إعلان

نساء بهاء طاهر (1): الغربيات صانعات الحياة

نساء بهاء طاهر (1): الغربيات صانعات الحياة

د. أحمد عبدالعال عمر
08:36 م الأحد 04 يونيو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في عالم الأدب الساحر، عشقت نساء كثيرات استطعن بفضل براعة الروائي في رسم الشخصية وملامحها النفسية والعقلية والجسدية أن يخرجن من فضاء العمل الروائي إلى الواقع، ليصرن شخصيات حية من لحم ودم، تشعر بوجودهن معك، وتحبهن، وتفرح لفرحهن، وتتألم لما في حياتهن من جوانب مأساوية.

أبرز هؤلاء النساء في نطاق الأدب العالمي، هي " لارا " بطلة قصة رواية دكتور زيفاجو للأديب الروسي لويس باسترناك. يصف لويس باسترناك "لارا" فيقول: "كنت تقرأ في محياها القلق المعبر عن ذلك العصر، نعم. وتلمح فيه الدموع والشباب والآمال وكل ما خلفه الانتقام والزهو، وهي ملامح ذلك الزمان، كنت تقرأ كل ذلك مرتسماً في تعبيرات وجهها، في ذلك الخليط الذي يجمع بين خجل فتيات المدارس وبين الرشاقة، بحيث يمكنك أن تسمي ذلك العصر باسمها، فأنت تسمع صوته من فمها هي. ولم يكن ذلك بالأمر التافه، بل لعل الطبيعة هيأتها لتكون هي البشير الناطق بالمصير، تلميذة وفي نفس الوقت بطل مأساة غامضة".

أما في نطاق الأدب العربي، فقد احتفظت بمكانة كبيرة في قلبي لنساء بهاء طاهر، الغربيات منهن على وجه التحديد، مثل الرقيقة "آن ماري" بطلة قصة "بالأمس حلمت بك"، و"مارتين" بطلة قصة "أنا الملك جئت"، والسيدة العجوز الفرنسية "مدام سوروندون بيويل" المرأة القوية التي لم تهزمها أيامها، بطلة قصة "الجارة"، و"بريجيت" بطلة رواية "الحب في المنفى"، والأيرلندية "كاثرين" بطلة رواية "واحة الغروب".

والقاسم المشترك بين نساء بهاء طاهر الغربيات هو قوة الشخصية، والرغبة في المعرفة والفهم، وشجاعة الإقبال على الحياة بلا تردد أو خجل، والقدرة على إسعاد رجالهن، ويتضح ذلك في شخصية "مدام سوروندون بيويل" التي قال عنها بهاء طاهر: "في عينيها، -برغم سنها الذي قدرت أنها تقارب الثمانين-، نظرة مرحة، تكاد تكون نظرة شقاوة طفولية، وهي على قناعة تامة أن الحياة هي مرة ويجب ألا نُضيع الوقت، يجب أن نستمتع فيها بكل لحظة". 

وهي التي تعلم منها جارها المهاجر المصري "عويس" أن يعيش الحياة بشجاعة وفرح لم يعرفهما في حياته، ولهذا يخاطبها في مرضها الأخير ويقول: "لا تخذليني يا جارتي الشجاعة، أنا التمس من شجاعتك الأمل الذي ضاع مع عمر انقضى دون معنى ولا فرح. فلا تتركيني وحيداً، هيا عيشي ألف عام كما وعدت زوجك".

ونرى تلك الملامح في شخصية النمساوية بريجيت بطلة رواية "الحب في المنفى"، التي جعلت الصحفي المصري المثقل بالهزائم الشخصية والوطنية، يعرف معها لأول مرة في حياته معنى الفرح، فيقول: "لكم كنت سعيداً! فجأة في تلك الأيام أشرق في ذهني أني حاولت كل شيء: أن أكون ابنًا طيباً وزوجاً جيداً وأباً باراً وإنساناً له مبادئ وصحفياً له ضمير، وعجوزاً وقوراً يدبر لمستقبل أبنائه بعد أن يموت. أشرق في ذهني أنني حاولت كل شيء غير الفرح، غير أن أكون سعيداً داخل جلدي. فأية نعمة أن أعرف، -ولو تكن هي المرة قبل النهاية-، ذلك الفرح المقدس الذي لا يبغي غير ذاته".

وتظهر تلك الملامح بوضوح في شخصية الأيرلندية "كاثرين" زوجة الضابط المصري محمود في رواية "واحة الغروب"، فهي المرأة ذات النضج العقلي والحضور الروحي والجسدي الطاغي، وقد جمعت بين الرهافة الأنثوية والقوة، وحاولت بكل ما تملك أن تكون سنداً وحماية لزوجها المأزوم والهارب من هزائمه الشخصية والوطنية.

في النهاية.. فإن نساء بهاء طاهر الغربيات يتمتعن بثراء وجودي مميز وقدرة على تحريك الساكن في رجالهن، وترميم ما تصدع في أرواحهم ووجودهم، ودفعهم نحو تجربة حياتية أعمق وأكثر سعادة، لأنهن نتاج سياق ثقافي وحضاري ناضج ومغاير، بحيث يُجسدن نموذج "المرأة الحلم" التي تتسم بالعقلانية والتحررية والقدرة على الفعل، ويبحث عنها كل رجل ناضج.

ولكن هل يمكن أن نضع تلك النماذج النسائية في كفة حضارية واحدة، لنعقد مقارنة بينها وبين "المرأة الشرقية" أو المصرية تحديداً؟ وهل من المنصف أن ننتصر لأحد طرفي المقارنة، بأن نخرج بنتيجة مفادها أن نساء الغرب، -على الأقل كما عايشنهن في أدب بهاء طاهر-، أقل تناقضاً، وأكثر نضجاً، وأكثر قدرة على إحتواء رجالهن، وأقدر على بث الحياة والسعادة فيهم من نساء الشرق وفي القلب منه نساء مصر؟.

أظن أننا لا نستطيع الإجابة على هذا التساؤل، إلا بالوقوف على بعض ملامح وسمات النساء المصريات من بطلات بهاء طاهر أيضاً.

يُتبع.

إعلان