إعلان

"وغنوا في المواويل على المكتوب".. شادية التي نحبها

"وغنوا في المواويل على المكتوب".. شادية التي نحبها

د. هشام عطية عبد المقصود
09:00 م الجمعة 01 ديسمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لن تكون قد عرفت شيئاً كثيراً عن جماليات ما قدمته الفنانة الراحلة شادية فذَا من أثرٍ وبهاءً غنائيًا، إذا كنت قد وقفت عند حافة الاستماع إليها مكتفيًا بالمتناثر والمتناقل من خفيف الأغنيات وتلك التي هي من قبيل أكثرها انتشاراً، أي تلك التي تؤرخ لمرحلة أولى ومبكرة من مشوار غنائي أو بالأحرى سينمائي حضرت الأغاني فيه وفق مقتضى سياق الدراما، وبالتحديد إذا كنت لا تعرف من غنائها سوى مرح طفولي تصحبه رومانتيكية مفرطة وهى تغني لذلك الشباك الذي هو ستائره من حرير و"من نسمة شوق بيطير"، سينتهي كل ذلك بنضج فني عارم، مكتملًا حين تغني وفقط، وتصنع اكتمال تجربتها الغنائية بخصوصية تنفرد بها في سجل حلو الغناء.

سيعرف كثير من الجمهور شادية من خلال أفلامها الأولى الخفيفة المليئة بكثير من الكلمات ذات البهجة العامرة تفيض على الوجه طفولة، ابتداء وهى تنظر من بلكونتها لتستقبل ضوء الشمس وتغنى "الشمس بانت من بعيد.. يجعل نهارنا نهار سعيد".

سيعرف كثير من الجمهور شادية في مرحلة أفلام تالية، مرحلة سينمائية يكون الفتى الأول فيها كهلًا تصر عليه السينما شابًا هو عماد حمدي، شادية هنا دومًا ضحية درامية لأحداث يصنعها المؤلفون والكتاب تجلب حزنًا حاداً، ستكون تلك هي مرحلة تالية من غناء شادية تضمها أفلام هذه المرحلة من مشوارها، ستظهر في تلك المرحلة تحولًا نحو غناء لا يجمعه رابط أو سمت واضح وتغيب فيه شخصية غنائية محددة.

ستمضى الأيام ومعها الأحداث وما تحمله الحياة من ندوب وأثر في الروح، وستكون شادية قد اقتربت من النضج الفني مكتملًا، وهل يصنع الخبرات سوى مكابدة العيش!، ستعرف ذلك وأنت تسمع مرة أغنيات تلك الفترة ثم تستعيدها فلا تمل، وتعاود بعد حين لتسمع مرات، وستكون تلك الحقبة هي جوهر فن شادية، وربما أفضل ما يميز حالتها الفنية، ستدرك أن جزءًا من هذه المرحلة يتعلق بفلسفتها في النظر للحياة، وستتأكد أن قسمًا كبيرًا منه إنما هو غناء للذات، لكل ما قد غاب ولم يحضر، للفقد، وللأشياء التي عبرت ولم يمكنها أن تستبقيها.

سترافقها كلمات محمد حمزة تحديدًا وكثيرًا وسيتخذ مسار اللحن مذاقًا خاصًا، ستنتقل بعيدًا عن كل مسارات الغناء المختلط والذي لا يستقر فيبقى ويستعاد، سيكون الزمان قد صنع تحولات النضج وترك ظلاله وارفة في المعنى والأداء، ستغيب تمامًا خفة المعنى وبساطة الأداء ومباشرته ومعانيه اليسيرة المتاحة، لتتكون شادية أخرى أو شخصية متطورة تأخذ من روح المواويل التي تقطر بعذابات إنسانية ونداءات للغياب، لن يكون عجيبًا هنا أن يكون حاضرًا أيضا في كتابة نداءات الغياب عبد الرحمن الأبنودي، سيصنع المؤلفون محمد حمزة وعبد الرحمن الأبنودي ومجدي نجيب معا اكتمال شخصية النضج في كلمات تحمل هوية مختلفة لشادية، تمنح غناءها عذوبة انسيابية تتخطى هوية المكان لتكون نداءً عامًا جميلًا وربما حزينًا لكنه دومًا عذبًا، وفي كل هذا سيكون بليغ حمدي ملحنًا حاضرًا مستمرًا صانعًا لحالة فهم مكتملة التفاصيل، وبانيًا لمقامات الشجن والغياب، جملًا لحنية لا تبارح أثرها، وسيحضر ويغيب آخرون يتألقون معها في تلك المرحلة حينًا ويختفون ويظلون صناعًا لبعض من الأثر مثل محمد الموجي وعمار الشريعي، لكن سيظل بليغ حاضرًا متفردًا سامقًا.

سينفرد محمد حمزة بتشكيل كثير من زهور حديقتها الغنائية في هذه الفترة، وكأنما تلاقيا على فكرة الغياب والانتظار والبعد، سيؤرخ لها محمد حمزة بكلماته بعضًا مما عرفناه لاحقا من تغيرات علاقتها بالحياة، وتلك المكابدة عيشًا، سيعرف ما تريد وسيمضى ليكتب ذلك، وستدخل شادية مرحلة الغناء الطويل وستكون قادرة ومغيرة لتوقعات بل وحالة سابقة أصبغها عليها سابقون بفكرة أنها ربما لا تصلح سوى لأغنيات قصيرة.

سيكتب أيضا مجدي نجيب متألقًا "الصوت دبل في الخلا والليل ما عاد له دليل"، ويصنع معها الأبنودي اكتمال الغياب حزنًا ووداعًا "شايفاه بيبعد بعيد .. بالفرحة والمواعيد .. بالذكريات والعيد"، وسيمنح لها محمد حمزة غاية للشجن "ياريت يا قطر الفراق يأخروك ساعتين".

سيمضى الغناء متجاوزاً العادي والمتاح والمكرر، يمنح بصمة خاصة متفردة، وسيمضى معها بليغ أيضا في رحلة الحياة ويستجيب، لكن مع كلمات أخرى ربما تحمل ظلا ما بشأن ما تمضى نحوه شادية ومع كلمات للشاعر عبد الوهاب محمد ليكون ما يمثل تفكيرًا أو ختامًا رمزيًا، يحمل شيئًا ما من التصالح وبعضًا من التقبل والانتظار لما يعرفه البشر في تعاقب دورات الحياة" اللهم اقبل دعايا .. اللهم ارحم شقايا.. يا عالم كل الخفايا".

ستضع الحياة تباريحها مرضًا وستمضى شادية محتسبة صابرة وتعود لتصنع ختامًا – هذه المرة حقيقيًا ومبكرًا جدًا – ستكون المؤلفة علية الجعار والملحن عبدالمنعم البارودي، مناشدة تطلب المدد "خد بإيدي".

إعلان