إعلان

حرية حرية (حكايات سيدي سمير)

حرية حرية (حكايات سيدي سمير)

كريم رمزي
09:27 م الأربعاء 21 يونيو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

حرية حرية الجميع يهتف في كل شوارع مصر خلال خمسة أعوام، الجميع يبحث ويسأل عن الحرية، على السوشيال ميديا الناس تسأل عن الحرية، في الشوارع في البيوت "أين الحرية"؟

في المغرب، عشت رحلة عمل لمدة أيام قليلة، لم تكن الزيارة الأول، لكن ما يميز هذه الزيارة أنها جاءت في شهر رمضان الكريم، وعادة أنا لست من هؤلاء الأشخاص الذين ينبهرون بزيارة أي دولة ويميزونها عن بلدهم مصر لأجل عشرة أيام قضاهم في فندق 5 نجوم Full board، لأنك ستقول أن مصر أعظم مكان في العالم لو قضيت عطلة نهاية كل أسبوع في الماريوت أو الفورسيزونز على النيل.

بدأت هذه الرحلة بوجه مبستم لعم سمير أو سيدي سمير كما يطلقون عليه في المغرب، الرجل الخمسيني سواق الليموزين، ومن مطار كازبالانكا إلى مدينة الجديدة، كان السؤال الأول، هل تحب تكييف السيارة أم أغلقه؟ هل تحب الجلوس في الكرسي الأمامي أم الخلفي؟ وأنا أرد "مش مشكلة أي حاجة".. وهو يقول: لا لك كل الحرية أن تختار.

وفي الطريق، لم يختلف سيدي سمير عن أي سواق مصري أصيل، لم يتوقف عن الكلام دقيقة واحدة لمدة ساعتين، الفارق الوحيد أنه طوال حديثه كان مبتسما ومتفائلا وسعيدا، يحكي عن نفسه وأسرته وبلده وهو يغني في الطريق، لم يحدثني عن همومه أو مشاكله، ولم ينس أن يسألني في وسط حديثه عن حكاياته، تحب أكمل ولا أسكت، لك الحرية.

يقول سيدي سمير الذي كان يسير على سرعة 60 إلى 80 كم في الساعة، إنه لا يحب السرعة، الجو جميل وسيارات النقل تسير على اليمين، ولا يسمع صوت كلاكس يجعله مضطرا للطيران بالكائن الحديدي ذو الأربع عجلات، قانون المرور يحكمه بخصم نقاط ومخالفات فورية، ورادارات تعمل 24 ساعة، ويضيف: "هنا لك الحرية أن تفعل ما شئت، وتنتهي حريتك وفرحتك وتفاؤلك بقساوة مخالفة تأتيك من ضابط الشرطة مع أول وأصغر مخالفة".

يبدو أنك لم تسر في شوارع القاهرة من قبل، هكذا قاطعت سيدي سمير، تلك المقاطعة التي لم تتح لي كثيرا أثناء الحوار، ولكنه لم ينتظر أن أنهي الجملة وأحكي له على ما نعانيه، قائلا "لا إزاي أنا بنتي متزوجة راجل اسكندراني جدع، وأعرف مصر جيدا شارع شارع"، زوج بنتي راجل جدع وأصر أكثر من مرة أن أسافر لزيارتهم، وعلى فكرة بنتي لم تصدق أنني وافقت على زواجهم بكل سهولة، والحقيقة أن الموضوع كان بسيطا "هل تحبين هذا الرجل وترضين أن تعيشي معه بعيد عن بلدك وأهلك، فقالت نعم، فقلت لها لك كل الحرية".

وصلنا مدينة الجديدة، وقضيت فيها يومين فقط، خلال هذه الفترة القصيرة كان يرسل لي سيدي سمير رسائل على الواتس أب "كريم أخبارك أيه، هل تحتاج لشيء؟ "خذ حذرك من الأسواق الشعبية، هنالك لصوص، الجو اليوم بارد لا تعتمد على التكييف كثيرا"، لم أفهم كيف لهذا الرجل أن يكون ودودا لهذه الدرجة دون أن "أطبق له 100 درهم في جيبه" ؟

وفي العودة إلى كازبالانكا، هذه المدينة القديمة المتطورة للغاية، بشوارع أوروبية نظيفة ومرور هادئ، رغم أنني كنت في فندق بوسط المدينة، لم أسمع صوت الكلاكسات، والأهم أن موظف استقبال الفندق خيرني بوجهة غرفتي، قولت له "هل من حقي أن أختار"؟، فقال "هناك العديد من الغرف الخاوية، لا يوجد ما يمنع أن يكون لك حرية الاختيار"، علما أنه قام بذلك دون أن يحصل هو الآخر على بقشيش.

وفي اليوم التالي، ظهر سيدي سمير مرة أخرى، يأخذنا على مول المغرب، يقال إنه أكبر مول في أفريقيا بحسب ما قاله الرجل الخمسيني، ذهبنا إلى هناك فاكتشفنا أنه أصغر من الحرية مول في مصر الجديدة، وهو قريب من الشاطئ على كورنيش يشبه كورنيش الإسكندرية، ولكن بدون باعة جائلين، أو قمامة بالطول والعرض أو قلوب وأشعار على الأسوار.

في كورنيش كازابلانكا الجميع يشتري ويبيع في أكشاك مخصصة، قبلات الحبيبة حاضرة دون لمسات فنية على الطوب الأحمر، بكل حرية يستمتعون دون تخريب أو تشويه للمنظر الذي يجعلهم سعداء.

أما المساء، فبحثنا عن كافيه لنجلس فيه، حان وقت الشيشة، أين الشيشة يا سيدي سمير؟ هنا لا توجد الشيشة إلا في أماكن قليلة جدا تكون بتراخيص حكومي، ومكان مغلق، حتى لا يتضرر الناس في الشوارع العامة من رائحة الدخان، وجدنا المكان، به سيدات "من اللي بنقول عليهم لا مؤخذة"، ومثل أي رجل مصري بدأت اتفحص هذا الحدث، وفي نفس الوقت وجدت أن كل من في المكان لا ينظرون سوى لمن يجلسون معهم فقط، وأنا أتفحص بعناية قلت "يا جماعة إحنا في رمضان مش كدة"، وصديق يجلس بجواري يتفحص هو الآخر "اللهم أني صائم".

والحقيقة أن "السيدات المطلق عليهم لا مؤاخذة" تم تقييمهن بـ "المصري" طبقا لما ترتدينه وليس بما تفعلنه، وفي هذه البلد الشقيقة ذات الأغلبية المسلمة، هناك من يتقي الله وهناك من يفعل ما هو مشين ويغضب الله، ولكن لأن الله وحده هو العامل المشترك في الفعلين الخير والشر، فالجميع هنا يتركون له وحده حرية الثواب والعقاب.

في المغرب يعيش الناس بحرية، قرروا أن يعيشوا بحرية ولم يطلبوها من حاكم أو نظام، لأن الحرية كلمة لا تختصر أبدا في السياسة، هي اختيار الناس لكيف يعيشون وكيف يتعايشون مع بعضهم، ونحن هنا نطالب بالحرية منذ سنوات طويلة، في الوقت الذي لم نمنح فيه أبدا أي حرية لمن يعيشون بجوارنا وأقرب الأقربين لنا.

إعلان