إعلان

طعنات.. ومختلون!

طعنات.. ومختلون!

د. ياسر ثابت
08:17 م الثلاثاء 18 يوليه 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

د.ياسر ثابت

جاء حادث طعن الخريج الأزهري عبدالرحمن لسائحات أجنبيات على شاطئ قرية "ذهبية" في الغردقة، ما أودى بحياة سائحتين ألمانيتين، والاعتداء باستخدام سلاح أبيض على حارس كنيسة القديسين مار مرقص الرسول والبابا بطرس خاتم الشهداء بمنطقة سيدي بشر بمدينة الإسكندرية، في 14 و15 يوليو 2017 على التوالي، ليعيد فتح ملف الطعنات في مصر.

في حادث الاعتداء على كنائس الإسكندرية في إبريل عام 2006، تحدثت أجهزة الأمن عن الجاني وسلاحه الأبيض بوصفه مختلًا.

ومختل الإسكندرية محمود صلاح الدين عبدالرازق الذي لم يكن يطعن غير المسيحيين في طريقه إلى ثلاث كنائس تفصل بينها كيلومترات عدة يبدو بهذه الانتقائية الدقيقة لضحاياه أعقل منا جميعـًا.. وهو يشبه في ذلك عامر عاشور عبدالظاهر، مندوب الشرطة، بمركز شرطة بني مزار في المنيا، الذي أطلق النار على ركاب العربة رقم 9 بالقطار رقم 979 أثناء دخوله محطة سمالوط، في 11 يناير 2011، فقتل مواطنـًا وأصاب خمسة آخرين. وسرعان ما قالت أجهزة الأمن إن عاشور سبق منعه من حمل السلاح لمدة عام قبل سنوات من الهجوم، بقرار من المجلس الطبي؛ لأنه كان يعاني اضطرابات نفسية بسبب ظروف معينة.

سيناريو الخلل العقلي تكرر مع علاء عبدالعظيم الأفندي مدرس الثانوي في بلدة برديس الذي قالت عنه سلطات الأمن عام 2000 إنه مختل عقليـًا بعد أن اتهمته بطعن قُمص في كتفه ويده وصدره.

ومحمود وعامر وعلاء لا يختلفون في ذلك عن صابر فرحات الذي ارتكب حادث فندق سميراميس في 26 أكتوبر 1993 والذي أسفر عن مقتل أميركيين وفرنسي وإيطالي وجرح سائحين آخرين.. وبفضل بُعد نظر أجهزة الأمن فقد أودِع صابر العنبر رقم تسعة في مستشفى الخانكة الذي يضم المتهمين بجرائم وحصلوا على البراءة بعد أن ثبت بطرق وأساليب ملتوية اضطرابهم عقليـًا.

لكن صابر أثبت للمختلين في السلطة أنه عاقل لدرجة إدمان الإجرام، حين هرب من العنبر والمستشفى ليرتكب حادثـًا أعنف وأبشع هو حادث المتحف المصري في قلب ميدان التحرير الذي أودى بحياة تسعة سائحين ألمان وسائقهم المصري بعد تفجير حافلتهم خارج المتحف في 18 سبتمبر 1997.

يلاحظ أن "المختلين" الثلاثة، صابر ومحمود وعلاء كانوا في منتصف العشرينيات عندما ارتكبوا جرائمهم، أما عامر فقد كان في الثلاثين من عمره. ترى أي دلالة تنطوي عليها تلك الملاحظة؟!

سأترك الأمر لعقولكم واستنتاجاتكم.

مختلٌ عقلي آخر، حسب رواية الحكومة، كاد يغتال الرئيس الأسبق حسني مبارك بمطواة في بورسعيد في سبتمبر من عام 1999.. غير أن أبو العربي تعثر ولم يتمكن إلا من إصابة مبارك داخل سيارته بجرح قطعي في يده قبل أن يرديه أفراد الحراسة قتيلًا.

ودعونا لا ننسى أن سلطات الأمن أرادت أن تطوي صفحة الجريمة البشعة التي وقعت في بني مزار بالصعيد قبل أن يغادرنا العام 2005 فقالت إن مرتكبها مضطرب نفسيـًا.. ونقلت عنه أنه "جاءه هاتف" أو كلمه صوت طلب منه ارتكاب مثل هذه الجريمة التي راح ضحيتها 10 أبرياء منهم 3 أطفال ورضيع لم يتجاوز عمره عامـًا واحدًا. وسائل الإعلام الرسمية اعتبرت أن توجيه الاتهام إلى مختل عقليـًا بارتكاب المذبحة نهاية مناسبة ومنطقية للمأساة قبل ساعات من بدء العام الجديد. إلا أن تبرئة الشاب قلبت كل الموازين وفضحت خطة غسل يد الأمن من المجزرة.

المضحك أن أجهزة الأمن المصرية سارعت عقب أحداث الإسكندرية 2006 إلى دعم روايتها بالإعلان عن إلقاء القبض على 150 مختلًا عقليـًا في شوارع القاهرة والإسكندرية ومختلف المحافظات، وذلك في إطار ما قالت إنه الحملة التي تشنها وزارة الداخلية المصرية لضبط المرضى النفسيين والمختلين عقليـًا بالشوارع وإيداعهم مستشفى الأمراض النفسية.

نكتة أخرى: في مطلع عام 2006، ألقت أجهزة الأمن في القاهرة القبض على شاب يُدعى زكريا السيد زكريا يبلغ من العمر 25 عامـًا أثناء سيره أمام كنيسة العذراء في شارع طومان باي بمنطقة الزيتون للاشتباه بأنه مختل عقليـًا وبتفتيشه عُثِرَ معه على سلاح أبيض وتم إيداعه مستشفى الأمراض العقلية لتوقيع الكشف الطبي عليه.. أي والله هذا ما أعلنت عنه الداخلية وقتذاك.

ولكن، لماذا ترتاح الحكومة إلى هذا "السيناريو المضطرب" إن صح القول؟.. لا بدّ أن هناك أكثر من إجابةٍ محتملة، لعل إحداها أن هناك قطاعـًا واسعـًا من المواطنين يريد أيضـًا إغلاق الملفات الشائكة بالقول إن المتهم في مثل تلك الحوادث هو شخص غير سوي أو مجنون.. نوع من التطهر الساذج عبر تأكيد أن هذا الشذوذ لا يمثل القاعدة السليمة.

نعتقد أن الخلل العقلي، لا يصح تسويقه لمثل تلك الجرائم، التي قادتنا الآن للوقوف وجهـًا لوجه أمام الخطر الآني الداهم: الإرهاب.

إعلان