إعلان

خالد داود يكتب.. الرعاية الرسمية للجرائم ضد الإنسانية

خالد داود يكتب.. الرعاية الرسمية للجرائم ضد الإنسانية

04:23 م الإثنين 24 يونيو 2013

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم- خالد داود:

فقط من أصابهم العمى سينكرون المسئولية الكاملة لمؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان الحاكمة عن تدهور الأوضاع الأمنية بشكل كامل في مصر، والأخطر، وما يهدد وحدة الوطن وتماسكه، هو تفشي الخطاب الديني المتشدد والطائفي برعاية رسمية. ولقد انعكس هذا الواقع المؤلم الذي نعيشه بشكل واضح في الصور البشعة والمقززة التي تناقلتها محطات التلفزيون والصحف أمس من قرية أبو النمرس في الجيزة لمواطنين تم قتلهم والتمثيل بجثثهم وسحلهم وسط هتافات جماعية تشجع هذا السلوك بزعم اعتناق الضحايا للمذهب الشيعي.

إن الشحذ المتواصل للعداء ضد الشيعة وأتباع العقائد الديانات الأخرى، بل ومعارضي الرئيس السياسيين بتوزيع ألقاب الكفر والإيمان عليهم، قد بلغ مداه منذ أن تولى الدكتور محمد منصب الرئاسة. ومن المؤكد أن المواطنين في أبو النمرس ما كانوا ليقدموا على هذه الفعلة البشعة لو لم يكونوا قد شاهدوا الدكتور مرسي وهو يستمع مبتسما راضيا لخطابات من شخصيات دينية متشددة تصف الشيعة ب''الأنجاس'' و''الرافضة'' وتهول من شأن ظاهرة مفتعلة وأوهام تحت مسمى ''الغزو الشيعي لمصر.'' الشيخ محمد حسان دعا مرسي لمنع الشيعة من دخول مصر، اما الشيخ محمد عبدالمقصود فطلب عدم التعامل مع ''الأنجاس،'' قائلا أنه من الأفضل أن نتضور جوعا بدلا من التعامل مع من المؤمنين بالمذهب الشيعي. هذه المواقف لقيت تصفيقا وترحيبا عارما من الحضور الإخواني، وانتهى الأمر بالدكتور مرسي يحتضن الشيخ عبد المعبود ويهنأه على كلمته المليئة بلا شيء سوى الكراهية والتحريض على العنف.

ولقد كان لافتا للغاية بالنسبة لي أن شخصيات من المفترض بحكم منصبها أن تكون أكثر اتزانا كالمستشار السابق للشئون القانونية في الرئاسة، محمد فؤاد جادالله، قد أورد أسبابا كثيرة دفعته للاستقالة من منصبه أهمها أنه تبين له أن مكتب إرشاد جماعة الإخوان هو الحاكم الحقيقي لمصر، ولكنه أشار من ضمن الأسباب إلى تراجع الرئيس عن وعوده بالوقوف في وجه الشيعة وسماحه بدخولهم مصر عبر باب السياحة مما ''يهدد بإعادة احياء الدولة الفاطمية.'' أي فاطمية وأي اخشيدية واي كافورية يا سيادة المستشار؟ هل تعيشون معنا في نفس البلد؟.

كما أنه من المؤكد أن المدعو صفوت حجازي وصحبه ممن هددوا برش الدماء وسحق المعارضة للرئيس في مظاهرة ''الدعوة للعنف'' وليس ''نبذ العنف'' كما زعم عنوانها، من المؤكد أنهم لم يكونوا لتواتيهم الجرأة على الحديث بكل هذه العنجهية والصلف لو لم يكونوا متيقنين من الدعم الرسمي لمواقفهم وتهديداتهم. ولقد تأكد ذلك الدعم عندما أشاد رئيسهم محمد مرسي في اليوم التالي مباشرة بمظاهرتهم التي حشدوا لها الأنصار من كل أرجاء مصر واعتبرها ''تعبيرا متحضرا'' عن مطالب الثورة المصرية.

نعم بالفعل هو أمر متحضر جدا أن يتحدث حجازي بهذا الأسلوب المتدني لدى مخاطبة شيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب، والذي لا يوجد أدنى شك أن شعبيته لدى الغالبية العظمى من المصريين المتسامحين الذين يحبون دينهم لاعتداله ووسطيته، أكبر بكثير من المدع المتلون حجازي. نعم أمر متحضر أن يخاطب ذلك الصفوت شخصية روحانية بارزة كالبابا تواضروس بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية والذي يحظى بمحبة كبيرة بين المسيحيين والمسلمين بكل هذه الاستهانة، في تهديد واضح وصريح للمسيحيين المصريين من دعم مطلب الانتخابات الرئاسية المبكرة، كما الملايين من المصريين الآخرين المسلمين جدا. يا له من تحضر يا دكتور مرسي مندوب مكتب الإرشاد في قصر الرئاسة.

وهو تحضر كبير أن يهين محمد البلتاجي جيش بلاده الوطني، وان يتشفى مجددا في هزيمتها وضياع أراضيها في حرب 1967. هل تنتمون إلى نفس هذا الوطن الذي ننتمي له، هل تحبون شعبه وأرضه، أم أن ولاؤكم للجماعة ومرشدكم يفوق حب الوطن؟ الجيش الذي قال البلتاجي أنه لم يأت لنا سوى بالهزائم هو نفس الجيش الذي سمح لنا بأن نرفع رأسنا عاليا بعد ست سنوات من تلك الهزيمة المفجعة في 1967، ودفع العدو الإسرائيلي نحو التفاوض معنا لاستعادة بقية أرضنا المحتلة في سيناء. ولكنه الكراهية التي أعمت القلوب، بحيث أصبحت مصلحة الجماعة أهم من مصلحة الوطن، وهزيمة الوطن انتصار لهم يسجدون من أجله شكرا لله.

لم يعد يكفي أن نستخدم كلمات الإدانة لعملية القتل البشعة التي تعرض لها المواطنون الأربعة في أبو النمرس أمس، ولا يمكن لنا أن نصدق البيانات الإنشائية التي أصدرتها الرئاسة والجماعة متأخرة تؤكد فيها أنه ستتم ملاحقة المجرمين. من الذي سيتم عقابه يا دكتور مرسي؟ أهالي القرية بأكملها الذين كان يطالبون بتعليق الضحايا إمعانا في التعريض بهم والتمثيل بجثثهم؟ هذا ما جنيناه بعد عام كامل من حكمك وحكم جماعتك.

أن شعور المواطنين بالغياب الكامل للأمن والأجهزة الأمنية دفعهم إلى الإقدام على ارتكاب جريمتهم دون خوف من العقوبة أو الملاحقة، خاصة مع درايتهم أن أنصار التيار الديني المتشدد الذين باتوا الداعمين الوحيدين للدكتور مرسي سيرحبون بهذه الجريمة النكراء وسيسعون لتوفير الحماية لهم. و يكفي في هذا الصدد الترحيب الكبير الذي لقته هذه الجريمة من قبل بعض من يصفون أنفسهم بالدعاة في القنوات الدينية التي تبث خطاب الكراهية.

إن حالة الاضطراب العام التي تعيشها مصر، والفشل الواضح للدكتور مرسي وجماعته في إدارة شئون البلاد مما أدى إلى زيادة تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية، وتفشي الخطاب المتشدد والطائفي، هي بعض من عوامل كثيرة ستدفع ملايين المصريين للخروج يوم الأحد المقبل، 30 يونيو، لتأكيد على مطلبهم السلمي بضرورة عقد انتخابات رئاسية مبكرة لانقاذ مصر ومستقبلها. نريد رئيس يتقدم بوطننا إلى الأمام في أعقاب ثورة عظيمة كانت شعاراتها العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وليس رئيس وجماعة يريدون العودة بنا إلى عصور الهمجية والتمثيل بالجثث والانتشاء لرؤية دماء البشر فقط لأنهم يتبنون أفكار أو عقائد مختلفة. ارحل يا مرسي.

إعلان

إعلان

إعلان