إعلان

هل نحن بلدٌ فقيرٌ حقًا؟ (14)

هل نحن بلدٌ فقيرٌ حقًا؟ (14)

د. عبد الخالق فاروق
09:07 م الخميس 30 نوفمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ويبقى أن نشير إلى أن الجزء المستورد من احتياجاتنا البترولية، الذي قدَّره وزير البترول المصري، المهندس طارق الملا، بأنه حوالي 40%، حيث نستورد شهريًا منتجات بترولية وغازًا بحوالي 795 مليون دولار في عام 2016 (الذى يعادل 9.5 مليار دولار سنويًا)، يتبع في حساب تكاليف إنتاجه وبيعه طريقة مختلفة، تقوم على أساس الأسعار السائدة في الأسواق الدولية. وسواء كان هذا الجزء مشترى من الشركات الاستثمارية المملوكة لرجال المال والأعمال المصريين والعرب والأجانب، أو من حصة الشريك الأجنبي، فإن الخزانة العامة للدولة تتحمل فعليًا الفارق بين سعر الشراء وسعر البيع في السوق المحلية، وهذا الجزء لا يكلف الخزانة العامة سوى أقل من 30 مليار جنيه، وليس بالأرقام الضخمة التي كانت تشير إليها المصادر الحكومية المصرية وفقًا لسعر بيع البرميل في الأسواق الدولية، ويؤدي تغيير سعر صرف الجنيه المصري بالنسبة للدولار الأمريكي إلى زيادة هذا العبء، وهو ما تتحمله السياسات النقدية السيئة وطريقة إدارة سعر الصرف في البلاد.

هنا تثور مشكلة: هل تُخصم تكلفة تصدير المنتجات المصرية من البترول، التي لا تتناسب مع قدرات التكرير المصرية أم لا؟ وهناك 3 أنواع لهذه المواد، النوع الأول الذي يتم تصديره من نفط رأس غارب، نظرًا لأنه من أنواع البترول الثقيلة، ولا يتناسب مع معامل التكرير المصرية، وبالتالي هناك دول يتناسب مع معاملها وتستفيد به لأقصى درجة، وتستطيع أن تستخلص منه عددًا كبيرًا من أنواع المنتجات البترولية.

والنوع الثاني، وهو"البروبان"، وتُصدر الشركة القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) حوالي 36 ألف طن منه عبر شركة العامرية في محافظة الإسكندرية، حيث إن هذا المنتج، والذي تصنعه شركة "جاسكو"، عليه طلب في السوق العالمي، وهناك فائض منه في السوق المحلى المصري.

أما المنتج الثالث، الذي نصدِّره هو وقود النفاثات والسفن، نظرًا لوجود فائض منه، ويبلغ إجمالي نشاط تموين السفن والطائرات الأجنبية حوالي 500 مليون دولار، بما يعادل حوالي 4.5 مليار جنيه، فهل يتم خصم قيمة تلك المنتجات من فاتورة الدعم؟

والحقيقة أن استبدال الكميات المصدرة التي لدينا فائض منها، أو بسبب عدم قدرة معامل التكرير المصرية على التعامل معها بالخام الذي يجري استيراده من الدول العربية الشقيقة، وخصوصا السعودية والإمارات والكويت، كل ذلك لا يغيّر من جوهر النتائج الحسابية التي توصلنا إليها في بحثنا.

*******

تكاليف الجزء المستورد من احتياجاتنا البترولية

أما إنتاج مصر من الغاز الطبيعي:

فقد بلغ إنتاج مصر من الغاز الطبيعي حتى نهاية عام 2012 حوالي 5.91 مليار قدم مكعبة يوميًا، أي ما يعادل 167.6 مليون متر مكعب يوميًا، وهذه الكمية كانت كافية لتلبية احتياجات مصر من الغاز حتى ذلك التاريخ، بيد أن السياسة التي اتبعتها الحكومات المصرية ووزارة البترول أهدرت فرص تعظيم الاستفادة من هذه الثروة الغازية لعدة أسباب، أهمها:

الأول: حرمان قطاعات واسعة من السكان من إدخال الغاز إلى منازلهم، حيث لم تزد الوحدات السكنية التي أدخل إليها الغاز حتى عام 2016 عن 7.5 مليون وحدة سكنية، بينما مازال هناك أكثر من 13 مليون وحدة سكنية لم تحظَ بهذه الخدمة الحيوية، والتي من شأنها توفير الجهد والمال، وحالة الاحتقان المتكررة في الشارع المصري بسبب سوء الإنتاج والتوزيع لأنبوبة البوتاجاز.

الثاني: أن التعاقدات على تصدير الغاز الطبيعي كمادة خام إلى عدد من الدول العربية والأجنبية والشركات، والتي زادت على 21 تعاقدًا للتصدير، قد أفقدت قطاع الصناعة المصرية القدرة على النمو والتوسع، وكذلك قطاع الكهرباء، وعلاوة على أن هذه التعاقدات وبالأسعار البخسة التي جرت بها – خصوصًا للأردن وإسرائيل وشركتي جاز دي فرانس ويونيون دي فينوسيا– قد أضاعت على الخزانة العامة المصرية حوالي 50 مليار دولار منذ عام 2002 حتى العام 2012.

الثالث: أن تقديم الغاز الطبيعي إلى المصانع المصرية كثيفة استخدام الطاقة، مثل الحديد والأسمنت والأسمدة والسيراميك وغيرها، بأقل من 1.5 إلى 2 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية BTU ، طوال الفترة الممتدة من منتصف التسعينات حتى العام 2013 ، بينما كان سعرها المتوسط في الأسواق الدولية تتراوح بين 6 دولارات و9 دولارات، لم ينعكس إيجابيًا على بيع هذه المصانع منتجاتها في السوق المصرية بأسعار مناسبة، بل على العكس كانت منتجاتها تُباع في الأسواق المصرية وللشعب المصري بأعلى من سعر بيعها في الأسواق الدولية، فزادت أرباح هذه الشركات وأصحابها من كبار رجال المال والأعمال المصريين والعرب والأجانب، وارتفع بالمقابل تكلفة البناء والتشييد والزراعة بأكثر مما يحتمله الاقتصاد المصري.

ويشير وزير البترول المصري، المهندس طارق الملا، في تصريحاته بتاريخ 10/7/2016، إلى حقيقة إضافية، ألا وهي أن مديونيات المصانع المتعثرة لقطاع البترول (الغاز الطبيعي) بلغت في عام 2016/2017 حوالي 14 مليار جنيه مصري، على الرغم من تدنى أسعار توريد الغاز الطبيعي إليها بأقل من متوسط السعر السائد في الأسواق الدولية، مما أدى إلى اختلال الهيكل التمويلي والمالي لقطاع البترول الحكومية وزيادة مديونياته.

كما أدى سوء إدارة قطاع البترول، وتعاقدات الغاز مع إسرائيل، إلى صدور حكم دولي ضد مصر بتغريمها 1.76 مليار دولار لصالح شركة كهرباء إسرائيل وفقًا لتصريحات الوزير الملا في 10/7/2016، وبدلاً من ضبط وإعادة هيكلة هذا القطاع الذى تميزت سياساته قبل ثورة يناير عام 2011 وبعدها بالفوضى والتضارب، ذهبت حكومة المهندس شريف إسماعيل إلى توسيع مشاركة القطاع الخاص –أي رجال المال والأعمال – في سوق استيراد وبيع الغاز الطبيعي، وهو ما يشير بوضوح إلى استمرار سياسة هيمنة رجال المال والأعمال وشركاتهم على هذا القطاع، والانسحاب التدريجي للدولة منه، مع الإبقاء على مجرد الحصول على رسوم مقابل استخدام مرافق نقل الغاز، الذي تكلف على الدولة وقطاع البترول مئات الملايين من الدولارات على مدى العشرين عامًا الماضية.

مخاطر استمرار هذه السياسة على قطاعات الإنتاج والطاقة:

تؤدي هذه السياسات التي اتبعتها الحكومات المصرية منذ عام 2005 حتى اليوم، بشأن ما يسمى "دعم المنتجات البترولية" والطاقة إلى مخاطر وتصدعات كبيرة وعميقة على بقية قطاعات الإنتاج، وخصوصًا قطاع إنتاج الكهرباء.

فلا شك أن إدخال عنصر "نفقة الفرصة البديلة"، في معادلة حساب تكاليف ما يسمى "دعم المشتقات البترولية"، ثم احتساب هذه الإمدادات بالأسعار المماثلة في السوق الأمريكي أو السوق الأوربي، قد أدى لتشوهات في هيكل التكاليف والتسعير لقطاع الكهرباء، ومنه إلى بقية قطاعات الإنتاج والخدمات وجميع نواحي الحياة في مصر. فمحطات الكهرباء التي كانت تتسلم الوقود (غاز طبيعي– سولار– مازوت) بأسعار المنتج المحلي حتى قبل يوليو عام 2005، كانت تتكلف في إنتاج الكيلوات / ساعة بحوالي 14 قرشًا، ولكن بعد رفع سعر هذه الإمدادات وحسابها وفقًا للأسعار الدولية، قفزت تكلفة إنتاج الكيلوات من الكهرباء إلى أن جاوزت حاليًا 85 قرشًا وفقًا لتصريحات وزير الكهرباء والمسئولين في هذا القطاع، ما أدى في المحصّلة النهائية إلى تصدعات على أكثر من صعيد".

فمن ناحية أولى: أدى ذلك إلى زيادة خسائر قطاع الكهرباء وتحمله بأعباء لا ضرورة لها بسبب طريقة الحساب المتعسفة تلك.

ومن ناحية ثانية: أدى إلى زيادة تكاليف الإنتاج في جميع قطاعات الاقتصاد المصري بكل تداعياته وتأثيراته الضارة.

ومن ناحية ثالثة: أدى إلى زيادة أعباء المعيشة على الفقراء ومتوسطي الدخول بصورة مستمرة، بسبب تكرار قرارات زيادة أسعار الكهرباء، سواء للمنازل أو المحال التجارية.

وهكذا يتبين لنا أن هذه السياسات الخطيرة والضارة، التي بدأت مع حكومة أحمد نظيف، ووزير ماليته الهارب، يوسف بطرس غالى عام 2005، واستمرت حتى الوقت الراهن، قد أدت إلى تصدعات وآثار سلبية على مجمل أوجه الحياة في مصر، ولن ينصلح الحال إلا بإعادة هيكلة ما يسمى "دعم المشتقات البترولية والطاقة"، ليس بزيادة أسعارها، وإنما بإعادة هيكلة منهجية حساب التكاليف.

إعلان