إعلان

الدولة الوطنية بين الثوري والواقعي

د. أحمد عمر

الدولة الوطنية بين الثوري والواقعي

د. أحمد عبدالعال عمر
09:31 م الأحد 28 مايو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

مصطلح المُتَخيل في أبسط تعريفاته هو "القدرة على أن ترى في الشيء ما ليس عليه في الظاهر". ويمكننا باستخدام المصطلحات الأرسطية أن نوضح مضمونه بشكل أكثر فنقول: إن المُتَخيل هو إمكانية غير متحققة، وعدم تحققها في الواقع لا يعني أنها عدم، فهي موجودة بالقوة على الرغم من عدم وجودها بالفعل.

وبالتالي فإن الإيمان بوجود المُتَخيل في المجال الاجتماعي والسياسي، يفتح الباب للتفكير في أن الواقع المتردي حولنا وما هو كائن فيه ليس كل شيء، وليس نهاية المطاف، ومن الظلم لأنفسنا وبلادنا ألا نحلم بتجاوزه، عبر تخيل ما ينبغي أن يكون في كل ميدان، والسعي بتجرد وإخلاص لكي يكون ما ينبغي أن يكون هو الكائن بالفعل.

وهنا يجب علينا أن نفرق بين" المتخيل الراديكالي" الثوري، و"المتخيل الواقعي" كجذر وآلية للتغيير والإصلاح؛ فمصطلح المُتَخيل "الراديكالي" هو أحد الركائز الأساسية للبناء الفكري الذي أقامه الفيلسوف الفرنسي من أصل يوناني "كورنيليوس كاستوياديس" ( 1922 - 1997)، في كتابه "تأسيس المجتمع تخيلياً"، وهو عنده جذر كل حياة إنسانية، ومنبع لا ينضب للتجديد، بل هو منبع كل إبداع إنساني من مجتمعات ومؤسسات وقواعد وأفكار سياسية.

ويرى "كاستوياديس" أنه بالاستناد إلى هذا المُتَخيل الراديكالي تكون الذات الإنسانية قادرة على أن تحول نفسها، وأن تعدل هويتها، وأن تساهم في تحويل المجتمع وتغيير نظام العيش والعالم، بما يفضي إلى تأسيس جديد للمجتمع وتأسيس مؤسسات وقوانين جديدة. وبالتالي فإن المُتَخيل الراديكالي، هو جذر المشروع الثوري، وهو نشاط خطير، يحتاج إلى شجاعة كبيرة في رفض الأمر الواقع، وإلى تملك الأمل في القدرة على التغيير، وقلب كل شيء، وإنجاز كل شيء، في تحول حاسم للمجتمع.

غير أن واقع ما بعد ثورات الربيع العربي، وما لاحقها من فوضى وانهيارات، قد جعلت أكثر الناس رغبة في التغيير يكفرون بالمتخيل الثوري وجدواه في تغيير المجتمعات والدول العربية، دون أن يفقدوا الحلم بالتغيير والإصلاح لكي يصبح على هذه الأرض ما يستحق الحياة، وهذا يفتح الباب للحديث عن "المتخيل الواقعي" كجذر للإصلاح والتغيير المرتقب.

ويهدف المتخيل الواقعي لتأسيس تصورات فكرية وحركية للتغيير أكثر واقعية وقدرة على التحقق، لا تتعارض مع معطيات المجتمع وممكناته، وتفرق بين ما هو كائن، وما ينبغي أن يكون. وتفرق أيضا بين ما ينبغي أن يكون وما يمكن فعله حقيقة في ضوء الإمكانات، وفي ضوء واقع وسياق المنطقة والعالم اللذين نعيش فيهما، وتضع في اعتبارها قبل كل شيء معطيات الأمن القومي المصري وثوابته.

وأظن أن تلك التفرقة قد صارت اليوم ضرورية، ولابد لها أن تسبق أي دعوة أو ممارسة للإصلاح والتغيير، حتى لا نعرض وجود الدولة للخطر، وحتى لا نعيد إنتاج اخفاقات الماضي، وتجاربه الفاشلة.

في النهاية، لا أحد يختار الزمن الذي يعيش فيه.

إعلان