إعلان

السيسي شوية وهيعدل المايلة

السيسي شوية وهيعدل المايلة

د. أحمد عبدالعال عمر
09:00 م الأحد 05 نوفمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

مع المقدمات الأولى لثورة 30 يونيو 2013، وبروز نجم وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي، بعد أن انحاز الجيش إلى مطالب الشعب، ونجحا معًا في إنهاء حكم الإخوان، قلت في نفسي: هذا هو الرجل الذي نريده رئيسًا لمصر، ومؤسسًا لمرحلة جديدة في تاريخها تقوم على المصالحة والمكاشفة والمصارحة بين السلطة والشعب، وتتوزع فيها الحقوق والواجبات بين القيادة والقاعدة، وتُدار فيها الدولة ومؤسساتها إدارة استراتيجية لإنجاز مشروع تنموي شامل، وتحقيق أهداف بعيدة المدى، مع إدارة المرحلة الخطيرة الراهنة بفريق إدارة أزمات كفء وشجاع، يعمل على تجميع شتات الدولة، وإعادة الأمن والاستقرار، ومعالجة ما فسد وتردى في اقتصاد الدولة ومؤسساتها عبر عقود طويلة سابقة.

وكان ترشح الفريق السيسي للرئاسة من وجهة نظري حتميًا؛ فهو "رجل القدر" بامتياز، أو "الرجل الضرورة" بتعبير الراحل الأستاذ محمد حسنين هيكل.

كما أنني كنت متخوفًا في ذلك الوقت على حياة الفريق السيسي ومستقبله، بعد العمل البطولي الذي قام به في 30 يونيو، وأخشى- إن لم يملك زمام السلطة في يده- أن يتحول إلى "بطل تراجيدي" تتآمر عليه مراكز القوى القديمة في الداخل، ورغبات مصالح بعض الدول الإقليمية والكبرى في الخارج، فيسعون جميعًا للإطاحة به من المشهد. وبخاصة بعد أن التف المصريون حوله، ووجدوا فيه بطلًا وطنيًا جديدًا، وقيامهم برفع صورته إلى جانب صور الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، في استدعاء رمزي أثار قلق الكثيرين في الداخل والخارج.

بعد فترة انتقالية لمدة عام أدار فيها الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور شئون البلاد، جاء المشير السيسي رئيسًا للجمهورية بانتخابات نزيهة، حصل فيها على نسبة 96.9% من الأصوات الصحيحة. واستبشر أغلب المصريين بنجاحه خيرًا، فهو صاحب المقولة الشهيرة: "إن هذا الشعب لم يجد من يرفق به أو يحنو عليه"، وتمنوا من الله أن يوفقه في معركة إعادة الأمن والاستقرار إلى الدولة، ومعركة الإصلاح الإداري والاقتصادي والتنمية.

ولكن بعد عامين من انتخاب الرئيس السيسي، اطلع فيها بدقة علي كل ملفات الدولة، وواقع اقتصادها ومؤسساتها، أصبح الرئيس السيسي أكثر ضيقًا بالمجال العام، وتغيرت لغة خطابه وأصبحت أكثر حدة، حتى إنه فاجأ المصريين بمقولة أثارت غضب الكثيرين، رغم صدقها، وهي: "إننا نعيش في شبه دولة".

ويبدو أن تلك اللحظة كانت فارقة في وعي الرئيس السيسي وخياراته، وأصبح بعدها على قناعة أن الدولة المصرية تواجه أزمة شديدة، وإنقاذها وإعادة بنائها لن يكون إلا بالمواجهة والمعالجة الجذرية للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة من عقود طويلة. وأن سياسة التخدير والمسكنات التي اتبعها الرئيس مبارك، حتى لا يفقد شعبيته ويثير غضب المصريين، أصبحت قنبلة موقوته، يمكن أن تنفجر في أي لحظة فتسقط الدولة بالكامل.

واليوم بعد أكثر من ثلاث سنوات قضاها الرئيس السيسي في الحكم، جرت في نهر الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر مياه كثيرة، واضطر في السنة الأخيرة منها إلى أن يتخذ قرارات اقتصادية صعبة ومؤلمة، أثرت إلى حد كبير في شعبيته في الشارع المصري، وخلقت له كثيرًا من الخصوم والمعارضين، فإن قطاعًا عريضًا من المصريين لا يزالون يضعون ثقتهم في الرجل، ويجدون فيه النزاهة والصدق، والرغبة في الإصلاح والتغيير، ويعرفون أن حجم الخراب والفساد الذي توغل في جسد الدولة ونسيج المجتمع عبر العقود السابقة مخيف، ولهذا فإن ما اتخذه الرئيس من إجراءات قاسية وقرارات مؤلمة كان أمرًا حتميًا للإصلاح والتغيير.

لكنهم يتمنون عليه البحث عن حلول شجاعة وجريئة أخرى لمشكلات الدولة واقتصادها، دون الضغط من جديد على وضعهم الاقتصادي الصعب الذي يعرفه الرئيس جيداً، ولهذا يُشيد في خطبه الأخيرة بعظمة الشعب المصري وتفهمه، وتحمله بكل قوة وصبر لآثار الإجراءات الاقتصادية القاسية التي تبنتها الدولة.

وفي حقيقة الأمر، فإن صبر وتفهم الشعب المصري واقع لا يمكن إنكاره، ويستحق الشكر عليه من رأس الدولة، لكنه في الوقت ذاته ينتظر جني ثمار صبره، وسرعة إصلاح الحال، ليشعر الشعب أن هناك بالفعل من يرفق به ويحنو عليه.

وقد شاهدت بعيني وسمعت بأذني سيدة بسيطة في قطار الصعيد، تفاجئ بعض المسافرين الساخطين في حوارهم الصاخب عن غلاء الأسعار، وتصرخ فيهم وتقول:" السيسي شويه وهيعدل المايله، ويصلح الدنيا، وهتبقى الأمور تمام، أصله خدها متشقلبه".

وإصلاح المايلة الذي يتمناه المصريون، لن يكون إلا بإعطاء أولوية قصوى في فترة حكم الرئيس الثانية لملفات العدالة الاجتماعية والصحة والتعليم، وإحداث طفرة نوعية فيها.

ولو نجح الرئيس في إحداث تلك الطفرة النوعية في الملفات الثلاث السابقة، بعد نجاحه الذي لا ينكره أحد في إعادة الاستقرار والأمن، ولمّ شتات الدولة، ومحاربة الفساد، وفي مجال الإنشاءات والإعمار والبنية التحتية، فسوف يحقق أمل الشعب فيه، ويكون عند حُسن ظنه به، ويُجبر معارضيه وخصومه على احترامه وتقدير جهوده وسنوات حكمه.

وفي النهاية سوف يدخل تاريخ مصر من أوسع أبوابه " كزعيم مخلص" أنقذ الدولة من حكم الإخوان والإرهاب، و"أب مؤسس" لمرحلة جديدة في تاريخ الدولة الوطنية المصرية، نجحت فيها في توفير الأمن والأمان والاستقرار لشعبها، وحاربت الفساد بشجاعة، واستعادت دور مصر ومكانتها في المنطقة والعالم، وانحازت لطموح المصريين والأجيال الشابة في التغيير والإصلاح والحياة الكريمة.

إعلان