إعلان

تطبيق القانون "بس بالراحة"

تطبيق القانون "بس بالراحة"

أمينة خيري
08:00 م الإثنين 17 يوليو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أمينة خيري

كان يوم أسود يوم نجحت "الوراق" في أن تكون عنواناً رئيساً في صحف العالم! وكان يوماً كريهاً حين وقف المصريون على جبهتين متضادتين متناقضتين فيما يختص بأحداث الوراق. فريق يطالب بالضرب بيد من حديد والآخر يطالب باللين والرفق. 

الأول يرى أن انسحاب الدولة الآن يعني خسارة جديدة تضاف إلى قائمة خسائر دولة القانون. والثاني يؤكد أن على الدولة أن تنسحب وكفى ما يعيشه أهل الوراق من مصاعب ومآس. 

وبين الأول والثاني درجات من انتماءات وأيديولوجيات، أو انتقامات وانتفاعات، أو أولويات وأهداف. وإذا استثنينا فئات مثل الإخوان وأبناء عمومتهم من هواة الصيد في المياه العكرة، والبعض من الثوريين ومعارضي النظام ممن تمكنت منهم كراهية الرئيس والرغبة في التغيير بغض النظر عن الوسيلة والنتيجة، يتبقى لدينا باقي الشعب الحائر بين الحق والمستحق من جهة والاستثناءات وال"بسات" من جهة أخرى. 

"أراض مسروقة بس .." "بيوت مشيدة دون تراخيص بس.." "عشوائيات تعرض سكانها ومن حولهم للخطر بس .." إلى آخر قائمة ال"بسات" المفهومة إنسانياً والمقدرة واقعياً جميعها يتبادر إلى ذهن غالبية المصريين. أهالي الوراق – القابعون حول خط الفقر أو أعلاته بقليل أو أسفله بكثير- غارقون في المعاناة. وهم يدافعون عن بيوتهم التي ولد بعضهم فيها، ونشأوا في محيطها، ولا يعرفون سواها. لكنها بيوت مشيدة على أراض لا يملكونها. ومسألة إنهم ولدوا هناك وأن آباءهم عاشوا في البيوت نفسها ليست دليل ملكية. 

دليل ملكية آخر يقدمه أحد أهالي الوراق ألا وهو مواسير المياه والكهرباء والصرف الصحي التي تقدمها الحكومة. "كيف يمكن أن تكون الحكومة مشاركة في عمل غير قانوني؟!" 

مرة أخرى، هذا ليس دليل ملكية، لكنه دليل إدانة على واحدة من آلاف الجرائم التي ارتكبتها أنظمة سابقة وأبرزها نظام الرئيس الأسبق مبارك. وهي الجرائم غير القابلة للمحاكمة والتحقيق والحكم في ساحات القضاء. فكيف يمكن أن تحاكم آلاف وربما ملايين حولوا الفساد منظومة قائمة بذاتها. إحتل أرضاً، إبنِ عليها، إدفع غرامة، تصالح مع الدولة، تمتع بالخدمات. أو اشتر أرضاً، وابني عمارة 18 طابقاً، وادفع رشاوى للمسؤولين، وبع الشقق، واكسب ملايين، ولن يُكتشف أمرك إلا إذا انهارت العمارة على رؤوس سكانها. وهلم جرا!

شبكة "سي بي إس" الأميركية أفردت مساحة كبيرة لأحداث الوراق. الصور التي نشرتها تقول الكثير. أهالي الوراق من الغاضبين المتظاهرين ضد الإزالة يرفعون أذرعتهم. البعض يلوح بعلامة النصر، البعض الآخر يلوح ب"قبضة مانديلا" (شعار الحركات الاحتجاجية)، وآخرون يصورون بهواتفهم المحمولة، وفريق رابع يرفع السبابة للتشهد على المواطن الذي قٌتِل في الاشتباكات مع الشرطة، وشاب محمول على الأعناق ومتلفح بالكوفيه الفلسطينية التي ذاع صيتها إبان الفعاليات الثورية في 2011 يهتف والسكان يهتفون خلفه. 

ولولا انشغال العالم بأزمة قطر، و"تحرير" الموصل"، ورسم مستقبل سوريا، والاتفاق على شكل العراق، والتجاذب حول ما يجري في المسجد الأقصى، وتتبع همسات ولمزات الرئيس الأمريكي ترامب لتفرغ إعلام العالم لنا، ولخرج منظرون أمميون يجزمون أن أحداث الوارق فتيل لربيع مصري، ولندد ناشطون دوليون بالدولة الشريرة التي تعمل على استرداد أرضها، ولشجب خبراء ستراتيجيون عالميون بتعامل الشرطة مع السكان من منطلق "كل يوم قلقاس كل يوم قلقاس" وإن لم يكن قلقاساً فطكل يوم مكرونة بالفراخ كل يوم مكرونة بالفراخ". 

لقد وقعنا في حيص بيص. نحن نطالب الدولة بتطبيق القانون بكل صرامة. وحين تفعل نقول لها: "لأ مش قوي كده! بالراحة شوية"! ولأنه يصعب تطبيق القانون "بالراحة شوية" فإن من الأسهل عدم تطبيقه من الأصل. من جهة أخرى، تنفيذ قرارات إزالة وإخلاء مساكن إجراءات ينبغي أن تسبقها خطوات توفير بدائل بالإضافة إلى مفاوضات وتمهيدات مع ممثلين عن السكان. وفي حال تم توفير بدائل معقولة، يكون تطبيق القانون إجبارياً. أقول القانون ولا أقول "القتل" أو "العنف". 

معادلة صعبة؟! نعم! لكنها ليست مستحيلة وحين ننجح في تفعليها علينا تصديرها إلى الإعلام في الداخل والخارج حتى لا تكون أحداث الوراق "اشتباكات مميتة" (بي بي سي) أو "محاولة إخلاء تنقلب إلى موت" (الجزيرة) أو "الحكومة المصرية تستفز المضغوطين اقتصادياً في الوراق" (تغريدة لناشط مقيم في الخارج)

إعلان