إعلان

مع الاعتذار لأينشتاين

سمر صبري

مع الاعتذار لأينشتاين

03:00 م الإثنين 04 يوليه 2016

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - سمر صبري:

لم أحب الفيزياء يومًا، وكل ما بقى في ذهني من أيام الفيزياء العصيبة في ثانوي هو درجتي: " 32 من 50"، أتذكر الدرجة فأشعر بشيء من الحرج، ثم أتذكر ما كتبه عمر طاهر يومًا: "أري أواخر الثانوية أشخاصًا طبيعيين، أما الأوائل فلا أستطيع أن أمنع نفسي من التفكير في وجه شبه ما بينهم وبين الحاصلين علي مراكز متقدمة في دوري الشركات"، فاستعيد ثقتي في نفسى كفريق ينافس على صدارة الدوري الممتاز.

صحيح أن علاقتي بالفيزياء ليست أحسن حالاً من علاقتي باللغة الصينية، لكنني أعرف أن أينشتاين قد وضع "نظرية النسبية"، وأنها نظرية هزت الأوساط العلمية، النظرية بالقطع عظيمة، وإن كنت لا أعرف عنها شيئًا، لكنني أراها كذلك لمعناها المستقر في نفسي والذى لا يمت للفيزياء بصلة، وأحمد الله أن أينشتاين قد رحل عن عالمنا قبل أن يجدني أفسر نظريته بطريقتي، وإلا كان اعتزل العلم، وزهد اكتشافاته الفيزيائية، وربما كنت تمكنت حينها من انقاذ أجيال كثيرة من تكرار مأساة ال 32 درجة.. مَن يعرف؟ فالاحتمالات فى هذا الكون لا نهائية، وهذا أحد أسباب جمال الحياة رغم قسوتها.

أما عظمة نظرية النسبية فتكمن في أن لولاها لأصاب العالم الجمود، لولا نسبية نظرتنا للأمور وتفاوت حكمنا على الأشياء لظللنا نعيد نفس المشهد كل يوم.

بفضل النسبية أفّضل اللون الأسود وأقنع صديقتي أنه بالفعل ملك الألوان، فتغير نظرتها بشأنه ولا تراه قاتمًا، وبفضل النسبية تقنعني صديقتي أن ثمة ألوان كثيرة مبهجة، فأضيف إلى دولابى ألوانًا جديدة، لولا النسبية التي تجعل شخص ما يمتلك وجهة نظر مختلفة ويقنعك بها، لظللت تأكل في نفس المطعم نفس الوجبة كل مرة، وتدخل نفس الأماكن ولا تجرب سواها، وترتدى نفس اللون ونفس "الستايل" دومًا، لولاها لتشابهنا جميعًا لدرجة تجعلنا كلنا شخص واحد في أكثر من نسخة، كنا سنسير جميعًا على نفس الطريق فلا نستكشف طرقًا جديدة، لولاها لتآكلنا بفعل الثبات في نفس المرحلة، حتى نسبية حكمك أنت على الأمور من مرحلة عمرية لأخرى، فهى هدية التغيير التي تهديك الحياة إياها، فبلا منظور جديد للحياة.. فلا جديد في الحياة.

تكسبنا النسبية بدايات جديدة وتكفل لنا محيطًا اجتماعيًا متنوعًا يثرينا برؤى مختلفة، فكر معي: ماذا لو أن كل من حولك يشبهونك تمامًا؟ تخيل لوهلة لو أنهم جميعًا نسخًا طبق الأصل منك فى طريقة التفكير والسلوك.. كم كانت ستصبح الحياة راكدة؟ فكر أكثر فى كل تلك المكاسب التي جنيتها من اختلاف من حولك عنك واختلافك عنهم؟ كم تجربة لم تكن لتقدم عليها لولا أن مختلفاً ما عنك "زقّك " باتجاهها، صحيح أن ليس كل جديد محمود النتائج، لكن حتى الخذلان الناتج عن اختيار خاطئ، يضيف لرصيد خبراتنا الحياتي، ويقّربنا من معرفة السيء فيساعدنا على تعلم ألا نقْربه مجددًا، ربما بالسيء إلى جانب الجيد، نمتلك (CV)حياتي ثرى، ويقارب وعينا بالحياة على الاكتمال.

أما أعمق ما أظنه فى نظرية النسبية أن لولاها لانفرط عقد كثير من علاقاتنا الإنسانية، ربما ما يحفظنا أحيانًا وقت خلافنا- بعيدًا عن الخلافات الجوهرية- هو ادراكنا التام لاختلافنا، نختلف.. فننزعج.. نتوهم أننا وصلنا لمحطة الفقد ونقطة النهاية، ثم نهدأ.. نتذكر أنه من الطبيعي أن نختلف في وجهات النظر لأننا فى الأصل مختلفون، وأن نسبية حكمنا على الأشياء بقدر ما تبدو مخيفة ومفزعة أحيانًا، إلا أنها من سنن الكون، وأن اختلافنا طالما كان الرابط السحري الذي يسحب كل منا لعوالم الآخر، ليتسع مدى رؤيته، وليرى العالم بمنظور جديد بدلاً من منظور نفسه الضيق، فنعود مرة أخرى لأرضيتنا المشتركة التي وقفنا عليها يومًا ونستعيد علاقاتنا، ثم نعود من جديد لنسبية رؤانا، نختلف.. ونتفق، فنعلم حينها أننا نعيش، من قال أن العلاقات المستقرة هي تلك التي يتشابه أطرافها حد التطابق؟.

ممنونة لك أنا يا أينشتاين ولنظريتك، وأرجوك أن تسامحني على تحريفها، وإن كان تفسيري قد شوهها، فتذكر أنك كنت المسئول على حصولي على 32 درجة فقط فى الفيزياء.." وكدة نبقى خالصين".

إعلان

إعلان

إعلان