إعلان

كلام عابر: أردوغان.. وتركيا التي كانت مثالًا يحتذى

كلام عابر: أردوغان.. وتركيا التي كانت مثالًا يحتذى

06:31 م السبت 16 يوليو 2016

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم- سامي مجدي:

فوجئ العالم في ساعة متأخرة من مساء الجمعة بإعلان مجموعة من الجيش التركي الانقلاب على نظام الرئيس رجب طيب أردوغان. لكن محاولة الانقلاب هذه سرعان ما بان أنها فشلت، وأعلن رئيس الحكومة التركية السيطرة على الأوضاع في البلاد بشكل كبير والقبض على ما يقرب من 3 آلاف شخص.

تركيا التي كانت في خضم ثورات الربيع العربي وما قبله مثالًا ينادي الغرب باتباعه في الشرق الأوسط الذي يعاني من الديكتاتورية والاستبداد منذ عقود، باتت ليلها على دبابات ومدرعات في الشوارع وطائرات تحوم في سماوات مدنها: ما هذا؟ انها محاولة انقلاب. لماذا؟ ذلك السؤال الذي شغل كثير من المحللين والمراقبين.

في السطور التالية نحاول إلقاء شعاع ضوء على تجربة تركيا الأردوغانية، علنا نعرف ما الذي أدى إلى ما شاهده العالم على شاشات التلفاز ليلة الجمعة/ السبت، والذي كان مفاجأة ربما تكون متوقعة بحكم خبرة الجيش التركي في الانقلابات ونصيبه منها أربعة في النصف قرن الأخير، والنزوع الاستبدادي لأردوغان الساعي لاستعادة مجد عصور مضت.

بداية من لا يمكن إنكار ما حققه أرودغان من طفرة على جميع المستويات في تركيا منذ مجيئ حزبه، العدالة والتنمية، إلى السلطة مطلع الألفية وتوليه رئاسة الحكومة بعد ذلك.

لكن سياسات أرودغان منذ اندلاع ثورات الربيع العربي في 2011، لا يمكن إلا أن تكون سببًا رئيسيًا في محاولة الانقلاب التي يبدو أنها فشلت ولهذا أسباب قد نفردها في مقال تالي.

من المعلوم أن حزب العدالة والتنمية وصل إلى السلطة في نوفمبر 2002، وحصل على 34 في المئة من الأصوات، لم تكن تلك النسبة تدعم مواقف أردوغان المحافظة بقدر ما كانت تتوق إلى التغيير بعد أن سأمت من المؤسسة التي كانت حاكمة في ذلك الوقت. ففي العام الذي سبق تلك الانتخابات شهدت تركيا العديد من فضائح الفساد وأزمات بنوك وانخفاض حاد في قيمة الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي.

في ذلك الوقت لم يكن متاحًا لأردوغان تولي المناصب العامة لاتهامه بالتحريض على الكراهية الدينية وتم ايقافه من منصبه وحكم عليه بالسجن لمدة 10 أشهر في 1998.

عمل حزب العدالة والتنمية كثيرًا حتى حصل في انتخابات تالية على ثلثي الأصوات ما مكنه من بسط سيطرته على البرلمان. وكانت أولى تحركاته في ذلك الوقت تغيير القانون حتى يتمكن أردوغان من دخول الحكومة.

تبنى أردوغان أجندة موالية لرجال الأعمال، الأمر الذي لم يجعل الاستثمارات أيسر فحسب، بل ضمنت نشر الاستثمارات في كافة أنحاء البلاد خاصة الشطر الأسيوي من تركيا الذي كان المستثمرون يحجمون عن ضخ الاستثمارات فيه مدينتي مثل أنطاليا قونية.

تطور الاقتصاد التركي كثيرًا في العقد الأول من حكم أردوغان. وانخفضت معدلات المواليد وبالتالي السكان في سن العمل. وكانت تلك طفرة اقتصادية مشابهة لما شهدتها دول "النمور" الشرق أسيوية في العقد الأخير من القرن العشرين، بحسب وصف مجلة فورين بوليسي الأمريكية.

لكن شهر العسل بين أردوغان وكثير من شعبه أوشك على الانتهاء مع "غطرسة" الرئيس التركي التي بدأت في الظهور مع فوز حزبه في الانتخابات تلو الأخرى. يؤشر لتك الفترة تصريح أردوغان اللافت في 2012، عندما انقلب على العلمانيين، "نريد تربية نشئا متدينا". كانت تلك انتكاسة للعلمانية القائمة عليها أعمدة الجمهورية التركية التي أسسها كمال أتاتورك قبل نحو قرن من الزمان.

في ذلك الوقت كتب الصحفي التركي المعروف محمد علي بيراند في صحيفة حرييت ديلي نيوز يقول "ماذا يعني القول بأن الدولة ستنشئ جيلًا متدينًا؟ هل يكون ذلك الخطوة الأولى نحو دولة دينية؟"

وبدلًا من التعامل مع ارتفاع معدلات قتل المرأة المرتفعة، أصدر أردوغان تعليماته بإبقاء النساء في المنزل وولادة ثلاثة أطفال، وثارت ثائرته ضد الإجهاض، وضد العمليات القيصرية والتي اعتبرها "أمور ضد إرادة الله". كما أنه لم يعد معنيا بالأفكار الليبرالية التركية، فهو لم يعد بحاجة إلى التظاهر بأنه يمثلهم، في مخالفة صريحة للدستور التركي الذي يعرف العلمانية "على أن الدولة تقف على مسافة واحدة من كل الأديان".

نفس الأمر بالنسبة للصحافة. فرغم أن كثيرين دعموا أردوغان في بداياته ضد المؤسسة العسكرية المشهورة بالانقلابات، اعتقادًا منهم بأن التزامه بالإصلاح حقيقي لا لبس فيه. لكنهم أيقنوا بعد ذلك أن أردوغان لم يرغب قط في صحافة حرة، حتى أن الانتقادات الهينة التي كانت توجه له ولحكومته قوبلت بالعديد من المشاكل القانونية، حتى أن العديد سجنوا بتهمة إهانة الرئيس أو إفشاء أسرار الدولة والإضرار بالأمن القومي وهو مصطلح مطاط تستخدمه الديكتاتوريات في شتى بقاع الأرض لفرض سيطرتها على وسائل الإعلام.

تركيا الآن لديها أكبر عدد صحفيين خلف القضبان في العالم، مقارنة إلى عدد السكان. وتحتل، وفق منظمة مراسلون بلا حدود، المرتبة 151 من أصل 180 دولة في حرية الصحافة في 2016. كما وضعتها مؤسسة فريدوم هاوس على قائمة "الدول غير الحرة"، كل ذلك بعد أن كانت مثالًا يحتذى به في المنطقة.

وكانت احتجاجات متنزه غيري في ميدان تقسيم في اسطنبول بمثابة القشة قسمت ظهر البعير؛ فالاحتجاجات التي بدأت على أنها "احتجاجات بيئية صغيرة" هدفها حماية المساحات الخضراء القليلة الباقية في المنطقة القديمة، سرعان ما تحولت إلى احتجاجات حاشدة وأعمال عنف بسبب القمع الحكومي للمتظاهرين الذي حملوا أردوغان رئيس الحكومة آنذاك المسؤولية عن الدماء التي سالت والشرخ الذي جرى بين نظامه والقوى السياسية والشعبية الأخرى.

بدأ الشرخ يتسع رويدا رويدا. وانتقل أرودغان ليلتهم أصدقائه واحدًا تلو الأخر، فبدأ بصديقه الصدوق السابق فتح الله غولن وأتباعه. ثم الرئيس التركي عبد الله غول رفيقه في الحزب، وانتهى بوزير خارجيته ولاحقا رئيس وزرائه عندما أصبح أحمد داوود أوغلو، المنظر الرئيسي للعدالة والتنمية.

لم يكتف أردوغان بذلك بل أنهى بيديه الهدنة مع حزب العمال الكردستاني، بعد وعود بحل النزاع المستمر منذ عقود وقتل فيه مئات الآلاف من الأشخاص. وأمر الجيش بقصف مناطق الأكراد في جنوب شرقي البلاد بعد أن حاز حزب الشعوب الديمقراطي على ما يؤهله لدخول البرلمان، بما حرم حزب أردوغان من الأغلبية التي تمكنه من تشكيل الحكومة منفردًا.

بعد انتكاسة الانتخابات في 2014، خطط أرودغان ـ الذي كان يسعى جاهدا لتغيير النظام البرلمان إلى رئاسي تكون له الكلمة العليا كما كانت له وهو في رئاسة الوزراء ـ لانتخابات أخرى بعد أن حشد القوميين الأتراك المناوئين للأكراد في صفوفه وشن حملة شرسة على حزب الشعوب الكردي، وحرب على حزب العمال الكردستاني - تصنفه تركيا منظمة ارهابية وتعتقل زعيمه عبد الله أوغلان - ما مكنه في نهاية المطاف من نيل. لكن طموحه كان أكبر من تشكيل حزبه الحكومة منفردًا.

عمل أردوغان ألا يكون رئيسًا شرفيًا كما كان سلفه عبد الله غول. فهو يسعى في البرلمان الذي يسيطر عليه حزبه إلى تغيير دستور البلاد ليكون له صلاحيات تنفيذية. وقد كانت تلك نقطة خلاف مع رفيقيه في العدالة والتنمية، غول ودواود أوغلو الذي كان يترأس الحكومة حتى وقت قصير، أدت في النهاية إلى تنحيتهما جانبًا فيما وصفه مراقبون بأنه انقلاب ناعم من جانب أردوغان.

وقد كانت السياسة الخارجية لأردوغان أم مشاكله. فرغم تعهده بسياسة صفر مشاكل مع جيرانه، إلا أن تركيا باتت لها مشاكل مع كل جيرانها؛ فالعلاقات مع إسرائيل مقطوعة وتبعها بمصر عقب 30 يونيو التي أطاحت بحلفائه الإخوان المسلمين من السلطة بعد عام مثير للانقسام قضاه الرئيس الأسبق محمد مرسي، وبالتالي توترت علاقاته مع الدول التي تساند النظام المصري بعد الإخوان، خاصة السعودية والإمارات.

ثم انقطعت العلاقات التركية مع موسكو بعد إسقاط الطائرة الروسية على الحدود السورية التركية. ومع تفاقم أزمة الهجرة واللاجئين في أوروبا، توترت علاقات القارة العجوز مع تركيا. فوق كل ذلك توالت الهجمات والتفجيرات التي ألقت الحكومة باللائمة فيها على الأكراد تارة وعلى تنظيم الدولة الإسلامية تارة أخرى. أخرها كان هجوم مطار أتاتورك في اسطنبول الذي راح ضحيته 49 شخصا وتبناه تنظيم الدولة الإسلامية.

كل ذلك كان له ثمنه السياسي والاجتماعي... والاقتصادي. وقد كان ثمنا باهظا.

بقت الأزمة السورية أكبر فشل في السياسة الخارجية التركية. كان أروغان من أقرب الزعماء إلى الرئيس السوري بشار الأسد، ومع بداية الأحداث تحول تدريجيا إلى عدوه اللدود ولم يكن يترك مناسبة إلا ويطالب بالإطاحة به، بالإضافة إلى فتح حدود بلاده أمام مرور المقاتلين الأجانب القادمين من كافة أنحاء العالم للانضمام إلى الجماعات المسلحة (الدولة الإسلامية وجبهة النصرة) الأمر الذي سرعان ما ارتد على الدول التي كانت تسمح بسفر مواطنيها وتركيا التي كانت المعبر الرئيسي لهؤلاء المقاتلين.

مؤخرًا، حدث ما يشبه الانقلاب في السياسة الخارجية التركية. اعتذرت أنقرة لموسكو عن إسقاط مقاتلتها على حدودها مع سوريا أواخر 2015. كما طبعت علاقاتها مع إسرائيل دون شرط رفع الحصار عن غزة الذي طالما ردده أردوغان للتصالح مع تل أبيب. وكل ذلك عزاه محللون إلى بزوغ نجم الأكراد في النزاع السوري واحتلالهم الصدارة في مواجهة الدولة الإسلامية وسيطرتهم على أراض في شمال سوريا، وخوف تركيا الأردوغانية من تحقيق "الحلم الكردي" بإقامة دولة مستقلة للأكراد الموزعين كأقليات في سوريا والعراق وتركيا وإيران.

 

إعلان