إعلان

إيغو

محمد عطيتو

إيغو

09:08 م الإثنين 30 مايو 2016

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم- محمد عطيتو:

- ميت ! حَسب ما تقول لي.. فـ أنت -بالطبعِ- ميت !!؟

= نعم مَيت، بل وأظنُ أيضاً أنني قد مِت مِن قبل يا ..

- إيغو.. للمرة الثانية أقولُها لك ولا تُخبرني مُجدداً أنه جميل، أخْبرني..فقط أريدك أن تُخبرني إن كنت فِعلاً مَيتاً ..فما الموت؟

= ما هي الحياة ! حياتي كانت مِن المُمكِن أن تُصبح حياة آخرى.. لولا تفكيري هذا و أسئلتي تلك التي أوصلني للجنون.. تساؤلات بِلا معنى، لماذا هو جَمال الِنساء هذا؟ الي أين تُسرع الطيور وما الحكمة في طيرانها ما دام هي وصِغارها وسِربُها بالكامل والمكان الذي يذهبون إليه.. سيصيرون -لا شيء- مِثلي .

- لماذا تهتمُ بتلك الأشياء الآن! أعُذرني ولكنكَ.. ميت !

=ميت ! نعم.. نعم أنا ميت، رأيت الموتَ قد ضَجِر مِن وظيفته رأيته يَشبُك زِراعيه خَلف ظهره و لا يُبالي بنا.. يَقتُلنا الواحِد تِلو الآخر و كأنه يقول لنا أنتم موظفون فاسِدون، لم تكن تلك مُهِمَتُكم لماذا تفعلون كل هذا؟ ثم أنني لا أهتم الآن ولم أكن أهتم مِن قبل، أنا فقط أشعُر بك وأشعر أن كل تلك الأسئلة تدور في عقلك أنت تُشبهني بشكل كبير.. كبيراً جداً ما عدا-بالطبع- كونِك حياً .

- أنا حقاً أجهل كُل تلك الأشياء و أخشى أن أكون مكانك يوماً ما.. أنا أخشى الموتَ كما تخشى العصافيرَ صوت طلقات النيران، أطيرُ في الاتجاه المعاكِس أعدو من أمامه.

=يا للبؤسَ البَشر الذي أوصلنا الي كل تلك الأفكار. ماذا كان ليحدثَ لو أصابَ هابيل أخاه بجُرحٍ لا يُشفى؟ فيموت ببطء هو الآخر بعد أن يقتُله.. وتنتهى حياتنا قبل أن تبدأ. أو أن نوحاً لم يجِد زوجات لأبنائه و يبقى الكون للشيء الأقل منا فحسب، يا ويلي ما الذي أقوله.. أنا لا أحتاج لتبرير ما أفعل.. فلو فعلت ذلك سأبرر أفكاري للبشر و أنا.. أنا لا أريد البشر الآن.

-لكنني أريدك جداً وأريد أن أعلم كل ما لا أعلمه.. أريد أن أغرق في بحر التأملات خاصتك .

= أنا معك حتى ترافقني وحدتي تلك ..

- لا لا لا فأنا -كما قلت لك- أخافُ الموتَ و لن أموت الآن، دع شأني و أخبرني بشأنك وحسب.. ما هو إحساس كونك ميتاً ؟؟ بماذا تشعر !؟

= بلا شيء أنا لا أشعر حتى أنني واقف أحدثك الآن ! عقلي فارغٌ.. فارغٌ تماماً لا أمتلك سوى فكرة أنني ميت، حتى لحظة موتي لا اشعر بها في كُل مرة !! كل ما يشغلني و أعيش في التفكير به و أنا ميت.. هل سأموت مرة أخرى؟ أم أن روحي ستنتهي تلك المرة و أبعث للحياة كأبله آخر ..

- كُل مرة؟؟

= أخبرتك أنني قد مِت من قبل، إنها .. إنها تشبه تلك اللحظة التي تُفصِلُك بين كَونِك مستيقظاً و كَونِك قد نمت بالفعل، يظهر على وجهك علامات التعجب ! لِم العَجب؟ إنها تحدث لك في كل ليلة.. أخبرني كم مرة شعرت بها؟

- .. لم اشعر بها قط !

= كذلك أنا كل مرة أموت فيها.. لا أشعر بها أبداً .

- بعيداً عن الموت.. وكم أكره تلك الكلمة ! أخبرني عن الحياة، ماذا لو كُنت مكاني الآن ؟ أتفتقدها حقاً؟

=أنا عشت حياة سعيدة رائعة جميلة، هناك أشياء يَصعُب الحديث عنها.. إنها لا تقل عن كَونِها الخِزانة التي أغلقت أبوابها لتنام ..فـكَونت العتمة التي أراها الآن. بالرغم من ذلك فأنا لم أشعر بالحياة أيضاً !! و أنت كذلك لن تشعر بها أبداً.. أنت تخوض رحلة طويلة في الشعور باللا شيء ..

- أنا !! كيف ؟؟ كيف هذا وأنا أستمتع بحياتي! أنا أكره الموتَ لأنني أحب الحياة.. فعلاً أحبها، وتأتي أنت لتقول لي أنني لا أشعر بها؟

= صدقني كُنت مِثلكَ يوماً ما.. و كنت أقول مِثلك تماماً، حتى أتت تلك الروح اللي أخبرتني بالحقيقة .

- حقيقة ماذا؟

=الحياة، إنها تشبه ذلك الصوت المزعج الذي يخرج من سيارتك، ثلاجة منزِلنا، أو حتى ضجيج العمال حيث يعملون تحت بيتك بلا رحمة.. ذلك الصوت المُزعج جداً، بالرغم مِن كَونِه مُزعجاً إلا أننا نعتاده ونتعايش معه ويُدمنه عقلنا بشكل ساخر و لا نشعر بوجوده فعلاً... وشعورك به يحدث فقط إذا ما شرع في البدء وعندما يتوقف.. ما دون ذلك فأنت لا تشعر بشيء !!! هكذا الحياة. أنت تلهو في الحياة عن الحياة وذلك ما أفقدك شعورك بها .

- إذا كنت على حق فعلاً فأنت أيضاً لم تكن لتدري ذلك حتى أنتهى الصوت.. أقصد حياتك! كيف تعاملت مع كل هذا؟

= ليس لقسوة وصعوبة حياتنا إجابات منطقية.. مهما حَدثك علماء النفس و المنطقيون و رجال الدين، فلن يشعر أحدٌ بما أشعر به الآن، لن يشعر بي إلا الشخص الذي يفكر و يتساءل. لا أقول لك أنهم ليسوا على حق.. بل إن جميعهم على حق. فقط أقول أن محور الكلام هو أن الحياة ليست كما تنظرون لها، الحياة أبسط من أن تغلق عيناك الآن.. وتفتحها و فقط! لماذا تتمسكون بكل هذا البؤس المشقة الحزن الألم لماذا تحبون الحياة من هذا المنظور؟!!

- بالرغم من أن القاعدة في المطلق تنص على أن من فَقد شيء أحَبهُ، إلا أنك ميت و تكره الحياة أيضاً؟؟

= نعم أكرهها.. أكرهها جداً، أنتم تعيشون حياة بلا معنى في كونٍ عشوائي، كون تحرسه أسرار فاسدة في عقول فاسدة.. والناسُ يلهثون خلفَ سرابٍ ولا ينجو منهم إلا المفكرون أمثالك.. كل شيء أنجزته سينتهي يوماً ما، الشمس ستنفجر و الكون سيزول، ومعها.. سيزول أصدقائك و أعدائك و حبيبتك وحزنك المبالغ فيه وأمورك التافهة التي تعتقد أنها أعقد الأمور في الكون. من الصعبِ جداً إقناع الناس إن ثَمَ جدوة مِن حياتهم.. استنتاجي أن الشيء الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه هو الترفيه وإتباعُ الدين ولا شيء آخر.. لا شيء، كل الأمور الأخرى ستجد أناس يفكرون فيها بشكلٍ غريب وتنظر لهم وتقول في صمت يا إلهي هل حقاً هؤلاء الناس يعيشون من أجل تلك التفاهات؟ ولا تلبث حتى تراهم ينظرون هم لك -مِن أسفل- ويقولون يا إلهي هل حقاً ذلك الشخص يعيش من أجل تلك التفاهات؟.. !! يا ويلي -حقاً- لماذا أقول كل هذا؟؟ أنا لا أهتم بالبشر.. لا أدري لماذا أهتم بك أنت-فقط- لماذا؟!

- تتفوه بكل تلك الحكمة ولا تدري الحكمة من حديثنا هذا؟ أنا لا أريد أيضاً أن أعرف بقدر ما أريد أن اجد إجابة لكلامك.. كيف أفنيت عمرك بتلك الطريقة؟ !

= عُمري و عُمرك كالسيارات المستأجرة، ليست لنا.. ولن تكون لنا أبداً تمنح لك لتستخدمها ومِن ثم تدفع حق استخدامك لها، و تُسلب مِنك في حال سوء الاستخدام. أما عن سيارتي فقد ركنتها بهدوءٍ وسلمتَ المفاتيح لصاحبها وانتظرتُ جانبها حتى أُعيد فَحصُها بالكامل، فأنا.. أنا لم أسيء الاستخدام وحسب، أتذكر أنني كنت لا ألتفت خلفي وكنت أقود بدون مرايا وبدون مصابيح.. لم أخفف سُرعتي في المنحدرات ولم أزيدها وقت الشدائد، قلبتُ عمري و حاولت إصلاحه أكثر من مرة وعملت به حوادث مع كل شخص جديد عَرفته، أتذكر.. أتذكر أن صندوق الضمير كان مليء بالمخالفات ومذياع عُمري يتفوه بالتفاهات وأن مقاعد الأصدقاء قد مُزقت. بالرغم من ذلك أقسم لك أقسم لك أنني كنت سائقاً طيباً.. فعلى الأقل كل هذا يخُصُني.. لم أخدِش سيارة أحد عمداً و لم أقتل به أحداً.. بالرغمِ مِن أنهم كانوا يعبرون -فجأة- من أمامي .

- وكأنني أجلس مع حكيم زماني !! كيف لك بكل تلك الحكمة؟

= كنا نقول في الحياة أن مَن سُلب شيء عوضه الله بأخرى.. ماذا بـ شيء قد سُلب منه كُل شيء.

- لكن لِمَ كل هذا البؤس والحزن أين هي أوقات السعادة إذاً؟ الفرح ؟

= بؤس وحزن !! ألم تفهم بَع ؟ هذا ليس خراباً.. البحث طريق بلا جانبين وموتُ هاوية والحكمة في عقول المفكرين أمثالك.. نسيت أن أسمي أوقات سعادتي، وقت ولادتها لم أستخرج لها شهاده ميلاد كنت أتشاطرها مع أحبائي و أصدقائي ثم ضاعت وتاهت في زحام الحياة.. لم أجدها مرة أخرى كنت أعدو في الحياة بحثاً عنها. كنت أشاهد أطفالاً يشبهونها أقترب منهم وأشعر حقاً بالسعادة مرة أخرى ثم يأتي مالكها ويأخذها بعيداً عني كأنني سأخطفها منه.. الحزن يحاوطني، كم أحببتها .

- ..

= ..

- أنت تشبهني حقاً !!

=غداً ستفهم ما أعنيه .

- لا أريد أن أموت ولن أقولها ثانيةً أنا أستمتع بحياتي و لا أريد أن أفارقها.. و لكنني يأست ذكرك أنت الموت وأريد أن أفارقك فعلاً.. دعني و شأني أيها الميت الحي .

= لا تقلق، سيبحث عنك وسيجدك حين يُحين وقتك.. وسترافقني وحدتي أعِدك، أستمتع بالحياة بالقدر الكافي أيها الحي الميت .

***

أتذكر أنني ذهبت تلك الليلة من هذا المكان حيث لا أعرف الوقت لا أعرف أين أنا، يشغلني فكرة أن الموت يطاردني و أن لحياتي نهاية - تشبه موقفي هذا جداً- حيث لا أعرف وقتها ولا مكانها! إنه لشيء مُرعب أن تفكر كيف ستهرب من الواقع.. ولكنني لن أموت الآن .

أنا بردان و وحيد، أنظر للسماء وأتمنى.. كم -حقاً- أتمنى زوال جميع الناس معي.. أن يرافقونني دربي وأن لا يبقى حي من بعدي و أن لا أصبح وحيداً. أوقفت تفكيري هذا و بدأت أفكر بالشكل النقيض.. ماذا لو مِت؟ بالطبع سأرى الأخرين بعد الموت أنظر لهم من فوق -عبر الغيوم- أشتهي أن أقود أن أراهم وهم لا يروني أن أسمعهم وهم يتفوهون بحماقات مطلقة و أن أعرف أخيراً بماذا يفكرون .. لا أعرف كيف ربما -كما في عقول الأطفال- إنها فكرة تخطر لي و حسب . لماذا نفترض أن الموت سيجعل مني شخصاً طيباً ؟

أنا غاضبٌ و وحيد، أستعيد بعض الذكريات.. ماكنت قد سامحتُ به أستعيده، كـغريقٍ يقوم بقتل منقذيه، أدفعهم الواحد تلو الآخر -تحت الماء- دون أسفٍ وبشراسة. حسناً.. حسناً ما أفكر به سيء.. أجهدت نفسي في الصعود على قدمي لشقتي دون أن استخدام المصعد على أمل أن يجهدني هذا وأنام سريعاً، أنا في سريري الآن خائفٌ وحزين.. و لأنني خائفٌ فلن أستطع النوم نظرت للمرآه و وجدت من يُشبهني وأشبهه ثم تحرك نحوي وها هو يقترب مني.. مَن هذا؟ بل ما هذا؟ هربت منه وحاولت أن أُخفي نفسي عنه.. وجدته قد وضع يده على كتفي بابتسامةٍ تشبه ابتسامة طفلٍ ضائعٍ.. وحزين قائلاً: "لِم كل هذا ؟". لم أجد أمامي سوى نافذة بيتي وكأنها تفتح زراعيها لأنجو.. وقفت عليها وألقيت نفسي بكل سهولة و طمأنينة.. من فوق -عبر الغيوم- ها أنا أشاهد الناس حقاً من أعلى كما يفكر الأطفال.. أسقط.. ها أنا أسقط.. نورُ يحاوطني وظلام يشعُ مني.. ماذا حدث!! هل مِت؟ أين أنا.. بل مَن أنا.. ومن ذلك الذي يأتي من بعيد مجدداً !!

=لا تتقدم أكثر من ذلك أرجوك.. مَن أنت؟

-أنا.. أنا إيغو.

=إيغو! اسم جميل، ساعدني أرجوك أنا لا أدري كيف جئت إلي هنا لا أدري أين أنا، رأيت نوراً يحاوطني بعد ما القيت نفسي من شُرفة بيتي! ثم.. ثم ..

- ألقيت نَفسك مِن شُرفة بيتكَ؟؟

= نعم . أظنُني ميت !!!

- ميت ! حَسب ما تقول لي.. فـ أنت -بالطبعِ- ميت!! ....

إعلان