إعلان

يوسف زيدان نجم مسرح مثير للغثيان

يوسف زيدان نجم مسرح مثير للغثيان

د. أحمد عبدالعال عمر
07:32 م الأربعاء 18 أكتوبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"إنهم كاذبون .. كاذبون .. كاذبون.. ويعلمون أنهم كاذبون. ويعلمون أننا نعلم أنهم كاذبون ، ومع ذلك فهم يكذبون بأعلى صوت، ويتصدرون القافلة".

أتذكر دائمًا تلك المقولة التي جاءت على لسان بطل رواية "الحب فوق هضبة الهرم" للراحل نجيب محفوظ، كلما شاهدت أو تابعت الإطلالات التلفزيونية التي يقوم بها الدكتور يوسف زيدان، وما يُثار فيها من ادعاءات وآراء صادمة مثيرة للجدل، وتأتي كما يدعي تحت ستار العقلانية وتنوير العقول وتفكيك المسلمات والقناعات الباطلة.

ولهذا أصبحت على قناعة تامة بأننا نحتاج اليوم لاستخدام أدوات الجرح والتعديل وعلم الرجال التي وضعها المشتغلون بعلم الحديث، لكي نُقيم المتصدرين للمشهد الإعلامي والثقافي والسياسي في مصر، وبخاصة المثيرين للجدل دائمًا في كل ما يقولونه أو يفعلونه؛ لكي نعرف من الذي يتحدث أو يكتب، وهل هو بما يحمله من مقومات علمية وسمات إنسانية وتاريخ شخصي، ممن يؤخذ عنهم أم أنه فاقد للأهلية في كل أو بعض تجلياتها، فلا ينبغي علينا أن نسمع له أو نهتم بما يقول أو نجعله موضوعًا للمناقشة؟ 

ثم ننتقل بعد ذلك - كما قال الراحل الدكتور "علي شريعتي" في كتابه "العودة إلى الذات"، لدراسة "جغرافية الكلمة" التي يتحدث بها المتحدثون المثيرون للجدل، لنعرف علاقتها بسياقها التاريخي والاجتماعي والثقافي، وعلاقتها بالسياق الحالي؛ "لأنه أحيانًا تكون قضية ما صحيحة في حد ذاتها، ومنطقية، ومعقولة، وذات قيمة، ولكن طرحها في أرضية معينة، وزمان معين، مرض وانحراف، وتصير فسادًا وكارثة"، لأنها تصرف الأنظار عن قضايا أخرى أكثر أهمية وعلاقة بالواقع ومشكلاته وحياة الناس فيه.  

وأظن أن الدكتور يوسف زيدان، بسماته الإنسانية وعلاقاته، وبتكوينه ومسيرته المهنية والعلمية، هو أكثر شخص يحتاج إلى أن نطبق عليه تلك الآلية في القراءة والتقييم، لنعرف دوافعه فيما يقول أو يفعل، ودلالات توقيت قوله، قبل الدخول في مناقشة أفكاره وما يطرحه من آراء.

ولأني اقتربت، ورأيت، وسمعت، فأشهد للرجل بأنه شخص يعرف ما يريد بدقة شديدة، ومتصالح مع ذاته وخياراته في الحياة، وتخلص من كل صراع داخلي بين روحه وجسده، وعقله وقلبه، بحيث صار جسده واحتياجاته، وعقله ودهاليزه ومخططاته، هم الموجهين لقوله وفعله، وأنه يملك ناصية اللغة، ولا يقول إلا ما قد حسب حساب ردود أفعاله جيدًا، وأنه رجل عاشق للأداء المسرحي، ويمارسه في كل كتاباته ومحاضراته وأقواله وأفعاله.

وهو عبقري في فهم البشر، والتأثير فيهم والاستثمار في نقاط قوتهم وضعفهم، وتوظيفهما لخدمة أهدافه ومصالحه، ولهذا يتعامل أحيانًا مع المحيطين به وكأنهم أبطال لرواياته؛ فهو صانعهم وصاحب الفضل عليهم، وهو الذي يرسم لهم مسار حياتهم، ومصائرهم. ثم يجلس في عليائه ليستمتع برؤيتهم وهم ينفذون خططه فيهم، وربما السخرية منهم.

ولهذا أظن أن يوسف زيدان حكاية لا بد أن أكتبها ذات يوم؛ لأنه أصبح في تاريخنا الثقافي، ظاهرة تحتاج للرصد والدراسة والتفكيك، وصار ممثلًا بارعًا ونجمًا على مسرح المشهد الثقافي المصري المثير اليوم للغثيان.

وحتى يأتي أوان كتابة تلك الحكاية، أقول الآن لكم: لا تنشغلوا كثيرًا بكلماته الكبيرة من نوعية الشجون الفكرية، وتفكيك الثوابت، والتخلف الحضاري، وإعادة بناء المفاهيم، وبناء العقل، وبمواقفه من صلاح الدين الأيوبي، وقطز، وأحمد عرابي، وعبد الناصر، فكم من كلمات إطارها مهيب، ولكنها جوفاء خالية من الصدق، وكم من مواقف ما يقال عن دوافعها في الظاهر، مغاير تمامًا لدوافعها الحقيقية.

ولتعلموا أن الرجل لا يرى إلا ذاته وهو متمركز حولها، حتى صار يقدسها، ويحرق البخور والتاريخ والثوابت حولها، ليضعها دائمًا في صدارة المشهد، حتى لا ينحسر الضوء عنها، ولهذا أظنه لن يتوقف أبدًا عن أسلوبه الخاص في لفت الانتباه عبر التشكيك والتشويه وتفكيك الثوابت، والقراءة الانتقائية للتاريخ وأحداثه وأشخاصه، ولربما خرج علينا غدًا ليقول: إنه اكتشف في بردية فرعونية قديمة، أن أحمس لم يكن بطلًا قوميًا، ولا طرد الهكسوس، وأنه كان بيروح ورا مصنع الكراسي في طيبة.

إعلان