إعلان

كتاب التاريخ لا يؤرخ لثورات المحروسة

كتاب التاريخ لا يؤرخ لثورات المحروسة

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

09:09 م الإثنين 26 يونيو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يستدعي قرار وزارة التربية والتعليم الخاص بحذف ثورتي 25 يناير و30 يونيو من المنهج الجديد لكتاب التاريخ للصف الثالث الثانوي العام مناقشة جادة، قبل الشروع في تطبيقه بدءًا من العام الدراسي المقبل 2017 - 2018، وذلك تنفيذًا لتوصية اللجنة الخاصة بتطوير منهج التاريخ في الوزارة.

أهمية هذا القرار مرتبطة من ناحية بكونه يلغي ذكر ثورتين بالغتي الأهمية في تطور الأحداث في مصر المحروسة من كتاب التاريخ الذي يدرس في آخر سنة دراسية، وأتذكر أن ما درسناه في هذه السنة هو ما تذكرناه في سنوات تالية وكان له بالغ الأثر في تشكيل وعينا وإدراكنا لما يجري حولنا.

من ناحية ثانية، نصت ديباجة دستور 2014 على أن " ثورة 25 يناير- 30 يونيه فريدة بين الثورات الكبرى في تاريخ الإنسانية، بكثافة المشاركة الشعبية التي قُدرت بعشرات الملايين، وبدور بارز لشباب متطلع لمستقبل مشرق، وبتجاوز الجماهير للطبقات والإيديولوجيات نحو آفاق وطنية وإنسانية أكثر رحابة، وبحماية جيش الشعب للإرادة الشعبية وبمباركة الأزهر الشريف والكنيسة الوطنية لها، وهى أيضًا فريدة بسلميتها وبطموحها أن تحقق الحرية والعدالة الاجتماعية معًا". كما أن الخطاب الرسمي للدولة يذكر دومًا بالفساد الذي أدى لثورة 2011 وبممارسات الإخوان التي أدت إلى ثورة 2013، وكيف أن الجيش وقف إلى جانب الشعب في مطالبه بالتغيير، وبالتالي ذكر الثورتين في الكتاب لا يمثل خروجًا عن الخطاب الرسمي للدولة.

إن تنفيذ هذا القرار، يعني عمليًا تخرج حوالي 1.5 مليون طالب من الثانوية العامة ليس على علم بما جرى في سنوات من تاريخ وطنه، وتحولهم إلى مادة يسهل تشكيل وعيها الخاص بهاتين الثورتين من خلال ما يروى عنهما من قبل أطراف غير موثوق في روايتها، خاصة جماعة الإخوان التي تدرك أهمية توثيق التاريخ من وجهة نظرها، ولا أدل على ذلك من اتجاهها خلال فترة حكمها لتغيير المناهج الدراسية على نحو يعكس رؤيتها للتاريخ، وانتقائها الرموز الوطنية التي تذكر في الكتب الدراسية بما يعكس توظيفها للدين كما يروي الدكتور كمال مغيث في مناسبات عدة.

كما أن هذا القرار يؤكد على أن مشكلة تطوير التعليم في بلدنا ليست متعلقة بالإجراءات وإنما بالمحتوى التعليمي ومدى قدرته على رفع مستوى المعرفة، وبتعزيز قيم الولاء والانتماء لدى الأجيال المتعاقبة، حيث كان خروج الملايين لإسقاط نظام مبارك وتوقيع 22 مليون على استمارة تمرد في 2013 لإسقاط حكم الإخوان، فضلًا عمن سقطوا من ضحايا دفاعًا عن التغيير، مؤشر مهم على ولاء هذا الشعب لدولته وقدرته على الخروج إلى الشارع للاعتراض على ما يراه مهددًا لهذه الدولة ولبقائها. وإزالة تفاصيل ذلك من كتب التاريخ يفقدها وظيفتها التعليمية للأجيال، ويحولها إلى نصوص فارغة من المحتوى الوطني.

واللافت للانتباه، أن ما جاء في قرار الوزارة لتبرير هذا القرار يشير إلى غياب "الوثائق الرسمية" الخاصة بالثورتين والتي يمكن استنادًا إليها توثيقهما، وهو أمر يمكن الرد عليه بأنه منذ قرار تنحي مبارك عن السلطة في 11 فبراير 2011 والإعلانات الدستورية تنشر في الجريدة الرسمية، مثل إعلان 13 فبراير 2011، وإعلان 30 مارس 2011 وإعلان 25 سبتمبر 2011 وإعلان 19 نوفمبر 2011 وهي التي وضعت أسس الممارسة السياسية في الفترة التالية، بما في ذلك خريطة الطريق التي أعلن عنها في 3 يوليو 2013 والتي تعد مرتكزا لشرعية النظام الجديد الذي تشكل بعد انتخابات يونيو 2014 ، وهي وثائق رسمية يمكن الاعتماد عليها في توثيق تاريخ الثورتين.

بالإضافة إلى ذلك، تشير خبرات الدول الأخرى، التي شهدت ثورات، إلى أن توثيق أحداث هذه الثورات كان مهمة حرصت على القيام بها جهات متعددة، فعلى سبيل المثال، يوجد توثيق مفصل للثورتين اللتين شهدتهما روسيا في فبراير وأكتوبر 1917، في شكل تقارير شهود عيان، وتقارير معاصرة للثورة، ووثاق متعددة، وأول توثيق منشور للثورتين ظهر في نوفمبر 1917. وهو أمر لم تهتم به الجهات المعنية في مصر، وما شرعت فيه بعضها لم يتم استكماله تحت ذرائع متعددة، وهو ما يكشف عن أن لدينا مشكلة حقيقية في توثيق التاريخ.

إن تضمين هاتين الثورتين في كتب التاريخ واجب وطني يقع على عاتق وزارة التربية والتعليم المعنية بتخريج أجيال من النشء والشباب على وعي بتاريخ وطنها، كما أنه واجب على كل جهة معنية أن تضغط لإيقاف تنفيذ هذا القرار، ولا ننسى أن الشعبية التي حظيت بها جماعة الإخوان بعد ثورة 2011 كانت في جزء منها بسبب وجود أجيال لم تدرك حقيقة تاريخ هذه الجماعة الذي لم يوثق ولم يدرس على نطاق واسع، فعدم معرفة التاريخ تكون مسئولة عن الاختيارات السياسية غير الرشيدة.

إعلان