إعلان

رف السينما - زوتروبوليس .. كيف تجعل (فيلاً) يمر من أمام عين الرقابة!

كيف تجعل (فيلاً) يمر من أمام عين الرقابة

رف السينما - زوتروبوليس .. كيف تجعل (فيلاً) يمر من أمام عين الرقابة!

08:02 م السبت 26 مارس 2016

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم – ممدوح صلاح:

الفيلم الجديد من شركة الرسوم المتحركة الأشهر (ديزني)، عرض في أمريكا باسم (Zootopia) وفي بعض دول العالم – ومن بينها مصر – باسم (Zootropolis). وهو بشكل ما تحية لـ (ميكي ماوس)، أول شيء قدمته ديزني للعالم، شخصية الفأر الذكي اللى لابس هدوم وبيتكلم ويتحرك كأنه إنسان.

مخرجي الفيلم (بايرون هوارد) و (ريتش موور) قالوا إنهم حبوا يجربوا نفس منهج ديزني القديم اللى أخرج الكلاسيكيات باستخدام حيوانات متكلمة، مع التكنولوجيا الجديدة في الجرافيكس والتحريك اللى هتسمع بخلق عالم أكبر وتفاصيل أكتر.. واشترك في كتابته 8 أسماء من بينهم المخرجين، كعادة (ديزني) في تعددية طاقم التأليف والإخراج فتحس إن الفيلم في النهاية نتاج ورشة جماعية بإسم الشركة ويصح نسبه ليها.

بيتكلم الفيلم عن (زوتوبيا) المدينة المثالية المتطورة، اللى بيعيش فيها الحيوانات المفترسة جنباً إلى جانب مع الحيوانات الأليفة في تناغم تام، وكل واحد يقدر يحقق حلمه ويبقى اللى هو عايزه.

وبنتابع رحلتنا مع شخصية الأرنبة المتفائلة (جودي هوبز) اللى بتوصل المدينة عشان تبقى أول ظابط بوليس أرنب.

استخدام الحيوانات في أفلام الكارتون كرمز للبني آدمين فكرة قديمة، تاريخية كمان.. عشان كده ماتحمستش لما شفت إعلان الفيلم الأول، وحسيت إنها مش فكرة لامعة بما فيه الكفاية عشان يتحمس ليها ستوديو كبير بينقي إختياراته بحساب.. لكن لما خلصت الفيلم وصلني إنطباع وأنا خارج من القاعة إن ده أول فيلم أشوفه بيتكلم عن حيوانات بتتصرف كبشر! .. ده مش حقيقي طبعاً، لكن ما يبرر الإنطباع ده هو المنظور الجديد اللى بيستغل الفرضية دي في القصة ويخليها محور الفيلم ونقطة جذرية في السيناريو ماينفعش تخليك تتصور القصة نفسها وهي بتتعمل ببني آدمين.

الرسالة الواضحة في الفيلم والموجهة للأطفال هي رسالة ضد العنصرية، الهدف منها هو تقبل الآخر أياً كان شكله ونوعه وعدم الحكم عليه بالمظهر أو بالناس المشتركين معاه في صفات زي العرق أو الجنس.. الخ. إلى جانب طبعاً الإيمان بالحلم وبقدرتك على تحقيقه.. كل ده كلام مكرر وعادي ويمكن وصفه بالسذاجة، حتى لو معمول بحرفية شديدة.

اللى مش ساذج بقى هو حالة النضج اللى بقت في أفلام (ديزني) مؤخراً، ورغبتهم في عدم تسطيح الموضوع مع الإحتفاظ ببساطته. فبيتبع الفيلم منهج بيعتمد على توصيل رسايل تانية جانبية. مش رسايل سرية ولا حاجة، لكن طبقات أعمق من نفس مضمون الفيلم، وأحياناً وجهات نظر قد تكون معارضة للفكرة الأساسية نفسها أو بتقول إن الأمور مش بالبساطة دي.

فمثلاً بتعرف في بدايات الفيلم إن المدينة بتنقسم لعدد من المناطق بناء على البيئات الطبيعية زي منطقة السافانا أو الغابات المطيرة أو التلج بتعيش في كل منطقة مجموعة من الحيوانات، وده ممكن يبقى محاولة بريئة من صناع الفيلم لخلق بيئات بصرية متنوعة، أو التدقيق في الكيفية المعيشية للحيوانات المختلفة لأن الدب القطبي أكيد بيعيش في أجواء مختلفة جداً عن الجمل.

بس لو وقفنا الموضوع عند كده هيبان إن ده مجهود عبثي! لأن الحيوانات في الفيلم بيلبسوا هدوم وبيروحوا الشغل وبيأجروا شقق.. فبالتالي لو ظهروا كلهم عايشين في مدينة حضرية عادية ماحدش هيتسائل عن الدقة العلمية في الفيلم! وممكن المدينة نفسها تبقى جواها معالم سياحية وأماكن مختلفة تحافظ على تنوع الفيلم بصرياً، زي الشوارع المصغرة اللي بتعيش فيها القوارض لأنها ضئيلة الحجم مثلاً .. عشان كده أعتقد إن التقسيم الداخلي للمدينة ده ليه معنى، وكأنه بيوحي ليك من بداية الفيلم إن التطور الظاهري لكل الحيوانات وحياتها مع بعض بشكل متحضر، مايمنعش إن فيه نزعات بدائية بتظهر في بعض تفاصيل الحياة.. بمعنى آخر، بيمهد لإن المدينة مش بالمثالية اللى يوحي بيها ظاهرها، ومش (يوتوبيا) زي ما إسمها بيقترح.. صحيح إنه في العالم الحقيقي بتكون المدن الضخمة فيها تجمعات إثنية أو دينية في بعض الأحيان، حاجة زي (الحي الصيني) أو (حارة اليهود). لكن ده في عالمنا إحنا اللى هو غير مثالي بالمرة!

بعد شوية من التقدم في الحدوتة بيبتدي الفيلم يطرح أفكاره من خلال تفاعل بطلين هما من الأعداء الطبيعيين في الحقيقة (أرنب وثعلب) .. في بداية الفيلم أهل البطلة - المزارعين البسطاء - بيسيبوا معاها سبراي طارد للتعالب عشان تستخدمه في المدينة، وهي بتاخده إرضاء ليهم وعشان تطمنهم، إنما هي مقتنعة بشدة إن كل الحيوانات في منها الطيب والشرير وإن مش كل التعالب زي بعض .. بننسى السبراي ده وقصته تماماً لحد ما في نص الفيلم التاني بتوشك البطلة على استخدامه فعلاً! وساعتها بنتفاجيء من التحول التدريجي للشخصية من الثقة في الأفكار المثالية والإيمان بالمجتمع الفاضل للتشكك في كل شيء.. وبيتنقل التمييز العنصري من خانة للتانية بشكل مبتكر جداً.

الفيلم في خلال مساره بيفرق ما بين أشكال مختلفة من التمييز: زي العنصرية والتحيز والتنميط.. تقريباً مؤلفي الفيلم جمعوا كل مظاهر التفرقة وقرروا يحطوها بشكل أو بآخر حتى لو في خيوط منفصلة، وكلها بتثبت إن أي حد فينا معرض لإنه يبقى عنصري.. من أول التفرقة بين الستات والرجالة للتخوف من أعراق معينة (أو أديان طبعاً) أو من طبقات إجتماعية بنشوفها أقل تحضراً، وبشكل ما بيناقش شعور عموم الناس بالأخطار المجتمعية من الأقليات والدور اللى بتلعبه المخاوف دي في علاقتهم بالسلطة.. آه أنا لسه باتكلم على فيلم الكارتون!

على الناحية التانية بيحاول الفيلم يوصل إن مش أي صفات تعميمية تعتبر خطأ.. زي ما احنا بندرك بعض الصفات المكتسبة عند الحيوانات بشكل إيجابي (سرعة الأرانب مثلاً) ممكن نشوف بعضها بشكل سلبي (زي بطء حيوان الكسلان).. لكن مجرد الوصول لفكرة إن حيوان الكسلان بطيء بطبعه دي مش عنصرية ولو تنميط فهو تنميط في موضعه.. وهنا بيجي الجانب الخفي المعاكس للفكرة الظاهرية (إن أي حد ممكن يبقى أي حاجة هو عايزها، أو ماتعممش حكمك لإن كل واحد مختلف). لأنه مهما كانت الفكرة دي براقة ومهم زراعتها في عقول الأطفال .. بس خلينا واقعيين، مش كل حاجة ممكنة فعلاً بالبساطة دي، والحكم على عموم الأرانب بالسرعة يعتبر من الحكمة، بدون التعميم مش هنقدر نتعلم من خبراتنا السابقة.

لكن إختلاف الأشخاص سواء الموروث والمكتسب، ومحدودية قدراتهم، مش المفروض إنهم يمنعوك من الجزئية الأهم في رسالة الفيلم.. (تقبل الآخر). دي الفكرة اللى مابيتنازلش الفيلم عنها ضمنياً حتى ومابيحاولش يقدم وجهات نظر مختلفة ليها. على العكس، هو بيفلت من الرقابة لتوصيل إنه حتى أنماط الحياة شديدة الإختلاف لا تزال شيء مقبول.. احنا مش بنتكلم هنا عن تقبل السيدات في وظيفة (رجالية) زي الشرطة. لأ إحنا بنتكلم عن نادي للـ (طبيعيين) (Naturalists) بيمارس أعضاءه الرياضات الجماعية والإستجمام والأنشطة الإجتماعية وهم عراة بدون ملابس، وأحد المشتركين في النادي ده هو شخص تقليدي جداً ورب لأسرة عادية وعنده زوجة وطفلين.. درجة عالية من تقبل الإختلاف بيزرعها الفيلم بين السطور، وبيفكر المتفرج إن مش كل حاجة في الكون لازم تبقى لايقة على أفكاره عشان يحترم اللى بيختاروها .. وفي مشهد كوميدي عابر.

فيلم (زوتروبوليس) مثير للإهتمام جداً .. بيشتبك بشجاعة مع كل الأفكار والآراء اللى بيطرحها موضوعه، وبيحكي لك قصة متقنة التنفيذ والتحريك في عالم بوليسي أشبه بالـ (Film noir). وفي نفس الوقت بيستغل المقارنة ما بين البشر والحيوانات في كتير من الإشارات الكوميدية لعالمنا الواقعي، وبيقدم كمية من المغامرات والمواقف الطريفة الغنية بتخليه أحسن فيلم كوميدي لديزني من كذا سنة..

فيه أسباب كتير تخلي معظم الناس يدخلوا الفيلم ده ويستمتعوا بجانب أو آخر منه، وفيه حرية شديدة عند صناع الفيلم في عرض أفكارهم بتثبت إن لسه الحيوانات هي الوسيلة الشعبية المضمونة للإفلات بكل ما نريد أن نقوله.

إعلان

إعلان

إعلان