إعلان

"الأستاذة".. عواطف عبد الرحمن

"الأستاذة".. عواطف عبد الرحمن

د. هشام عطية عبد المقصود
09:02 م الجمعة 22 ديسمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ستبدأ شابًا صغيرًا تلك الرحلة القصيرة في عمر الحياة والتي هي الأكثر بهجة واحتشادا بالذكريات ولا زالت، شغوفا، مترقبا، لم تستقر بعد في وجدانك دلالات جملة الغناء المتفلسفة تاريخًا وبقاء لعبد الحليم" على طول الحياة نقابل ناس ونعرف ناس"، سينمو شجر المعاني ليصير أكثر رحابة مع كل يوم في جامعة القاهرة، لتضم كل من يضيف ويؤثر ليصير وجوده كما يصفه محمود درويش " أثرًا لا يزول"، وسيكون الاسم الأول الذي تتلقفه ذاكرتك وتبحث عنه وسط كل هؤلاء المحيطين بك من أساتذة وأعضاء هيئة تدريس هو الدكتورة عواطف عبد الرحمن.

وبحكم أنك شاب صغير تتحسس طريق المعرفة في الفرقة الجامعية الأولى وتتابع كل الصحف - ورقية كانت تحمل أثر حنين البقاء بين الأيدي مع كوب الشاي صباحا، أو في عصر يوم في شرفة أو على مقعد الأتوبيس في الطريق -، ستتشكل مساحة التخيل للكاتب الصحفي في عقلك ووجدانك، وعندما تدخل إلى المدرج في الطابق الرابع من كلية الاقتصاد حيث يكمن مدرج وحيد كبير يخص كلية الإعلام، قرب منتصف الثمانينات ستبحث عن الاسم الذي طالما عرفت أنه هنا في الكلية، تعرفه من وجود اسمه مصحوبا بموقعه في كلية الإعلام وأنت تقرأ مقالها في صحيفة الأهالي في فترة ازدهارها فنا ومضمونا على يد المبهج العبقري صلاح عيسى كرئيس للتحرير.

سيطول زمن انتظار اللقاء المباشر بالأستاذة حتى تلتحق بالفرقة الثالثة بقسم الصحافة، وقتها سيكون عدد من أعضاء هيئة تدريس الكلية والقسم معارا إلى دول الخليج، وستكون هي حاضرة وسط طلابها، ستسمع كثيرا من الحكايات عنها، مهابتها، وصرامتها العلمية بينما ستتيقن دوما أن الكل محب لها.

حين تذهب إلى نقابة الصحفيين تكتشف المكان تاريخا ودورا، أو تذهب إلى التدريب في صحيفة، سيكون السؤال الأول الموجه إليك حينما يعرفون أنك من قسم الصحافة هو " والدكتورة عواطف إزيها" ثم تمضى محملا بعشرات التحيات لها كأنك تعرفها شخصيا أو مقربا منها، ولم لا ألست طالبا في قسم الصحافة، ولن ترد التحيات إلا بأحسن منها، ولن تتمكن احتراما أن تبلغها بما تعلمه كل يوم من تحيات تتواصل حتى من تلاميذها الباحثين وأنت في دار الكتب في الفرقة الرابعة، تقابلهم مصادفة على مناضد البحث ويدور حوار وأنت تجري بحثا في مقررها، أو بينما تتدرب في صحيفة وتلتقي بعض خريجين قدامى من تلاميذها.

سيكون اللقاء العلمي الأول جديدا، حيث لا كتاب وحيد تطرحه الدكتورة عواطف على طلابها، ولا رغبة في مكسب ما منتظر من توزيع كتاب – رغم العديد من المؤلفات المتخصصة القيمة- فهي لن توصى أبدا الطلاب بشراء أي كتاب لها، سيضعنا ذلك النموذج الذي قابلناه لدى كل أساتذتنا في قسم الصحافة في حيرة، فنطرح السؤال: طالما لديها ولديهم كتب في محتوى المقررات فلماذا لا تريحنا وتجعله هو موضع المقرر ومن ثم مجال الامتحان .. سنحتاج وقتا قصيرا لنعرف أن ذلك تحديدا هو طريق القراءة المتعددة التي تنفتح على التنوع وتقصده أستاذتنا، ثم أنه بمثابة الأبواب التي تتفتح من وراء بعضها لقراءة آخرين ثم يتشكل حيز المقارنة والوعي.

وتمنحنا التجربة الفريدة في إجراء البحث الجماعي أيضا امتدادا إنسانيا، فنحن نختار فريق عمل مشترك ونختار موضوعا للبحث، ونحدد ونختلف وربما نتشاجر بشأن ما هو أفضل فنعود لنتفق، ودائما نتنافس فى سبيل التجويد، ثم تجمعنا أمسيات السهر طلابا لنجمع الشتات الفردي لمجهود كل منا لنصنع شيئا مشتركا، فتتشكل الذكريات الحلوة، وتبقى معنا.

لم تمسك الأستاذة قائمة الغياب في يدها لتقطع نصف الوقت تأشيرا على من جاء ومن غاب دعما لفكرة ضبط وحضور يرغم ظاهريا على وجود الجسد بينما العقل بعيد، ستشعر أنك تشتاق إلى كل ما يجرى في تلك المحاضرة لو غبت مرة فتعود طوعا، مرة لتعرض ما لديك مع فريق العمل، ومرة أخرى لتشاهد ما يحدث لزملائك وتعثرهم أو تفوقهم في العرض والمناقشة، تعلما وأحيانا تشفيا أو مسامرة، وثالثة لتري من غابوا منذ زمن فيجتمعون هنا.

"وبيدور الزمن بينا" فنكبر ونصنع حضورا ما تكون الدكتورة عواطف عبد الرحمن فيه دوما صانعة له، لتبقى أشياء جميلة تشكل حدائق الحياة تظل فيها أستاذتي شجرة عالية لا يقترب منها غبار ولا يطالها لغو.. كظل طيب أو بيت طيب تعرفه أو سند.

إعلان