إعلان

الإفتاء ترد على سؤال "أين الله"؟

02:10 م الأحد 22 أبريل 2018

دار الإفتاء المصرية

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب – محمود مصطفى:

قالت دار الإفتاء المصرية، إن من ثوابت العقيدة عند المسلمين أن الله تعالى لا يحويه مكانٌ ولا يَحُدُّه زمانٌ؛ لأنَّ المكانَ والزمانَ مخلوقان، وتعالى الله سبحانه أن يُحيطَ به شيءٌ مِن خَلقِه؛ بل هو خالق كل شيءٍ، وهو المُحيط بكل شيءٍ.

وأضافت دار الإفتاء في فتوى لها على موقعها الإلكتروني، اليوم الأحد، ردًا على سؤال "أين الله"، أن هذا الاعتقاد مُتَّفَقٌ عليه بين المسلمين لا يُنكِرُه منهم مُنكِرٌ، وعبَّر عن ذلك أهلُ العلم بقولهم: "كان الله ولا مكان، وهو على ما كان قَبلَ خَلقِ المكان؛ لم يتغير عمَّا كان"، ومِن عبارات السلف الصالح في ذلك: ما نقله الإمام السبكي في "الطبقات" عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: [مَنْ زعم أن الله في شيءٍ أو مِن شيءٍ أو على شيءٍ فقد أشرك؛ إذ لو كان في شيءٍ لَكَانَ مَحصُورًا، ولو كان على شيءٍ لَكَانَ مَحمُولًا، ولو كان مِن شيءٍ لَكَانَ مُحْدَثًا] اهـ.

ولفتت دار الإفتاء، إلى أنه قيل ليحيى بن معاذ الرازي: أَخْبِرْنا عن الله عز وجل، فقال: إلهٌ واحدٌ، فقيل له: كيف هو؟ قال: مَلِكٌ قادرٌ، فقيل له: أين هو؟ فقال: بِالمِرصاد، فقال السائل: لَم أسألْك عن هذا؟ فقال: ما كان غير هذا كان صفة المخلوق، فأما صِفَتُه فما أَخبَرْتُ عنه.

ونوهت إلى أنه سُئِل ذو النُّونِ المصري رضي الله عنه عن قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى﴾ [، فقال: [أَثْبَتَ ذاتَه ونَفَى مَكانَه؛ فهو موجودٌ بذاته، والأشياء بِحِكمته كما شاء]، مشيرة إلى أن ما وَرَدَ في الكتاب والسُّنة مِن النصوص الدالَّةِ على عُلُوِّ الله عزَّ وجَلَّ على خَلقِه فالمُراد بها عُلُوُّ المكانةِ والشرفِ والهَيْمَنَةِ والقَهْرِ؛ لأنه تعالى مُنَـَزَّهٌ عن مُشابَهَةِ المخلوقين، وليسَتْ صِفَاتُه كَصِفَاتِهم، وليس في صِفَةِ الخالق سبحانه ما يَتَعَلَّقُ بِصِفَةِ المخلوق مِن النَّقص، بَل له جَلَّ وعَلَا مِن الصِّفَات كَمَالُها ومِن الأسماء حُسْنَاها، وكلُّ ما خَطَرَ بِبَالِكَ فاللهُ تعالى خِلَافُ ذلك، والعَجْزُ عن دَرْكِ الإدراكِ إدراكُ، والبحث في كُنْه ذات الرب إشراكُ.

ونوهت إلى أنه إذا سَأَلَنا إنسانًا: أين الله؟ أجبنا بأن الله سبحانه وتعالى ليس كَمِثْلِه شيءٌ كما أَخبَرَ سبحانه عن نفْسِه في كتابه العزيز؛ وقال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.

وتابعت: "نُخبِرُهُ بأنه لا يَنبغي له أن يَتَطَرَّقَ ذِهْنُهُ إلى التفكير في ذات الله سبحانه وتعالى بما يَقتضي الهيئةَ والصورةَ؛ فهذا خَطَرٌ كبير يُفضي إلى تَشبيه الله سبحانه وتعالى بِخَلْقِه، ونُخبِرُهُ بأنه يَجبُ علينا أن نَتَفَكَّرَ في دلائل قُدرَتِهِ سبحانه وتعالى وآياتِ عَظَمَتِهِ فيَزْدَادَ إيمانُنَا به سبحانه.

وقالت دار الإفتاء: "أما عن السؤال عن الله سبحانه وتعالى بـ"أين" كمسألةٍ عقائدية: فيؤمن المسلمون بأن الله سبحانه وتعالى واجِبُ الوُجُود، ومعنى كَونِه تعالى واجِبَ الوُجُودِ: أنه لا يَجوزُ عليه العَدَمُ، فلا يَقبَلُ العَدَمَ لا أَزَلًا ولا أَبَدًا. وأنَّ وُجُودَه ذَاتِيٌّ ليس لِعِلَّةٍ، بمعنى أنَّ الغَيْرَ ليس مُؤَثِّرًا في وُجُودِه تعالى. فلا يُعقل أن يُؤَثِّرَ في وُجُودِهِ وصِفَاتِهِ الزمانُ والمكانُ".

ولفتت إلى أنه إذا قُصِدَ بهذا السؤال طَلَبُ مَعرِفَةِ الجِهَةِ والمكانِ لِذَاتِ الله، والذي تَقتضي إجابَتُه إثباتَ الجِهَةِ والمكانِ لله سبحانه وتعالى، فلا يَليقُ بالله أن يُسأَل عنه بـ"أين" بهذا المَعنى؛ لأنَّ الجِهَةَ والمكانَ مِن الأشياءِ النِّسْبِيَّةِ الحَادِثَةِ، بِمَعنى أنَّنَا حتَّى نَصِفَ شيئًا بِجِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ يَقتضي أن تَكُونَ هذه الجِهَةُ بالنسبة إلى شيءٍ آخر، فإذا قُلنا مَثَلًا: السماءُ في جِهَةِ الفَوْقِ، فسَتَكُونُ جِهَةَ الفَوْقِيَّةِ بالنسبة لِلبَشَر، وَجِهَةَ السُّفلِ بالنسبة لِلسماء التي تَعْلُوها وهكذا، وما دام أنَّ الجِهَةَ نِسْبِيَّةٌ وحَادِثَةٌ فهي لا تليق بالله سبحانه وتعالى.

وعلى ذلك: فلَو قال مُسلِمٌ: (الله في السماء) فإنه يُحمَلُ قَولُه على مَعنَى أنَّ الله لَهُ صِفَة العُلُوِّ المُطْلَقِ في المَكانةِ على خَلْقِه؛ لأنَّ الله تعالى مُنَزَّهٌ عن الحُلُولِ في الأماكن، فهو سبحانه بِكُلِّ شيءِ مُحيطٌ، ولا يُحيط به شيءٌ، والقولُ بأنَّ الله تعالى في السماء مَعناهُ: عُلُوُّهُ على خَلْقِه لا أنَّهُ حالٌّ فيها حاشاه سبحانه وتعالى، أما مَن يَعتقدُ أنَّ الله تعالى في السماء بِمَعنَى أنها تُحيط به إحاطَةَ الظَّرْفِ بِالمَظْرُوفِ فهذا أمرٌ لا يَجوزُ اعتِقَادُه، ويَجبُ تَعلِيمُهُ حِينَئذٍ الصوابَ مِن الخطأ في ذلك وكَشفُ الشُّبهَةِ العالِقَةِ بِذِهْنِهِ.

وأوضحت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سأل جاريةً فقال لها: «أين الله؟» فأشارت بأصبعها إلى السماء، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لصاحبها: «أَعتِقْها فإنها مؤمنة» رواه مسلم، وليس في ذلك إثباتُ المكانِ لله، وإنما ذلك لأنَّ السماءَ قِبْلَةُ الدُّعاءِ؛ لأنَّ جِهَةَ العُلُوِّ هي أشرفُ الجِهَاتِ، لا أنَّ الله مَحصُورٌ فيها، حاشاه سبحانه وتعالى عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا، ولذلك قال الإمام النَّوَوِيُّ رحمه الله تعالى في "شرح صحيح مُسلِمٍ"، وهو يَتَحَدَّثُ عن مَسْلَكِ التأويل: [كان المُرَادُ امتِحَانُها؛ هل هي مُوَحِّدةٌ تُقِرُّ بأنَّ الخالقَ المُدَبِّرَ الفَعَّالَ هو اللهُ وَحْدَهُ، وهو الذي إذا دَعَاهُ الداعي استَقْبَلَ السماءَ كما إذا صَلَّى المُصَلِّي استَقْبَلَ الكعبةَ؟ وليس ذلك لأنه مُنْحَصِرٌ في السماء، كما أنه ليس مُنْحَصِرًا في جِهَةِ الكعبة، بل ذلك لأنَّ السماءَ قِبْلَةُ الدَّاعِين، كما أنَّ الكعبةَ قِبْلَةُ المُصَلِّين. أو هي مِن عَبَدَةِ الأوثان العابِدِين للأوثانِ التي بين أيديهم. فلما قالت: في السماء، عَلِمَ أنها مُوَحِّدَةً وليست عابِدَةً للأوثان] .

ونوهت إلى أن المسلمون يؤمنون بأنَّ الله سبحانه وتعالى قديمٌ، أي إنَّهُم يُثْبِتُونَ صِفَةَ القِدَمِ، وهو القِدَمُ الذاتِيُّ ويَعني عَدَمَ افتِتَاحِ الوُجُودِ، أو هو عَدَمُ الأَوَّلِيَّةِ لِلوُجُودِ، وهو ما استُفِيدَ مِن كتابِ الله في قوله تعالى: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ﴾، وقَولِه صلى الله عليه وآله وسلم: «أنتَ الأولُ فليس قَبلَكَ شيءٌ» رواه مسلم؛ فصِفَةُ القِدَمِ تَنفي أنْ يَسبِقَ وُجُودَهُ وُجُودُ شيءٍ قَبلَهُ أو وُجُودُ شيءٍ معه، لذا فهي تَسلُبُ مَعنى تَقَدُّمِ الخَلقِ عليه.

وكشفت أن صِفَاتُ الله سبحانه وتعالى كذلك قَديمةٌ فهي لا تَتَغَيَّرُ بِحُدُوثِ الحوادثِ، وإثباتُ الجِهَةِ والمكانِ مَعناه يَقتضي هذا التَّغَيُّرَ، بِمَعنَى أنَّ الله لم يَكُنْ مُتَّصِفًا بِالعُلُوِّ والفَوْقِيَّةِ مِن حَيثُ الجِهَةِ إلَّا بَعدَ أنْ خَلَقَ العالَمَ، فَقَبْلَ خَلْقِ العالَم لم يَكُنْ في جِهَةِ الفَوْقِ لِعَدَمِ وُجُودِ ما هو في جِهَةِ السُّفْلِ، وبهذا تَكُونُ الفَوْقِيَّةُ المكانيةُ أو العُلُوُّ المكانِيُّ صِفَةً حادِثَةً نَتَجَتْ عن حادِثٍ؛ ولِذا فهي لا تَصلُحُ صِفَةً لله سبحانه وتعالى.

وشددت دار الإفتاء، على أنه لا يجوزُ وَصْفُ الله سبحانه وتعالى بالحوادث، فلا يُوصَفُ سبحانه بأنه فَوقَ شيءٍ أو في جِهَةٍ على مَعنَى المكانِيَّةِ والجِهَةِ تعالى الله سبحانه عن ذلك.

فيديو قد يعجبك: