إعلان

الكوارث.. والإدارة بالغموض

الكوارث.. والإدارة بالغموض

د. ياسر ثابت
09:00 م الثلاثاء 17 أكتوبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ليس أقسى على المصري من الكوارث التي تقع عليه كالصاعقة، من الإدارة الهزيلة والهزلية لتلك الأزمات.

إن النوازل والمصائب التي تصيب مصر، رغم كل قسوتها ليست إلا تجسيدًا لحقيقة أشد قسوة، وهي أن مصر تواجه أزمة إدارة لا تمتلك الحد الأدنى من الرؤية أو الكفاءة اللازمة لإدارة الأزمات، ناهيك عن الأمل في علاجها، فأغلب المشكلات التي واجهتها البلاد تحولت إلى أزمات، ثم تحولت الأزمة إلى كارثة ليس لها من دون الله كاشفة.

الشاهد أن الكوارث والأزمات تحلُّ تباعـًا بمصر، التي لا يكادُ شعبها يفيق من واحدة حتى يصحو على أخرى لا تقل فداحةً عما سبقها.

ومن كارثةٍ إلى كارثة، لم يعد للمصري وقتٌ لأي شيء آخر، ولأن المواطن بدأ يعتاد على الكوارث فقد أخذ يتوقع الأسوأ دائمـًا ويهيئ نفسه لها، لدرجة أنه يعتبر اليوم الذي يمر من دون كوارث يومـًا مشهودًا.

قلق منطقي ومبرر، في بلدٍ شهد 100 ألف حادثة من حوادث الطرق في الفترة بين عامَي 2008 و2012، تسببت في مقتل نحو 33 ألف شخص وإصابة 155 ألفـًا آخرين، وتدمير نحو 125 ألف سيارة، في الوقت الذي بلغ فيه متوسط حوادث القطارات في الفترة المذكورة نحو 4 آلاف حادثة تسببت في مقتل 319 شخصـًا و500 مصاب.

في أسبوع واحد (نوفمبر 2014)، قتل الإهمال نحو 30 شابـًا وفتاة في محافظتَي البحيرة وسوهاج إضافة إلى 25 تعرضوا لإصابات مختلفة.

شاءت الأقدار أن تحترق أجسام تلاميذ البحيرة وأن تزهق أرواح طالبات جامعة سوهاج، في وقت متزامن مع اليوم العالمي لحوادث الطرق (3 نوفمبر) الذي أعلنت فيه منظمة الصحة العالمية أن مصر باتت تحتل المرتبة الأولى في وفيات حوادث الطرق، متقدمة في ذلك على 178 دولة أخرى. مما ذكرته منظمة الصحة العالمية في هذا الصدد أن ضحايا حوادث الطرق السنوية في مصر يقدر عددهم بـ13 ألف قتيل و40 ألف مصاب، وأن تلك الحوادث تكلف البلد 17 مليار جنيه، في حين بلغ عدد ضحايا حوادث الطرق في عام 2015 -حسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء- 6203 قتلى بتكلفة اقتصادية 24.1 مليار جنيه.

المفارقة تُذكِّرنا بأصداء حادث قرية المندرة (منفلوط ــ محافظة أسيوط) الذي وقع في نفس الشهر (17 نوفمبر) في العام 2012، حين كان تلاميذ إحدى المدارس داخل حافلة في طريقهم إلى مدرستهم، وأثناء محاولتها عبور "مزلقان" السكة الحديد صدمها قطار الصعيد، الأمر الذي أدى إلى مقتل 52 طفلًا وإصابة 18 آخرين. وهي الكارثة التي احتلت عناوين الصحف وعولجت في حينها بالتحقيقات والتعويضات، ثم نُسي الأمر بعد ذلك وانضم إلى بقية ملفات الصعيد المنسية.

كما تعيد إلى الأذهان ما جرى في 6 مارس 2015، حين لقي ٧ بينهم ٤ تلاميذ مصرعهم، وأصيب آخرون في حادث تصادم قطار وحافلة تابعة لمدرسة المدينة المنورة للغات الخاصة بطنطا، كانوا في طريقهم إلى مزرعة خيول، في رحلة مدرسية في الـ"كيلو ٣٨" طريق "مصر- الإسماعيلية".

القضية قديمة متجددة، سواء بالنسبة لحوادث الطرق أو لحظ الصعيد وأهله منها. وحين يتكرر وقوعها عامـًا بعد عام، وفي مكان تلو الآخر على امتداد خارطة مصر، فذلك يعني أن أسبابها الكامنة لم تعالج، وأن كل ما اتُخِذ من إجراءات في هذا الصدد لم يصل إلى جذور المشكلة؛ لأن النتيجة ظلت واحدة لم تتغير.

هكذا بات على المصري أن يعيش باستمرار فـي انتظار كارثةٍ جديدة، تؤدي مواقف المسئولين منها إلى وضع أكثر مأساوية يرش مزيدًا من الملح على الجُرح، فالجهات المسئولة فـي مصر لا تقر عادة بخطئها ولا تتم محاسبة المسئولين فـي تلك الجهات، بل سرعان ما تتهرب من المسئولية وتُلقي باللوم على الضحايا أو المجهول، أو تدفع بعدم الاختصاص، مثلما فعلت هيئة السلامة البحرية تعليقـًا على تساؤلاتٍ بشأن التقصير فـي إنقاذ غرقى العبـَّارة "السلام 98".

إنه التنكيت والتبكيت في أبشع صوره!

إن الإدارة بالغموض أو التجاهل لا تبني مجتمعات، ولا تحشد رأيـًا عامـًا مساندًا لأية سياسات، بل هي تربة خصبة يكثر فيها المزايدون والمدعون، وأصحاب المعارك المجانية، في حين تغيب معرفة الناس بما يجري على أرض الواقع.

الغموض هو المرتع الأساسي للفساد، ذلك أن الصمت يخفي كلامـًا ينبغي أن يصل إلى الأسماع، ولا يوجد أفضل من بيئة الغموض لتوسيع أرجاء الخوف، والقلق، وغياب اليقين في المستقبل.

إعلان