت هنا أن بعض الأطراف الفلسطينية المحسوبة على توجهات بعينها، ربما تعمدت المبالغة فى طبيعة هذه " التفاهمات" وما تضمنته، وحدود التزامات كل طرف، وأيضا المهام الموكله إليه بموجب هذه التفاهمات.

خذ، على سبيل المثال، ما قيل بشأن المهام الموكله لمحمد دحلان، وأنه سيكون رئيس وزراء " حكومة غزة ". والمبالغة هنا لا تتعلق فقط بعبارة " حكومة غزة" وما تثيره من إشكاليات كبيرة، أو تحفظات عليها من قبل أطراف عديدة. ولكن أيضا لأن عودة "دحلان" إلى قطاع غزة أمر مقطوع بعدم حدوثه، على الأقل فى الوقت الراهن. وإن كنا هنا لا ننفى أنه يجرى الآن بالفعل الإعداد لعودة " سمير المشهراوى" – الذراع الأيمن لدحلان – إلى غزة خلال الأيام القليلة القادمة .

*بالطبع، المجال هنا لا يسمح بتناول أبعاد تلك التفاهمات تفصيليا. لكن ما هو جدير- من وجهة نظرنا- بلفت الانتباه إليه، فى هذه السطور، يتمثل فيما يلى:

أولا: بالنظر إلى الحسابات المتعلقة بـــ"الصراع الفلسطيني – الفلسطيني" يمكن القول أن التفاهمات بين حماس ودحلان ستقلل– فى حال التطبيق – من قيمة كل الإجراءات التى اتخذها الرئيس أبومازن مؤخرا تجاه " سلطة حماس" فى غزة، والتى استهدفت الضغط عليها ودفعها إلى إنهاء سيطرتها على القطاع. والتى كان آخرها قرار الحكومة الفلسطينية فى رام الله، فى الرابع من يوليو الجاري، بإحالة 6145 موظف في قطاع غزة إلى التقاعد المبكر.

بل أن تلك التفاهمات قد لا تشكل مخرجا لحماس من أزماتها الراهنة وفقط ، بل تعزز أيضا من وضعها كقوة حاكمة في غزة، وكقوة إقليمية ذات تأثير وقادرة على المناورة.

وفى السياق ذاته، تشكل فرصة أيضا لــ"تيار دحلان" داخل حركة فتح، كى يعزز من أوضاعه، خاصة وأن مخرجات المؤتمر السابع لحركة فتح، فى نوفمبر2016، هشمت وضع "جماعة دحلان" وقذفت بهم بعيدا عن قلب المشهد.

أيضا ربما تعزز هذه التفاهمات من مكانة دحلان كمنافس محتمل لعباس على رئاسة السلطة الفلسطينية، أو تبقيه – على الأقل- كرقم صعب فى معركة انتقال قيادة هذه السلطة.

فى الحاصل الأخير، هذه التفاهمات تعكس تلاقيا فريدا فى المصالح بين حماس ومحمد دحلان. وبشروط أفضل لمصر، كون هذا التلاقى أدى إلى انخفاض كبير في احتمالات وقوع حرب جديدة في غزة هذا الصيف، ولا توجد رغبة لدى القاهرة في اندلاع تلك المواجهة التى ستفضي إلى مزيد من تدهور الوضع الأمني في شبه جزيرة سيناء المضطربة بالفعل.

فضلا عن أن تلك التفاهمات تضمنت التزامات على حماس، ووعود من قبلها، تتعلق بالتعاون ضد عناصر السلفية الجهادية، وتحركاتها بطول خط الحدود بين مصر وغزة، خاصة فى تلك المنطقة الواقعة بين شرق معبر رفح، وحتى معبر كرم أبوسالم.

ثانيا: لكن من ناحية أخرى، آثار البعض تخوفاته من مآلات تلك الخطوة، ونتائج تطبيق هذه التفاهمات على الأرض. تتعلق أساسا بانعكاساتها على مستقبل قطاع غزة، وموقعه ضمن المشروع الوطني الفلسطيني.

وأيضا أثارت الجدل بشأن الشائع عن التوجهات المصرية تجاه غزة، طيلة عقود، والتى تتمثل فى ضمان استمرار فك الارتباط بين مصر والقطاع. وقطع الطريق أمام أي محاولة تستهدف فصل قطاع غزة نهائيا عن الضفة الغربية، أو إعلانه ككيان مستقل عن السلطة الفلسطينية.

وعند هذه النقطة بالذات ينبغي لفت الانتباه إلى أن الأطراف المنخرطة فى تلك التفاهمات لا يمكنها أن تلتقى استراتيجيا مع بعضها البعض، لأن ما يفرق بينها أكبر بكثير مما يجمعها. وبالتالي فإن انخراطها فى تفاهمات بينية لا يمكن أن تكون أكثر من مناورة ( حتى ولو كانت من العيار الثقيل) لحسابات وأهداف مختلفة، ومن منطلقات متباينة أيضا.

مثل هذه المناورة لا يمكنها أن تفرز سوى ترتيبات مؤقته، كونها ليست أكثر من ممر إجباري لأطرافها. وسرعان ما سيسعى كل طرف إلى توظيفها لصالحه ووفقا لحساباته السياسية وتوجهاته الاستراتيجية. أو ربما الانقلاب عليها، حال انقضاء حاجاته الظرفية التى سعى لتحصيلها.

وفى حالتنا هذه، من المستبعد أن يستمر التعاون بين حماس ودحلان. صحيح أن مصالحهما قد تتداخل أحياناً كما حصل هنا. لكن بالمقابل هناك الكثير من العوامل التى تمنع تحول هذا النوع من الخطوات التعاونية إلى شراكة كاملة... فالأهداف النهائية لكلا الجانبين متضاربة من حيث المبدأ، إذ يسعى كلٌّ منهما إلى الهيمنة ليس على غزة وفقط، ولكن على المستوى الوطني الفلسطيني في النهاية. وهنا حماس بالذات لا يمكنها أن تطمئن إلى تفاهماتها مع دحلان، بل ستخشى دائمًا من تزايد تأثيره، ومن الصدام المحتمل القادم معه.

بالإضافة إلى ذلك، من غير المرجح أن يجلس أبومازن مكتوف الأيدي، حيث ستواجه سلطته تحدياً شديداً من قبل مثل هذا التلاقي المؤقت. وقد أثبت مهارته في الماضي في الحفاظ على أهميته في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية على السواء، كما أن المصلحة القوية لإدارة ترامب في إحياء عملية السلام تبعث في نفسه شعوراً بالثقة .

أما في السياق الإقليمي الأوسع، فبينما سترحّب مصر ودولة الإمارات - الداعم الرئيسي لدحلان - بالتطورات التي ستحل محل الدور القطري في غزة، إلّا أن كلتيهما معاديتان بشدة لمشروع حماس، ومن غير المرجح أن توافقان على أي ترتيبات طويلة الأجل من شأنها أن تترك «حماس» مسؤولة عن القطاع.

فضلا عن أن القاهرة لا ترغب فى أن يجرى تقديم حماس بوصفها السلطة السيادية في القطاع، حتى لا تعمد الحركة إلى تجاوز التفاوض على مسائل أمنية، كما هو الحال اليوم، للتفاوض على اتفاقات سياسية أيضا.

ثالثا: الدلالة الأهم لتلك التفاهمات، تتمثل - من وجهة نظري- فى أن التداعيات السلبية الهائلة لتجربة الانقسام الفلسطيني طيلة عقد كامل، يبدو أنها ولدت قناعة لدى القاهرة، باستحالة معالجة بعض آثار تلك التجربة البائسة، من دون المجازفة بالانخراط فى مسارات تكتيكية، أو مناورات من العيار الثقيل، تبدو مفتوحة أمام اتجاهات شتى. 

وفى تقديري أن القاهرة على قناعة تامة بأن هذا التلاقي المؤقت بين حماس ودحلان( وبشروط تعود بالنفع على مصر أيضاً) سيبقى عرضة للتأثير عليه من قبل ديناميكيات فلسطينية وإقليمية أعمق، من غير المرجح أن يتم التغلب عليها في أي وقت قريب. ولهذا سيظل أشبه بضمادة جروح سوف تسقط على الأرجح يوماً ما.

إعلان