إعلان

محاكمة نصر أبوزيد بأثر رجعى

محاكمة نصر أبوزيد بأثر رجعى

محمد شعير
09:03 م الخميس 13 يوليه 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

وحده الموت، نجح فى التفريق بين نصر أبوزيد وزوجته الدكتورة إبتهال يونس، لم ينجح فى ذلك شيوخ الفتنة الذين استندوا وقتها إلى قانون "الحسبة" القادم من دهاليز القوانين المصرية المنسية. أثارت قضية أبوزيد الكثير من الجدل، وانتهت بسفره فى رحلة منفى إلى هولندا استمرت لسنوات. وقتها التفت المثقفون، وبعض رجال الدولة إلى خطورة الحسبة، فتم تعديل القانون ليصبح تحريك الدعوى من حق النيابة العامة وقتها، لا الأفراد. تذكرت ما جرى لنصر عند إعلان الأزهر الأيام الماضية الانتهاء من مشروع قانون" مكافحة الكراهية والعنف باسم الدين". بدء القانون كأنه محاكة بأثر رجعى لنصر أبوزيد، لا مكافحة الكراهية أو العنف باسم الدين!

يأتى القانون فى إطار تسابق مؤسسات الدولة من أجل مزيد من التضيق، ومزيد من الهيمنة ومزيد من المكتسبات السلطوية لهذه المؤسسات. لم يمنع قانون الأزهر عمليات التكفير العشوائى، او أستخدام الدين فى القتل باسم الله، بل جاءت مواده شديدة التعميم والتجريد ما يمتد إلى كل الحقوق الاساسية التى اقرتها المواثيق الدولة، ومن بينها " حرية العقيدة".. جاءت المادة الأولى منه:" منع التطاول على الذات الإلهية والأنبياء والمرسلين والكتب السماوية تصريحًا أو تعريضًا أو مساسًا أو سخرية".. بدون أن يتم تحديد مفهوم "التطاول".

كما يحصن القانون نفسه ضد النقد، أو الاحتجاج بمبادئ الدستور أو المواثيق الدولية إذ تنص المادة الرابعة للقانون بأنه:" لا يجوز الاحتجاج بحرية الرأى والتعبير والنشر والإبداع للأديان بنقد أو عمل ينطوى على ما يخالف أحكام القانون". وبالتالى يغلق القانون باب الاجتهاد او الدراسات الأكاديمية والعلمية الجادة..التى يثاب صاحبها بأجر حتى لو كان مخطئا!

حسب الناقد الدكتور صلاح فضل يعتبر القانون: "محاولة لسد منافذ الفكر العلمى والتأويل الدينى والأبحاث المجتهدة فى الفلسفة، وغلق الباب أمام مسألة مراجعة الثوابت طبقًا لتطورات العلم والعقل والمعرفة". وهو ما يؤكد عليه أيضا الدكتور محمد أبو الغار الذى يشير إلى أن:" التأويل علم هام، ودراسات شخصيات هامة مثل نصر أبوزيد ومحمد أركون كانت هى الأمل فى خروج الفكر الإسلامى من المأزق الذى نعيشه. حين تأتى بقانون يمنع التأويل أو يقول إن هذا تأويل جيد أو غير خاطئ فأنت تمنع حرية الدراسات الإسلامية وهذا مخالف للدين والقانون والمستقبل".

بالتأكيد لا يمكن أن ننفى أن الأزهر هو أحد مؤسسات الدولة المصرية، وأحد مصادر قوتها الناعمة، لكن لا يدرك شيوخه أنه مؤسسة تعمل فى إطار دولة مدنية( دستوريا وقانونيا على الأقل)، لذا من المدهش أن يخوض بعض شيوخه حروبا بالنيابة عن جماعات العنف الديني. يتصورون أنفسهم حماه الفضيلة والأخلاق. لم يتفرغ شيوخ الأزهر لمناقشة قضايا جديرة بالبحث والمناقشة مثل تجديد الخطاب الدينى مثلا، ولا انشغلوا بتنقيه التراث الملئ باحاديث وروايات دينية منحولة لا تنتهى عند العلاج ببول الإبل... ولا حاولوا مثل شيوخ قدامى كمحمد عبده تقديم إجابات لأسئلة الحداثة والمعاصرة وعلاقتها بالدين، انشغلوا فقط بالهيمنة، وتفرغ بعضهم بمطاردة الأفكار المختلفة، والمشاهد السينمائية، والقصص والروايات، وبملاحقة من يقومون بفضح هذه الممارسات والأفكار منتهية الصلاحية!

وكأن الإسلام هو "هم"..وكأنهم ممثليه الوحيدين، وكأن هناك دين جديد ظهر هو "الأزهر"..وكأن هناك جديدة هى إزدراء الأزهر. والحقيقة أنه لا كهانة فى الإسلام...وشيوخ الأزهر مجرد أفراد قد يؤخذ برأيهم الذى هو مجرد اجتهاد، لا قداسة لهم..حتى لو حاولوا هم اغتصاب هذه القداسة، أو بناء سلطة رمزية حتى لا يمكن لأحد نقدهم أو الاقتراب منهم، يتصورون أنهم هم " الدين". كما أن الأزهر نفسه ليس هيئة كهنوتية، وإنما هو مجرد مؤسسة في دولة حديثة، لا في دولة ثيوقراطية حتي لو حاول البعض، وما ينبغي أن نتصدي له ونقاومه بقوة رغبة بعض أفراده في ذلك تحويل الأزهر إلي "كنيسة "إسلامية"...ولا نراهن علي كون شيخ الأزهر في لحظة ما شيخا مستنيرا، لأن الصمت على هذه الممارسات سيؤدي بنا إلى كوارث أكبر وأخطر، وليس بعيدا أن يطلب البعض- مثلا- بمطالبة الأقباط بدفع الجزية ! 

العالم يتغير، وبعض هؤلاء الشيوخ من الغلاة يشبهون بطل قصة يوسف إدريس الشهيرة "المرتبة المقعرة"..شخص ينام فى ليلة "الدخلة" فوق "المرتبة" جديدة و غالية و منقوشة، رقد فوقها بجسده الفارع الضخم، و استراح إلى نعومتها و فخامتها، و قال لزوجته التى كانت واقفة إذ ذاك بجوار النافذة: - انظرى.. هل تغيرت الدنيا ؟ ونظرت الزوجة من النافذة ثم قالت:- لا.... لم تتغير. نام يوما، وأسبوعا، وعاما ثم عشرة أعوام، كانت المرتبة قد صنعت لجسده أخدودا عميقا، و كان قد مات و سحبوا الملاءة فوقه فاستوى سطحها بلا أى انبعاج، و حملوه بالمرتبة التى تحولت إلى لحد و ألقوه من النافذة إلى أرض الشارع الصلبة. حينذاك و بعد ان شاهدت سقوط المرتبة اللحد حتى مستقرها الأخير، نظرت الزوجة من النافذة و أدارت بصرها فى الفضاء و قالت: - يا إلهى ! لقد تغيرت الدنيا.

القانون الذى سلمه شيخ الأزهر لرئاسة الجمهورية..سيصل إلى البرلمان، لمناقشته، ولكن هل سيمر القانون؟

لنكن متشائمين، سيمر كما مرت عشرات القوانين..وسيظل مهددا للتفكير والإبداع تستخدمه السلطة لمصلحتها وقتما تشاء..كما حدث فى قوانين مشابهة مثل خدش الحياء الذى اقر فى السبعينيات لمنع النا من قضاء حاجاتهم علانية فى الشارع..ولكن تمت محاكمة الروائى أحمد ناجى به بسبب جملة فى رواية!

إعلان