إعلان

لعبة المعسكرات في الأزمة القطرية

لعبة المعسكرات في الأزمة القطرية

محمد جمعة
09:07 م الأربعاء 14 يونيو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

محمد جمعة

عشرة أيام كاملة مضت منذ أن قررت السعودية ومصر والإمارات والبحرين، فى الخامس من الشهر الجارى، قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع قطر. 

هذه الفترة كانت كافية جدًا لاستجلاء مواقف جميع الأطراف والقوى المعنية بالأمر. سواء كانت تلك الأطراف تنتمى إلى فئة " فاعل أصيل" فى تلك الأزمة، أو مجرد تابع يدور فى فلك أحد معسكري الأزمة.

بالنسبة للرياض والقاهرة وأبوظبي والمنامة، هناك مصلحة مشتركة في الضغط على قطر وعزلها إقليميا. أيضا انحاز كل من: البرلمان الليبي في طبرق، والرئيس اليمنى عبد ربه منصور هادى، إلى المعسكر السعودي. كذلك، منحت العديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة في إفريقيا أفضلية لعلاقاتها مع الرياض، وأدارت ظهرها للدوحة.

لكن بالمقابل، هذا الخيار لم ينسجم مع حسابات أطراف أخرى... دولة السودان مثلا التي تعمقت علاقاتها الاقتصادية مع قطر في السنوات الأخيرة، لا يمكن أن تتحمل مقاطعة قطر تحت وطأة الإصرار السعودي.

وأيضا باكستان، ستستمر على الأرجح في معارضة الضغط السعودي، في وقت تكافح فيه لتعزيز موقفها الحيادي بين السعودية وإيران. 

في خضم كل ذلك، من يراقب سلوك النظام القطري خلال الأيام العشرة الماضية، سيرى أنه كان معني بإرسال إشارات في الاتجاهين معاً... اتجاه الانصياع لضغوط "المعسكر السعودي"، واتجاه رفض تلك الضغوط ومجابهتها.

فمن ناحية، نقلت الدوحة لحركة حماس قائمة بأسماء "ضباط ارتباطها" مع الضفة الغربية طالبة منهم مغادرة أراضيها، تماماً مثلما فعلت تركيا من قبل. 

كما أن إعلان عزمي بشارة اعتزاله العمل السياسي وتفرغه للبحث العلمي، لم يكن قراره الذاتي، وهو أقرب للإقالة منه إلى الاستقالة.

لكن في المقابل، بعثت الدوحة برسائل في الاتجاه المضاد، عندما أعلنت رفضها للقائمة المشتركة التي أصدرتها عواصم " المعسكر السعودي"، في التاسع من يونيو الجاري، وضمت 59 شخصا و12 كيانا لهم صلات بقطر، بوصفهم إرهابيون. 

بالتأكيد في حمأة التراشق الإعلامي والسياسي بين المعسكرين المتصارعين، تبدو قطر في مأزق كبير، لكن هذا لا ينفى أن ميزان القوى الحالي، ومجمل المواقف الدولية والإقليمية، ما تزال تمنح الإمارة متناهية الصغر هامشا – ولو ضئيلا – للمراوغة والمناورة.

فبفضل الدعم الذي تلقته الدوحة من أطراف أخرى، يعتمد النظام هناك استراتيجية إطالة أمد الصراع، لعله يتمكن من العثور على وسيلة لاستيعاب الصدمة، وتبديدها ما أمكن.

على سبيل المثال، لم تفض الصلات العسكرية بين قطر وتركيا إلى تمكين الدوحة من تنويع شراكاتها الأمنية فحسب، بل أيضا أمدتها بتعزيزات مهمة في الصراع الدائر حاليا. البرلمان التركي مثلا مرر سريعا في السابع من يونيو الجاري تشريعا يقضي بإرسال المزيد من القوات إلى قطر، في الوقت الذي تخطط فيه أنقرة لبناء قاعدة في قطر. 

صحيح أن تركيا تربطها علاقات جيدة مع السعودية والإمارات أيضا، لكنها تتقاسم مع قطر الأهداف ذاتها للسياسة الخارجية، ومن بينها دعم تنظيمات الإخوان المسلمين في الإقليم، الأمر الذي يفتح شهيتها أكثر لدعم قطر. 

وفى السياق ذاته، فإن جهود قطر للوقوف في وجه النفوذ السعودي، تتفق وطموحات أنقرة في تقييد الرياض وكبحها، لتصبح أنقرة القوة السنية المهيمنة في الإقليم. 

والأكثر من هذا، أن تدخل روسيا على خط الأزمة، لتشكل مصدر دعم آخر لقطر. لقد ازدهرت العلاقات التجارية بين البلدين في السنوات القليلة الماضية، تحديدا منذ تولى تميم بن حمد آل ثان السلطة في 2013، حيث ضخت الدوحة حوالي 2.5 بليون دولار إلى موسكو، واستحوذت مؤخرا على حصة كبيرة من أكبر مؤسسة نفطية روسية، روزينفت. 

صحيح أن روسيا لا تزال، -مثل تركيا-، تحافظ على صلاتها ببقية دول الخليج، إلا أن دعمها سيمنح قطر قدرة إضافية على المناورة في مواجهة ضغوط المعسكر الآخر. 

وهنا تتعين الإشارة إلى أن دخول موسكو على خط الأزمة – بالحسابات الاستراتيجية- قد يمنحها فرصة للتأثير على الوضع برمته، الأمر الذي قد يفضي إلى إفساد العلاقات الأمريكية مع الكتلة الخليجية على المدى البعيد. 

عند هذه النقطة تقف واشنطن في مأزق وسط هذا النزاع الخليجي. فقبل أي شيء آخر، هي تحتاج إلى صلات دفاعية حيوية مع كل بلد داخل مجلس التعاون الخليجي. وإلى إظهار ما يوحى لطرفي الأزمة أنه يحظى بالدعم الأمريكي الكامل. 

بالتأكيد لا يمكن لواشنطن أن تتحمل مخاطرة التعجيل بتفكيك مجلس التعاون الخليجي، بالنظر إلى عمق صلاتها الاستخباراتية، الأمنية والعسكرية، مع المجلس.

لكن بالمقابل، وعبر مساعدتها للسعودية وقطر أيضا، قد تطيل الولايات المتحدة أمد النزاع... وهذا بالضبط يمثل البضاعة المطلوبة للنظام القطري.

فالدوحة تبحث عن صراع طويل الأمد، لأن مرور المزيد من الوقت، – دون الرضوخ لاشتراطات المعسكر السعودي-، يزيد من ثقة النظام القطري بقدرته، ويعزز الانطباع بأنه في وضع يمكنه من الإبحار وسط العاصفة.

• محمد جمعة، خبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.

إعلان