إعلان

كلام عابر: انحناءة السلطان

كلام عابر: انحناءة السلطان

06:30 م الجمعة 08 يوليو 2016

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - سامي مجدي:
منذ ان أُعلن عن اعتذار سلطان تركيا لقيصر روسيا، قبل نحو أسبوعين، وأنا أفتش وراء إقدام رجب طيب أردوغان على تلك الخطوة بعد تصلب في المواقف جراء خطأ - أو أخطاء - في حسابات السياسة وتقديراتها بشأن مدى التزام الحليف الغربي، الأمريكي على وجه الخصوص، بحليفه التركي الواقف على باب الجنة الأوروبية منذ سنوات منتظرا إذنا بالدخول دون جدوى.

لم تشغلني العقوبات الاقتصادية التي انزلها القيصر على الأتراك بعد إسقاط الطائرة، كما لم تشغلني كثير من الأسباب الأخرى التي بدت في نظري 'أسبابا ثانوية' ليست هي التي تدفع زعيما مثل أردوغان في عنجهيته وديكتاتوريته للاعتذار.

شغلتني كثيرا الحرب الأهلية السورية، بحكم الجوار تارة وبحكم العروبة تارة أخرى، وبحكم ما خطه أباطرة الاستراتيجيات في عصور سابقة من أن بداية خط الدفاع عن مصر، التي كانت درة الإمبراطوريات القديمة في الأزمنة الغابرة، من الجهة الشرقية يبدأ من هناك، من حلب الشامية.

شغلتني أيضا "حروب الوكالة" التي تدور على أرض ما كانت تسمى قلب العروبة النابض. راجعت خرائط التحالفات بين دول وميليشيات بعضها موضوع على قوائم الأمم المتحدة للمنظمات الإرهابية.

راقبت الدور الروسي عن كثب كغيره من الأدوار الأخرى للاعبين دوليين وإقليميين. لكن موسكو كانت لها مكانة خاصة بعض الشيء بالنظر إلى أن حل الأزمة يكمن تقريبا هنا في الكرملين.

وتابعت أيضا تحركات القصير وثعلبه، وزير الخارجية لافروف. راوغ. استغل نقاط ضعف الخصم. انهال عليه باللكمات ولم يمنحه فرصة التقاط انفاسه حتى أنهكه وكاد ان يسقطه بالضربة القاضية، لكنه امتنع أو مُنع لحسابات اخرى في السياسة، وذاك ظني. لا أنكر أيضا أن بعض سياساته استهوتني.

هدفه كان منع سقوط بشار الأسد ونظامه وقد نجح فيه حتى الآن. هدفه أيضا أن يبقي له على موطئ قدم في منطقة خرائطها يعاد تشكيلها من جديد خاصة بعد صفعة الناتو في ليبيا. أراد أن يقول كلمته مسموعة، وقد كان.

الأكراد كذلك كانوا حاضرين في ذهني منذ بداية الأزمة، خاصة بعد ان أدار الغرب والامريكان خاصة ظهرهم للحليف التركي، وألقوا بثقلهم وراء أكراد سوريا على غير رغبة السلطان.

خاف أردوغان من الأكراد. خاف أن يصبحوا شوكة في خاصرة دولته. الحلم الكري القديم حاضرا في ذهنه لا يفارقه. خاف مما جري في عراق ما بعد صدام. خاف مما يجري في سوريا الأسد الأن. خاف من الخرائط التي يعاد رسمها من جديد بالدم والنار والأشلاء.

بدأ في إعادة ترتيب أوراقه. هرول نحو الكرملين وقدم اعتذاراته. وجرى ناحية نتنياهو وتنازل عما كان يصفه "شرط أساسي" لتطبيع العلاقات بين انقرة وتل ابيب. تنازل عن شرط رفع حصار غزة وهو الذي يحلو له أن يوصف ب"حامي الفلسطينيين".

في ظني أن مكاسب الأكراد في سوريا في الآونة الأخيرة بمساعدة أمريكية وفرنسية كانت الدافع الرئيس وراء تلك الهرولة وتقديم فروض الطاعة للقيصر.

كعادة كل الديكتاتوريات، هرب اردوغان من مشاكله الداخلية والخارجية. حاول القفز عليها وقد يكون ذلك حلا؛ لكنه قصير الأجل. يظن أن اعتذاراته لروسيا وتطبيعه مع إسرائيل كافية لتخرجه من أزماته في القلب منها المشروع (الحلم) الكردي، بإقامة دولة قومية تجمع الأكراد المتوزعين بين العراق وسوريا وتركيا وإيران، ذلك الحلم القائم منذ أن رسم مستر سايكس ومسيو بيكو خرائط الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية.

لكن الوقت أزف، هكذا أظن.

إعلان

إعلان

إعلان