إعلان

القدس والعرب وترامب

القدس والعرب وترامب

د. جمال عبد الجواد
09:00 م الجمعة 08 ديسمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

د. جمال عبد الجواد

كلما دخل الفلسطينيون، ودخلنا معهم، في ضائقة جديدة؛ تذكرت الكلام الذي تحدث به الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة في عام 1965. كان الزعيم التونسي في زيارة لمدينة أريحا الفلسطينية. لم تكن أريحا وقتها فلسطينية، فالضفة الغربية كانت قد ضُمت بكاملها إلى الأردن في أعقاب حرب 1948. الحواضر الفلسطينية الكبرى: نابلس ورام الله والخليل وطولكرم وأريحا وبيت لحم، وعلى رأسها القدس، كانت كلها مدنًا أردنية.

في الثالث من مارس 1965، خطب الزعيم التونسي في مخيم للاجئين الفلسطينيين في أريحا. أظهر بورقيبة انزعاجا شديدا لمأساة الفلسطينيين التي طالت. كانت سبعة عشر عاما قد مرت منذ وقعت النكبة، وكان هذا وقتًا طويلًا جدًا في عرف الزعيم التونسي. اليوم بعد أكثر من خمسين عامًا من احتلال إسرائيل للقدس، مازال بعض العرب يظنون أن فرص العرب في المستقبل ستكون أفضل.

دعا بورقيبة للتفكير في القضية الفلسطينية بطريقة جديدة. قال إن "العاطفة المشوبة، والأحاسيس الوطنية المتقدة، لا تكفي لتحقيق الانتصار على الاستعمار". دعا بورقيبة للتفكير والعمل بمرونة، وقارن بين ما يحدث لفلسطين وما حدث في تونس زمن الكفاح ضد الاستعمار، فقال إنه "ما كنا لننجح في تونس، خلال بضع سنوات، لولا أننا تخلينا عن سياسة (الكل أو لا شيء)، وقبلنا كل خطوة تقربنا من الهدف. أمّا هنا، فقد أبى العرب الحل المنقوص، ورفضوا التقسيم وما جاء به الكتاب الأبيض. ثم أصابهم الندم، وأخذوا يرددون: ليتنا قبِلنا ذلك الحل، إذن لكنا في حالة أفضل من التي نحن عليه".

دعا بورقيبة العرب للقبول بقرار التقسيم وبوجود إسرائيل لوضع حد لمعاناة الفلسطينيين. كلام بورقيبة لم يعجب العرب، فصدرت بيانات الشجب والإدانة من قيادات وعواصم القومية العربية، من منظمة التحرير الفلسطينية، والعراق والقاهرة ودمشق وحزب البعث، وآخرين كثر كانوا جزءا من هذا المعسكر الكبير في تلك المرحلة. لم يكن كل هذا مفاجئًا للزعيم التونسي، فقد توقع رد الفعل هذا، وقال في خطابه إنه "لا يمكن لأي زعيم عربي، يتهم، لحديثه عن الحل المنقوص، أو عن الحل الوقتي، بالخيانة، ويوصف بأنه صنيعة الاستعمار، أن يواصل عمله في أتون من المهاترات"، لكن للأسف تواصلت المهاترات.

دعا بورقيبة الفلسطينيين لتصدر مسيرة الكفاح لتحرير بلدهم، وهو ما أزعج قادة العرب. قال بورقيبة للفلسطينيين: "يجب أن تكونوا في الصف الأول من هذه الواجهة التي تعمل على حماية فلسطين، فإن دوركم في المعركة هو الدور الأول".

لم يكن أحد وقتها يتحدث عن الفلسطينيين كشعب له الحق في إقامة دولة مستقلة، فالعروبة والوحدة العربية كانت في ذلك الوقت أقوى من الوطنية والاستقلال الفلسطيني، وكان حكام العرب يحبون للفلسطينيين أن يبقوا في المؤخرة، ليواصل قادة العرب تصدر المشهد.

قال الحبيب إن نكبات العرب المتكررة، والوقت الذي يمر من دون انتصار يدلان على أن القيادات لا تقود الشعوب إلى الطريق الصحيح، وأن التفكير بطريقة جديدة أصبح أمرا واجبا.

كلام الزعيم التونسي عن أخطاء القيادات لم يعجب القادة الكبار في تلك المرحلة، وعلى رأسهم ناصر الذي اعتبر نفسه مقصودا بكلام الحبيب. نشبت أزمة بين البلدين، وتوترت العلاقات بينهما. اعتدى المتظاهرون في تونس على السفارة المصرية، واعتدى المتظاهرون في القاهرة على السفارة التونسية، لكن القدس ظلت جزءا من الأردن، حتى احتلها الصهاينة الإسرائيليون في حرب يونيو 1967، ومن يومها وبعد واحد وخمسين عاما، مازالت القدس تحت الاحتلال، وهو ما أغرى رئيس أمريكا الموتور بنقل عاصمة بلاده إليها.

إعلان