إعلان

في انتظار سينما أكتوبر

في انتظار سينما أكتوبر

د. جمال عبد الجواد
09:02 م الجمعة 13 أكتوبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

نحن فاشلون في الترويج لأنفسنا. لدينا أشياء كثيرة رائعة في حاضرنا وماضينا، ولكننا لا نجيد الترويج لها. لا شيء يشهد علينا في هذا أكثر من إهمالنا للدراما الرائعة التي ينطوي عليها تاريخنا، والتي يمكن تحويلها بسهولة إلى أعمال سينمائية كبرى، تعزز الانتماء للوطن والافتخار به، في نفس الوقت الذي تعود فيه بالربح على صناعة وفن السينما.

لا أتحدث عن دعاية ممجوجة أو خطابة زاعقة، لكني أتحدث عن أعمال فنية تليق بتاريخ ثري، وبجمهور ملول، قصير البال، لم يعد ساذجًا. معركة كفر الدور التي استبسل فيها عرابي ورفاقه ضد الغزاة الإنجليز هي ملحمة إنسانية ووطنية رائعة، انتصر فيها المصريون على الغزاة الإنجليز، وإن كان هؤلاء عاودوا الكرة بعد ذلك في التل الكبير. كل معركة من المعارك التي انتهت بالاحتلال البريطاني لمصر يمكن أن تكون موضوعًا لفيلم رائع، بدءًا من قصف الإسكندرية، وانتهاء بدخول القاهرة.

معركة الإسماعيلية التي قاتلت فيها قوة صغيرة من الشرطة المصرية دفاعًا عن مبنى محافظة الإسماعيلية ضد قوات الاحتلال البريطاني هي مثل آخر لتاريخنا المهدر. معركة الإسماعيلية في 25 يناير 1952 كانت حدثًا مفصليًا، فقد كانت امتدادًا ونتيجة لأنشطة المقاومة ضد الاحتلال التي بدأت قبل ذلك بفترة، وهي آخر وأروع ما قدمته حكومة الوفد قبل إجبارها على الاستقالة، وهي بداية النهاية لنظام ما قبل يوليو 1952.

معارك حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر عديدة وثرية، والكثير منها يستحق أن يخلد في أكثر من عمل سينمائي. نظلم الجهد المبذول في الحربين عندما نقدمهما “توتالة” كمعركة واحدة، فكل معركة من معارك الحربين يمكن أن تكون موضوعًا لعمل فني رائع الجمال. رأس العش، وشدوان، وبناء حائط الصواريخ، وغيرها الكثير هي من معارك حرب الاستنزاف الخالدة.

حرب أكتوبر هي حرب كبرى، انطوت في داخلها على الآلاف من المعارك الجزئية شديدة الأهمية. المزرعة الصينية، وسرابيوم، والبلاح، وبور توفيق هي بعض هذه المعارك، ومنها أيضا المعارك التي خاضها جيشنا للاستيلاء على كل نقطة من النقاط الثماني والأربعين الحصينة والدفاعية التي بناها العدو على ضفة القناة الشرقية.

معركة المنصورة الجوية يمكن أن تكون من أروع ما أنتجته السينما العالمية في مجالها. معركة المنصورة هي أكبر معركة جوية بعد الحرب العالمية الثانية، وفيها تصدت طائراتنا للدفاع عن قاعدة المنصورة الجوية، التي تعرضت لهجوم كبير، شنته 160 طائرة إسرائيلية، لمدة زادت على الخمسين دقيقة.

الإنتاج الرخيص ليس له محل في عالم وصلت فيه تقنيات التصوير والحيل والجرافيك إلى مدى كبير من التطور. أفلام الحرب يجب أن تكون أبعد ما يمكن عن الخطابة الزاعقة، ولكنها بالمقابل يجب أن تكون مزيجًا من الوطنية والتضحية والحب والوفاء والتردد والبطولة، وكل المشاعر الإنسانية التي تظهرها الحرب. دعونا نقدم انتصارات جيشنا للأجيال الجديدة وللعالم، ودعونا نذكرهم بأننا بشر، حتى ونحن نقتل أو نتعرض للقتل. المعركة المحددة التي يدور حولها الفيلم، هي الحدث الرئيسي، ولكن يسبقها ويمهد لها معارك صغيرة، وتفاعلات إنسانية متنوعة. حتى الأبطال المنتصرون في الحرب يعانون من الإرهاق في نهاية المعركة، وقد لا يكونون مستعدين لاحتفال صاخب، وربما فضلوا عليه كوبًا من الشاي، أو اتصالًا تليفونيًّا بالأهل، أو حتى قيلولة قصيرة.

إعلان