إعلان

تصعيد يضر بقضية بالقدس

تصعيد يضر بقضية بالقدس

محمد جمعة
09:00 م الثلاثاء 19 ديسمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الأحداث التي شهدها قطاع غزة خلال الثلاثة عشر يوما الماضية، عقب قرار ترامب بالاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، تنذر باحتمالات تصعيد غير مرغوب فيه في هذه المرحلة، بل ويضر كثيرا بالمصلحة الفلسطينية ككل وقضية القدس على نحو خاص، في حال تدحرجت الأوضاع ودفعت بالطرفين إلى مواجهة عسكرية جديدة.

بدأت الأحداث يوم الثامن من الشهر الجاري (أي بعد قرار ترامب بيومين فقط) بانطلاق بعض الصواريخ من غزة باتجاه إسرائيل، الأمر الذي ردت عليه "تل أبيب" ببعض الضربات الجوية المركزة على بعض المواقع العسكرية التابعة لحماس والجهاد الإسلامي.

لم تهدأ الأحداث عند هذا الحد، بل تصاعدت حتى يوم الخامس عشر من الشهر الجاري، حيث تبادل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي الرسائل العسكرية فيما بينهما، ومن ثم سقط 16 صاروخا على إسرائيل، لترد الأخيرة بقصف العديد من المواقع، بعضها تابع لحركة حماس، وأسفرت عن وفاة بعض عناصر القسام.

في تلك الأثناء، أرسلت قيادة حماس برسالة واضحة لإسرائيل، مفادها أن الحركة غير معنية بالتصعيد في الوقت الراهن، وأنها تناضل من أجل كبح جماح العناصر التي تقف وراء ذلك. وزادت حماس بأن أقدمت على اعتقال بعض عناصر " السلفية الجهادية" في غزة.

بالفعل توقف إطلاق الصواريخ يوم السبت 16 ديسمبر الجاري. لكن فوجئ البعض بعد ذلك في مساء اليوم التالي مباشرة بانطلاق صاروخين جديدين، أحدهما سقط في باحة أحد المنازل فى داخل إسرائيل.

وبالتزامن مع ذلك برزت معطيات كثيرة تعكس تضارب الرسائل الصادرة من غزة....

-فمن ناحية، أثيرت التساؤلات من قبل بعض الدوائر الإسرائيلية حول الدلالات الكامنة وراء الاختفاء الملحوظ لقائد حماس في غزة، ورجلها القوى يحيى السنوار، وابتعاده عن الأنظار. وحول إذا ما كان ذلك يشير إلى أننا أمام مقدمات للانخراط في تصعيد عسكري بات وشيكاً أم لا ؟!

-من ناحية أخرى، ازدادت الأوضاع اضطراباً في داخل حركة حماس، بعد نجاح الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في الكشف عن نفق جديد لحماس يصل عمق اختراقه للحدود الإسرائيلية إلى نحو ألف متر في داخل إسرائيل.

هذا النفق كان رجال حماس هم من حفروه، ومن ثم يختلف عن ذلك النفق الذي فجرته إسرائيل في أواخر أكتوبر الماضي... فالأخير حفرته عناصر الجهاد الإسلامي بموافقة من حماس. وفى كل الأحوال لم يكن يتجاوز الحدود الإسرائيلية بأكثر من عشرة أمتار، ومن ثم لم يكن على تلك الدرجة من الخطورة والأهمية التي كان يمثلها نفق حماس.

القيادة المعنية في حماس بدت أكثر توترًا، وانهمكت فيما يبدو في تحديد الأسباب التي تقف وراء اكتشاف إسرائيل لتلك الأنفاق، التي تعد إحدى أهم الأدوات الإستراتيجية للحركة في مواجهة إسرائيل.

ومن ناحية ثالثة، أحبط "الشين بيت" في إسرائيل محاولة اختطاف أحد المستوطنين قرب نابلس، قامت بها إحدى الخلايا التابعة لحماس في الضفة.

الكشف عن هذه المحاولة بالتزامن مع المعطيات السابقة عمّق الانطباع بأننا بالفعل أمام ذات الأوضاع التي سبقت عدوان عام 2014.

فمن ناحية، "عملية نابلس" تشبه على نحو كبير" عملية الخليل" التي اختطفت فيها حماس ثلاثة من المراهقين الإسرائيليين، وكانت من أهم الأسباب التي أفضت في النهاية إلى الذهاب نحو المواجهة العسكرية في يوليو 2014. الفارق فقط بين الواقعتين أن الأولى جرى إحباطها.

ومن ناحية أخرى، هذا أكبر عدد من الصواريخ يسقط على إسرائيل منذ المواجهة الأخيرة في العام 2014.

المتابعون للأحداث يدركون أن حماس غير معنية بالتصعيد في هذه الآونة، وذلك بالنظر للكلفة الباهظة لها في هذه الآونة.

وبالمقابل، إسرائيل أيضا غير معنية بالتصعيد الآن، لأنها تنتظر إلى أواخر العام القادم، أي موعد الانتهاء من بناء الحاجز الأرضي الذي تقيمه على طول حدودها مع القطاع لكي تقضى- بحسب تقديرات أجهزتها الأمنية- بشكل كبير على خطر"الأنفاق الهجومية" التي شيدتها حماس على طول الحدود مع إسرائيل.

لكن مع إدراكنا لذلك إلا أنه غير كاف للقول بأن المواجهة الآن غير ممكنة... لأن الانزلاق نحو المواجهة يحدث أحيانا عن غير قصد أو رغبة فيها... بل نتيجة الخطأ في الحسابات والتقديرات، أو نتيجة تدحرج كرة اللهب شيئًا فشيئًا بفعل الديناميكيات الناتجة عن الاشتباكات الجزئية على الأرض.

في كل الأحوال من المفترض أن يكون الطرف الفلسطيني هو الأحرص على عدم الوصول إلى هذا الحد غير المرغوب فيه.

حماس وغيرها من الفصائل في غزة يجب ألا تتورط في هذه الخطيئة، بالتشويش على قضية القدس.

ذلك أن التصعيد الذي يتعين خوض غماره هو ذلك الذي يرفع كلفة الاحتلال في الضفة الغربية، ومن خلال مقاومة ونضال سلمى يفضح الطابع الاستعماري والعنصري لإسرائيل... بعبارة أخرى، إعادة إنتاج بعض فصول انتفاضة عام 1987 هو الهدف الأولى بحشد الجهود من أجل انجازه.... وقضية القدس تحتاج اليوم إلى انتفاضة حجارة من جديد، وليس "انتفاضة صواريخ" أو التورط في مغامرة جديدة في غزة تعمّق أكثر وأكثر من مأساة أهلها، وتصرف الأنظار بعيدا عن جرائم إسرائيل في القدس. والأنكى أنها قد تجلب لها بعض التأييد في بعض الساحات في الغرب.

لا داعي لأن نبدد نحن بأيدنا ما راكمناه خلال الأيام الأخيرة من مكاسب صافية، عمّقت من عزلة إدارة ترامب التي ظهرت بالأمس في مجلس الأمن وكأنها في مواجهة الأسرة الدولية بكاملها.

واجب الوقت الآن أن نستثمر في مواقف العالم المؤيدة لنا ونحاول أن نراكم عليها، وصولاً إلى توليد ديناميكيات جديدة لاحتواء وعزل القرار الأمريكي. وتشكيل تحالف دولي عريض رسمي وشعبي من أجل إجبار قادة إسرائيل على الإقرار بالحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني.

نعم، لا حاجة لأن نخذل من جديد قضية القدس، والأولى بنا أن نتجنب أخطاء الماضي القريب، لكي نعي ونجيد كيف نمارس المقاومة وبحق.

إعلان