إعلان

مرض المسؤول ليس سرًا!

مرض المسؤول ليس سرًا!

د. ياسر ثابت
09:00 م الثلاثاء 28 نوفمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في مصر، يُعَدُّ مرض المسؤول التنفيذي سرًا حربيًا أو لغزًا، عليك أن تجتهد لمعرفة مدى صحته من خطئه. وتظل صحة هذا المسؤول محل أخذ ورد، في نظامٍ يحتاج الكثير كي يؤمن بالشفافية في المعلومات، خاصة إن كانت تلك المعلومات تخصّ الحالة الصحية لأيٍّ من أعضاء السلطة التنفيذية في المحروسة.

وإذا كنا نتمنى الشفاء العاجل لرئيس الوزراء، المهندس شريف إسماعيل، الذي قيل لنا إنه "يتألم في صمت"، فإننا كنا نودُّ أن نعرف أكثر عن طبيعة مرضه، فهو في النهاية رئيس الوزراء، ومن حق الشعب معرفة حالته الصحية بدقة وشفافية، لا أن نكتفي بما قاله السفير أشرف سلطان، المتحدث باسم مجلس الوزراء، من أن إسماعيل أجرى "عملية عادية" في الجهاز الهضمي في أحد المستشفيات الألمانية بمدينة فرانكفورت.

اللافت للانتباه أن ألمانيا ضمَّت في توقيت متزامن، لغرض العلاج، كلًا من رئيس الوزراء والبابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الذي أُجريت له جراحة في العمود الفقري في أحد المستشفيات بمدينة ميونخ الألمانية.

ربما يستوقف البعض علاقة كبار الشخصيات في مصر بالعلاج في ألمانيا، فضلًا عن حالة التكتم بشأن طبيعة الحالة الصحية لهؤلاء الذين نهتم لأمرهم، بحكم مواقعهم ومناصبهم السياسية أو الروحية والدينية.

في أحد أيام شهر يوليو عام 2004، علم العامة بمرض الرئيس السابق حسني مبارك وسفره لألمانيا لتلقي العلاج من انزلاق غضروفي. أُجريت الجراحة في 20 يوليو 2004.

ولطمأنة الرأي العام القلق على بلدٍ مرض فيها رئيس لا يوجد له نائب، كان ضروريًا أن يظهر الرئيس بأي صورة.

وفي 24 يوليو 2004، ظهر مبارك شاحبًا على شاشة التليفزيون المصري، مرتديًا ملابس النوم، متحدثًا إلى المصريين من غرفته في المستشفى ليطمئنهم على صحته، ويهيئهم لغيابٍ قد يطول أكثر مما كان متوقعًا.

 

وحرص مبارك على أن يؤكد أنه بصحة جيدة، وذكر للمشاهدين أن الأمر يبدو كما لو كان أسبوع استرخاءٍ واستجمام، وأنها "أشبه بالعطلة التي يقوم بها أي فرد منكم". والأكثر من هذا، وحتى تحاول أجهزة الإعلام الرسمية نفي شائعات عن صحة مبارك، قالت الرسالة التي تم بثها عن مبارك إنه حتى وهو مريض يتابع ما يجري في البلاد بنفسه، وإنه يُجري اتصالاتٍ مع المسؤولين ويتلقى التقارير، وإن الحكومة تعمل في غيابه بصورةٍ طبيعية.

وفي 6 مارس 2010، أجرى مبارك جراحة في ألمانيا، لاستئصال الحوصلة المرارية وزائدة لحمية بالإثنى عشر، وبث التليفزيون المصري فور انتهائها خبرًا بنجاحها. بعدها بدقائق أصدر مستشفى هايدلبرغ، الذي أجريت فيه الجراحة، بيانًا مقتضبًا قال فيه إنها "سارت على نحو طيب".

وقالت وسائل الإعلام الألمانية إن الفحوصات المكثفة، التي أجريت لمبارك فور وصوله، أثبتت وجود التهاب مزمن في المرارة، بسبب الحصوة التي استؤصلت في عملية ناجحة خضع فيها مبارك للتخدير الكلي.

أما محمد مرسي، فقد تبيّن خلال انتخابات الرئاسة، عام 2012، أنه كان قد أجرى أثناء إقامته في الولايات المتحدة للدراسة ثم للعمل، جراحة إزالة ورم من المخ، وأن هذه العملية تركت عليه آثارًا واضحة في حركة الفم.. وأثرت بشكل واضح على حركة أطرافه العليا، وأنه ظل يعالَج بعد أن عاد إلى مصر عام 1985.

الخطير أنه في العام 2008 عاد محمد مرسي ليجري عملية لإزالة ورم من المخ في بريطانيا هذه المرة -والأمر ثابت من الأوراق الرسمية- وهو ما يعني أن الورم ارتد على مرسي مرة أخرى، وهو ما يعني أيضًا أن الورم يمكن أن يرتد عليه في أية لحظة.

غير أن مرسي أبدى -حينذاك- انزعاجه الشديد من الحديث عن حالته الصحية والكشف عن سجلاته الطبية، مع أنه كان مرشحًا للرئاسة، وبالتالي فإن من حق الرأي العام معرفة مختلف التفاصيل عن صحته، حتى لا يؤثر ذلك على تصديه للشأن العام.

والرئيس أو المسؤول في النهاية بشر، يمرض ويشفى. أما الذي لا شفاء منه، فهو غياب الشفافية في أي قرار يخص الشعب، أو يحق لأبناء الأمة أن يعرفوه عن رئيسهم أو مسؤولهم.

إعلان