إعلان

حوار مع صديقي الإخواني

حوار مع صديقي الإخواني

د. أحمد عبدالعال عمر
09:01 م الأحد 10 ديسمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في مدينتي الجنوبية، التقيت صديقًا قديمًا ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وتجمعني به ذكريات نشأة وطفولة، فبدا ساخطًا على ما يحدث في موضوع القدس، ناقدًا موقف النظام المصري "المهادن". فلم أشأ أن أدخل معه في حوار في هذا الموضوع، لأني أعلم مواقفهم ومزايداتهم في تلك القضية، وهي عندي مزايدات وشعارات لا تقدِّم ولا تؤخِّر، وما هي إلا محاولة للصيد في الماء العكر.

ويكفي ما كتبه بالأمس أحد "منصاتهم الإعلامية"، وهو الأستاذ وائل قنديل في "تويتة" حول التطورات الحالية في موضوع القدس، قال فيها: "كل الوقائع تنطق بأن إسرائيل تجني ثمار ما زرعته في 30 يونيو 2013".

وقد أكدت لي تلك التويتة المغلوطة أن قدرة هؤلاء على خلط الأوراق والتدليس على الناس لا حد لها، وأن عداوتهم مع 30 يونيو والنظام الحالي، أشد من عداوتهم مع وعد بلفور ودولة إسرائيل.

ولهذا حاولت إنهاء اللقاء مع صديقي الإخواني القديم بهدوء، وبدون الدخول في نقاش غير مجدٍ، محافظة على البُعد الإنساني في علاقتنا، إلا أنه في نهاية كلامنا أبدى استغرابًا واعتراضًا على ما أكتب من مقالات تحمل أحيانًا نقدًا للجماعة وأدبياتها وممارساتها، وتأييدًا للدولة المصرية وثوابتها، وقال لي: "خلي بالك من اللي بتكتبه".

فقلت له: يا سيدي لتكن مشيئة الله، أنا أكتب قناعاتي، وأتحمل المسؤولية عن كل حرف فيها، ومعارضتي لجماعة الإخوان المسلمين قديمة وأنت تعلم ذلك، وهي تتأسس على ثوابت وطنية وفكرية، ترى في أدبياتهم ومشروعهم وعلاقاتهم وامتداداتهم الإقليمية والدولية، خطرًا يهدد وجود الدولة الوطنية المدنية ووحدتها.

وتأييدي للدولة نابع من إدراكي لطبيعة المرحلة التي تمر بها المنطقة، وحجم المخاطر والتهديدات التي تواجه الدولة، كما أنني أتفهَّم دوافع القرارات والإجراءات الاقتصادية القاسية التي اتخذها نظام الحكم الحالي، ومستبشر خيرًا فيما هو قادم، بعد تجاوز هذه المرحلة الصعبة.

فقال لي: "بعيدًا عن حسابات البشر، خاف من ربنا"، وردد تلك الآية الكريمة من "سورة ق": "ومَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ". ثم أنهى حديثه بالقول: "كيف ترى خيرًا في هذا الخراب الذي نعيش فيه؟ حسبنا الله ونعم الوكيل".

وعند تلك النقطة من الحوار، تركته مبتسمًا، وقد أصابني "منطقه المغلوط في التفكير" كالعادة بالذهول، وتأكد لي أن "الكائن الإخواني" لا سبيل لحوار فكري عقلاني معه على أرضية وطنية، لأنه يرى في ذاته وسلوكه وأفكاره وميراث وأدبيات جماعته تميزًا وقداسة خاصة، تجعل الخلاف معهم أو معارضتهم، خلافًا ومعارضة لصحيح الدين والأخلاق، سيكون صاحبهما موضعًا للمساءلة والعقاب عند رب العالمين.

كما تأكد لي أن "الكائن الإخواني" لا يتعلم من أخطائه، ولا يعترف بها أصلًا، ولا يمكن أن يمارس النقد الذاتي، لأنه يرى فيما يعاني منه هو وجماعته، وما حدث لهم بعد 30 يونيو، ابتلاءً ربانيًا جعله الله اختبارًا للأخيار مع البشر.

ولهذا، فهو مطمئن تمامًا "لخطاب المظلومية" وأيدولوجية الضحية" اللذين تروّج لهما قيادتهم، و"للمنطقة النفسية الكربلائية" التي تجعلهم يرون في ذواتهم وجماعتهم أهل الحق المبتلين، وتجعلهم يرون في خصومه السياسيين أهل الباطل الظالمين.

وبالتالي، لا مجال عند الجماعة والمنتسبين إليها للاعتراف بأخطائهم في حق الدين والوطن، وحجم الجناية التي ارتكبتها قيادتهم بعد ثورة 30 يونيو، عندما لم يرضخوا لخيار الشعب المصري الحاسم في إنهاء حكمهم. وبدلًا من الاعتراف بالأخطاء التي وقعوا فيها، ومراجعة ونقد أدبياتهم وتجربتهم وممارستهم، عمدوا إلى التدليس على قواعدهم والمتعاطفين معهم، وأدخلوهم في صدام مستمر مع الدولة ومؤسساتها، حتى يضمنوا تأجيج مشاعر العداء والكراهية وتكريس حضور "خطاب المظلومية" من أجل ضمان بقاء ووحدة الجماعة.

وبالإضافة إلى ذلك يسعون بدأب كأفراد ومنصات إعلامية لتسويد المشهد العام، ونشر مشاعر الإحباط واليأس في نفوس المصريين، ويعيشون في انتظار طوفان الخراب القادم، فربما استطاعوا بعد الطوفان تعويم أنفسهم، وإيجاد دور ومكانة لهم من جديد، في المشهد الاجتماعي والسياسي المصري.

في النهاية، أتذكر أنني قرأت ذات يوم عبارة توقفت عندها متأملًا في مضمونها، وهي: "إن الإنسان يتغير من تلقاء ذاته عندما يكون على حافة الهاوية".

ثم مع مرور الأيام والأحداث، تبين لي أن تلك المقولة الصادقة لا تنطبق إلا على عقلاء البشر الذين يمارسون النقد الذاتي، ويعترفون بأخطائهم، ويسعون لتصويبها، فيتجنبون السقوط، أما من هم دون ذلك، فإنهم لا يفكرون ولا يتغيرون، ويندفعون نحو السقوط في الهاوية بإخلاص عجيب.

 

إعلان