إعلان

سلالة النفاق المدهشة

سلالة النفاق المدهشة

د. ياسر ثابت
09:02 م الثلاثاء 11 يوليه 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

د.ياسر ثابت

في السنوات التالية لثورة 25 يناير، لمع نجم عددٍ من المتفوقين في وصلات النفاق الإعلامي، ممن أعادوا أمجاد سمير رجب في جريدة "الجمهورية"، وممتاز القط صاحب مقالة "طشة الملوخية" في جريدة "الأخبار"، وأسامة سرايا ومقالاته المطولة في جريدة "الأهرام" لتهنئة الرئيس في عيد ميلاده.

لم يكن المنافقون الجدد سوى أبناء سلالة النفاق في عهود مضت، وخاصة في عهد مبارك.

ويجوز التذكير بما أورده كاتب السلطة سمير رجب في مدح مبارك ذات يوم في مقال له في صحيفة "مايو" الناطقة باسم الحزب الوطني المنحل؛ إذ قال نفاقـًا ورياء وتزلفـًا: "حسني مبارك هو الدُرة الثمينة التي وهبنا إياها الله سبحانه وتعالى ليظل دائمـًا وأبدًا وأملًا ورمزًا ونورًا وضياء". واستخدمت أيامها الجريدة مصطلح "البيعة"، وهي أمور تقترب من آليات صناعة الحاكم الفرد المتفرد.

والذاكرة لا تنسى أن سمير رجب رئيس مجلس إدارة دار التحرير سابقـًا، قرر في يوم الاستفتاء على بقاء مبارك لفترة رئاسية -ضمن الفترات الرئاسية التي تولاها تباعـًا- أن يضع في الجانب الأيسر من مقالته على الصفحة الأخيرة من جريدة "الجمهورية" آية قرآنية تقول "إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله" (الآية العاشرة من سورة الفتح). 

وهي واقعة ليست خارجة عن سياق مقرئ قرآن شهير ابتدأ تلاوته في إحدى المناسبات الدينية قبل دخول مبارك، ثم ضبط نفسه وقسم الآية نصفين "وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ".. بحيث تواتي قراءته دخول مبارك وهو يقول "مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ".

لنفاق الرئيس في وسائل الإعلام تحديدًا، تاريخ أقدم من ذلك.

حان موعد اللقاء السنوي مع الرئيس بمناسبة "عيد ميلاده". كان هذا أحد الطقوس الدائمة في النصف الثاني من حُكم الرئيس أنور السادات، فبعد أن كان يوم مولده يمر مرور الكرام في السنوات الأولى وحتى حرب 1973، لم تكن أيام 25 ديسمبر لتمر بقسم "الإذاعة والتليفزيون" بجريدة "الأهرام" الرسمية إلا حين تقول "الليلة لقاء مع الرئيس في الساعة 9:15 بمناسبة عيد ميلاده".

وكانت همت مُصطفى، رئيسة التليفزيون آنذاك، هي مُتعهدة اللقاء السنوي، وكان يُصوّر ويُسجل في قرية "ميت أبو الكوم".

المثير للدهشة في الأمر أن الترويج لـ"الرئيس المؤمن" كان منطلقـًا من خلفيته الإسلامية، فلن تتعجب حين ترى خبر احتفال إذاعة القرآن الكريم بجريدة "الأهرام" قائلة إنها اليوم 25 ديسمبر 1978 ستقيم سهرة قرآنية احتفالًا بميلاد الرئيس المؤمن.. ولكن الأعجب أن الترويج لـ"الرئيس المؤمن" ينطلق من مناسبة مسيحية خالصة، لتزامن ميلاده مع ميلاد السيد المسيح.

مثلًا لا حصرًا؛ يفرد الكاتب الصحفي حافظ محمد مقالًا طويلًا في "الأهرام" عام 1973 يتحدث عن العلامات القدرية لآيات الله في السادات، حسب وصفه، فيقول إن الله اختار له يوم ميلاده بوم ميلاد السيد المسيح الذي يحتفل به مئات الملايين في العالم الغربي وإنه ابن محمد أفندي السادات المعروف بالورع الذي أورثه لابنه، ولم ينس التطرق لعام مولده الذي كان 1918 في هدنة الحرب العالمية الأولى بعد أربع سنوات من الحرب وفي عام الاستعداد لثورة 1919 المصرية.

في 1974 كانت هناك فرصة أيضـًا للترويج لـ"إيمان الرئيس"، حيث تزامن عيد الأضحى ليأتي عنوان جريدة "الجمهورية" الرئيسي: "الرئيس يصلي العيد في سيناء". ولا عجب أيضـًا في نشر برقيات التهنئة بعيد الميلاد المجيد وعيد ميلاد السادات.

وفي 25 ديسمبر 1977، كتب يوسف السباعي في جريدة "الأهرام قائلًا:

"كل سنة وإنت طيب.. طيب بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ولأنك طيب فإن الله معك في كل ما تهفو إليه وما تقدم عليه. 

"كان الله في عونك فحققت النصر؛ لأنك مؤمن وشجاع وحازم وحاسم ولأنك طيب.. فإن الله معك ومعنا هدانا وإياك إلى طريق السلام".

قولوا ما شئتم.. فإن التاريخ لا ينسى!

إعلان