إعلان

ضحايا توماس إديسون (1-3)

ضحايا توماس إديسون (1-3)

د. عبد الهادى محمد عبد الهادى

كاتب وأكاديمي مصري

08:49 م الجمعة 16 يونيو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

د. عبد الهادي محمد عبد الهادي

لم يحظ مخترع في التاريخ بمثل ما حظي به "توماس إديسون" من المجد والشهرة والملايين، ينسب إليه -بمفرده وبمشاركة آخرين- أكثر من ألف اختراع كان معظمها تحسينات- ربما كانت هامة وضرورية- لأعمال آخرين، كما نسبت إليه مخترعات لم يبتكرها، كالمصباح الكهربي، والتصوير بالأشعة السينية، ومسجل الصوت، والصور المتحركة رغم أنه لم يخترع أيا منها، وفى حين سقطت أسماء المخترعين الفعليين من التاريخ، كان هو الرابح الأكبر- وربما الوحيد- من وراء كل تلك المخترعات الحقيقية منها والمزعومة.

لم يخترع إديسون أول مصباح كهربي، المخترع الحقيقي هو الإنجليزي السير"همفرى دافى"، وتابع من بعده آخرون تطوير الفكرة حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن. ففي بداية القرن التاسع عشر، لم يكن إديسون قد ولد، كان لدى المعهد الملكي لبريطانيا العظمى ما كان يعتقد أنها أقوى بطارية كهربية في العالم، استخدم "دافى" هذه البطارية في تمرير تيار كهربي خلال شريط رقيق من البلاتين- الذي يتميز بارتفاع درجة انصهاره- ونجح في إنتاج أول مصباح كهربي متوهج في صورة قوس مضيء في عام 1802م، وبعدها بقليل قدم عرضًا عامًا لاختراعه شرح خلاله كيف يمكن توليد الضوء من الكهرباء. لكن مصباح دافي لم يكن عمليا ولا صالحا للإنتاج التجاري والاستخدام على نطاق واسع، بسبب ارتفاع تكلفة البلاتين، ولم يكن ضوءه ساطعا ولا دائما بما فيه الكفاية، لكنه كان "النموذج" الأول الذي اعتمد عليه الإنجليزي "وارين دى لا روو" ونجح فى تطوير التصميم بوضع شريط البلاتين في أنبوبة زجاجية مفرغة في عام 1820م، لكن مصباح "دى لا روو" المعدل- أيضا- لم ينجح تجاريا لنفس السبب- التكلفة الباهظة للبلاتين. 

وفى عام 1850م استخدم "إدوارد شيبارد" فتيلة من الفحم بديلا عن البلاتين لأول مرة، وبدأ الإنجليزي "جوزيف سوان" استخدام فتائل من الورق المتفحم، وبعد أربع سنوات نجح صانع الساعات الألماني "هنريك جلوبال" فى استخدام فتيلة الخيزران المتفحم وابتكر مصباحا معدلا رخيص التكلفة نسبيا.... وفى ذلك الحين كان إديسون طفلا دون السابعة!

ثم واصل الكنديان "هنرى وود وارد" و"ماتيو إيفانز" تحسين عملية الحصول على الضوء من الكهرباء، كان "وودوارد" يعمل في شركة لسبك النحاس، وكان إيفانز عاملا في فندق لكنه كان شغوفا بالكهرباء، فصمما معا مصباحا يتكون من قضيب من الكربون النقي مثبت بين قطبين كهربيين موضوعين في إناء زجاجي ممتلئ بالنيتروجين، واستخدما محرك الغاز في توليد الكهرباء، والتي تقوم بدورها برفع درجة حرارة الكربون حتى درجة التوهج. وفى 24 يوليو 1874م حصلا على براءة اختراع لمصباحهما المتوهج والذي تميز بشدة إضاءة أقوى بمرات من كل ما سبق، وبذل الكنديان جهودا مضنية من أجل تأسيس شركة أو التعاقد مع شركة لتمويل وتطوير وتسويق اختراعهما لكنهما فشلا، ولم يحسن العامة استقبال مصباحهما، بل اعتبروهما مختلين عقليا وتساءل بعضهم ساخرين:"من يرغب فى قطعة متوهجة من المعدن؟!"

في العام التالي، اشترى "إديسون" نصف براءة الاختراع من "وود وارد"، وبعد عام آخر حصل "وودوارد" على براءة اختراع ثانية وجديدة من الولايات المتحدة عن نسخة معدلة من المصباح.

وفى عام 1878م استخدم "جوزيف سوان" فتيلة من ألياف الكربون المستخلصة من القطن، وابتكر مصباحا يمكنه أن يوفر إضاءة مستمرة لمدة 13.5 ساعة، حينها شعر "إديسون" بأن البساط ينسحب من تحت قدميه، فقرر شراء براءة اختراع الكنديين كاملة، وعلى أساسها تمكن بعد شهور من الحصول على براءة اختراع لفتيلة من الكربون يمكنها أن توفر الإضاءة لمدة 40 ساعة متصلة.

لم يحصل إديسون على براءة اختراع للمصباح لأن تصميمه كان مشابها لدرجة كبيرة لتصميم كان "جوزيف سوان" قد اخترعه قبل عشرين عاما، وعند بداية عام 1880م أدرك إديسون أنه لا بديل عن العمل المشترك مع "سوان" وأثمر تعاونهما عن مصباح فتيلة الخيزران والذي يمكنه أن يوفر الضوء لمدة 1200 ساعة متصلة.

وهكذا أصبح المصباح أمريكيا، ونسب اختراعه -زورا- لتوماس إديسون، وسقطت من التاريخ أسماء المخترعين الأصليين.

1

2

إعلان