إعلان

عن خيال "عبد الغفار"

أحمد الشمسي

عن خيال "عبد الغفار"

أحمد الشمسي
10:15 م الإثنين 29 مايو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

العين لم تُصبح ناصعة البياض بعد الآن، الاحمرار يشوبها، الدموع أضحت حجرًا يئن يغرق البؤبؤ فيها، لا أحد صار يحِن، فالقلب تحجر، حتى الدمع الذي شقّ الخدين وصنع أخدودًا تجمد.

لا أحد في وزارة عبد الغفار يشطح بخياله، فهم عاجزون عن صناعته، قال لي أحد الضباط الأصدقاء ذات مرة "لو القيادات الصغيرة مسكت مناصب قيادية.. الأمور هتتغير بشكل كبير"، لكن كيف يتولى الصغار المناصب في وزارة شُيدت على القبضة الحديدية ويحكمها الفكر الجامد وسياسة حُكم النفس، وتنفيذ الأمر دون جِدال أو نِقاش.

داخل معهد ناصر، هناك رضيع، يبلغ من العمر عامين، يُدعى بيشوى، استقرت رصاصة من رصاصات الإرهابيين داخل رسغه، عملية جراحية أنقذته، لكنه سيظل مشوهًا، سيحبو الطفل ويكبر وعندما ينظر إلى مكان إصابته سيتذكر، سيظل مشحونًا طوال الدهر، سيعيش حياة مريرة، وعندما يحن لتصفح تفاصيل الحادث سيجد أن عبارة "التقصير الأمني" تتذيل الأخبار كافة، فمن يتحمل وِزره.

ثوانٍ قليلة حولت أسماء 28 مواطنًا من قائمة الأحياء إلى الأموات، وقبلها ذهب آخرون، وغدًا سيذهب آخرون، ختام المشهد تعويضات لأهالي الضحايا والمُصابين، فكيف يمكن تعويض الأبدان بالأموال؟

مرّ على عبد الغفار كافة أنواع الإرهاب، إطلاق نار على كمائن ثابتة ومتحركة، استهداف وتهجير أقباط، واستهداف ضباط ومجندين، وتفجير كنائس في أوقات هي المنطقية للتأمين الشامل لهم، وهجمات بعبوات ناسفة.. كل هذا مرّ، ورد الفعل واحد تطويق أمني شامل لمكان الحادث، ثم وعد بالرد، ولكن لا أحد يرد.

وفقا لتقرير صادر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فإن العمليات الإرهابية خلال عام 2016 انقسمت إلى خمس نوعيات أساسية، وهي: (العبوات الناسفة، وإطلاق نار، وسيارات مفخخة، والقذائف بأنواعها، وتفجير انتحاري).

كيف تكون مُكلفًا بحماية إنسان، أنت تعجز عن حمايته؟ كيف تُسلب روح طفل برئ أنت تعرف أنه كان أمامه حياة وتظل بهذا العجز؟ كيف تُحاكم الدولة أفرادًا بتهمة الخيال، وتترك آخرين عاجزين عن تصوره حتى؟.. لماذا يتم إقالة مدير أمن المحافظة.. ولا يتم إقالة وزير المُدراء جميعًا.. هناك أمرٌ ليس على ما يُرام.

"قدمنا 152 شهيدًا.. و2323 مصابًا".. بيان لوزارة الداخلية تسرد فيه إنجازاتها خلال عام 2016.. مهمة الوزير هي حماية الشعب، وليس إزهاق مزيدًا من الأرواح، استقيلوا يرحمكم الله.

الشهداء ليسوا رقمًا في بيان ولن يقبلوا أن يكونوا رقمًا، هم أرقى من ذلك بكثير، فاحموا ما تبقى منهم، ليحموا ما تبقى منا.

وفقًا لتقرير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، احتلت المحافظات الثلاث (القاهرة، وسيناء، والجيزة) موقع الصدارة من حيث عدد أعمال العنف المسلح خلال عامي 2015/ 2016، حتى أنه يمكن وصف هذه المحافظات بالأكثر اضطرابًا خلال العام.

منذ 5 مارس 2015 ومجدي عبد الغفار وزيرًا للداخلية، ما حوله يتطور، العمليات الإرهابية تتقدم، كانت حدودية وأضحت بيننا، الشر ليس فقط شخصًا يحمل سلاحًا في وجه الوطن، الشر يمكن أن يكون شخصًا يحمل عقله في يده، لماذا يتحدث السيسي دومًا عن أهل شر لا يستطيع وزير داخليته ردعهم ولا الوصول حتى إلى خيالهم؟.

عن تجربة شخصية، طوال المسافة من القاهرة إلى أسوان، لا يقابلك كمينًا أمنيًا واحدًا، هذا بعيد عن القاهرة، أما داخل العاصمة فقلما تجد كمينًا متحركًا، معظمها ثابتة، ومواقعها أماكن استهداف سهلة لتسجيل ضحايا جدد من الشرطة، شرطيون ومواطنون يتساقطون.

قوة الإرهاب تُستمد من قوة المال ثم التسليح ثم القدرة العالية على الاتصالات، وأخيرًا الإبداع في تنفيذ العمليات، والإبداع وقوده الخيال.. وخيال الداخلية ضعيف، لذا الإرهاب ينتصر كل مرة.. وهنا لن أوجه عدة أسئلة للدولة المصرية، ولكن سؤالا واحدا، فإلى أن يتم حل الأزمة لابد من الاعتراف والإجابة بنعم على السؤال، هل وزارة الداخلية وعلى رأسها الوزير يعترف أنه مُقصر؟

وراء كل روح تُزهق، أرواحٌ أخرى مضطربة، ترصد كل ما يجري، تتحول رويدًا رويدًا من الإنسانية إلى التطرف، من يموت لا يموت وحيدًا، فابنٌ ورائه سيثأر، وأرملة ستظل مكلومة وأم تذهب دموعها سٌدى، حتى وإن نجحنا في هزيمة الإرهاب، فكيف سنُثلج الصدور ونداوي الجروح الغائرة؟

إعلان