إعلان

وجهة نظر: رسائل تهنئة عربية بفوز ترامب أقرب إلى الابتذال

ناصر شروف

وجهة نظر: رسائل تهنئة عربية بفوز ترامب أقرب إلى الابتذال

11:05 ص الأحد 13 نوفمبر 2016

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم – ناصر شروف:
تريث معظم ديمقراطيات العالم في تقديم التهنئة للرئيس المنتخب ترامب قابله إسراع معظم القادة العرب بابداء ثقتهم به. إنها بحق شهادة ضعف وإفلاس سياسي، كما يرى ناصر شروف.

على غير العادة إزاء انتخاب رؤساء سابقين للولايات المتحدة الأمريكية، شعر العديد من السياسيين الأوروبيين وبحق بقلق عميق هذه المرة إزاء إنتخاب دونالد ترامب، بشكل جعلهم ينشغلون بشكل مكثف ودقيق في صياغة نص برقيات التهنئة الموجهة إليه. لم يكن الحال كذلك لدى عدد من الزعماء العرب، فالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على سبيل المثال لا الحصر، سارع بحماس لافت وارتياح واضح ليهنئ الرئيس الجديد. وبعد وقت قصير فقط من إعلان النتائج الانتخابية شددت وسائل الإعلام الرسمية في مصرعلى أن السيسي كان أول رئيس دولة يهنيء رئيس الولايات المتحدة الجديد في اتصال هاتفي، عقب تأكد فوز هذا الأخير في الانتخابات.

لماذا يراهن رئيس عربي بوزن السيسي على سياسي عُرف بتصريحاته السلبية بل العنصرية تجاه المسلمين داخل الولايات المتحدة وخارجها؟ بعض الخبراء مثل بشير عبدالفتاح من "مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية" في القاهرة يسوق عدة أسباب لذلك: أولا، العلاقات المتوترة بين البلدين منذ إقصاء الرئيس السابق محمد مرسي عن الحكم، وما أعقب ذلك من نزاعات دموية في البلاد، جعلت الرئيس باراك أوباما ينأى بنفسه بشكل دبلوماسي عن النظام المصري، في حين يبدو أن ترامب لا يزعجه ذلك. ثانيا، كان هناك نوع من الغزل السياسي بين ترامب والسيسي قبل الانتخابات: فترامب لم يتوان عن إبداء تقديره للرئيس السيسي كعامل استقرار في المنطقة، كما لم يحرجه أيضا بطرح تساؤلات جدية حول ملف حقوق الإنسان في مصر.

ثالثا، وربما هو العامل الأهم، الموقف الواضح لترامب من ألد أعداء السيسي، أي جماعة الإخوان المسلمين. فترامب لا ينظر إلى هذه الجماعة كشريك صعب في حوار ضروري فحسب، بل يعتبرها منظمة إرهابية. وهذا الموقف يجعله، بالنظر إلى موازين السلطة اليوم في القاهرة، شخصاً قد يكون صالحاً لأن يكون رئيس مصر أيضا.

بشار الأسد يتنفس الصعداء
بالإضافة إلى السيسي قد يكون فوز ترامب مبعث ارتياح للرئيس السوري بشار الأسد أيضا، وذلك بالرغم من أن سيد البيت الأبيض الجديد لا يكِنُ له، رسميا على الأقل، نفس الاحترام مقارنة بنظيره السيسي."لا يعجبني الأسد نهائيا"، هذا ما قاله ترامب في إحدى مناظراته التلفزيونية مع هيلاري كلينتون، مضيفا في عبارة حاسمة: "ولكن الأسد يقتل داعش!" أو ما يعرف بتنظيم "الدولة الإسلامية". هذا في حين لم يجد ترامب حاجة لذكر الفظائع والجرائم التي يتعرض لها الشعب السوري بشكل يومي- ليس أقلها من قبل النظام نفسه، الأمر الذي فُهم على أنه تقارب حذر من قبل الرئيس الجديد تجاه النظام السوري. " ترامب..والانعطافة المنتظرة"، هكذا عنونت جريدة البعث السورية الناطقة بلسان حزب البعث السوري افتتاحيتها على صفحتها الأولى. وبالإضافة إلى ذلك فقد عبر معلقون آخرون مقربون من النظام السوري وحلفائه عن سعادتهم إزاء انتهاء الجدل حول تغيير النظام في دمشق بشكل نهائي مع وصول ترامب إلى سدة الحكم. وقد يكونوا فعلا محقين في ذلك. فترامب يريد تحديدا محاربة تنظيم "داعش" لأنه يقتل المواطنين الأمريكيين، في حين أن مقتل مئات الآلاف في سوريا من العرب والأكراد والأعراق الأخرى، في نفس الوقت، من قبل النظام وحلفائه ومن قبل الميليشيات المدعومة من الخارج على السواء، قد لا يثير اهتمامه، طالما أن آلة القتل هذه لا توجه ضد مواطنين أمريكيين.

وحتى الحكومات في المملكة العربية السعودية والعراق قد يكون لها آمال في إمكانية التعاون مع ترامب سياسيا، على الرغم من عدم ارتياحها بالتأكيد من بعض تصريحاته ومواقفه السياسية.

ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن هيلاري كلينتون كانت ستكون الخيار الأفضل بالنسبة لهم. السعوديون على وجه الخصوص يشعرون بسعادة كبيرة بعد أن قام ترامب بإعادة طرح تساؤلات حول ملف الاتفاق النووي مع إيران، عدوهم اللدود في المنطقة. ومن جهته يأمل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، بعد فوز ترامب، بالمزيد من الدعم من واشنطن في مكافحة تنظيم "داعش" الإرهابي.

محاولات تقارب مثيرة للتساؤلات
من المفيد في هذا الصدد مقارنة رسائل التهنئة العربية الرسمية على فوز ترامب في الانتخابات مع التهنئة المتوازنة والدقيقة والمتأنية للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي جاءت على شكل بيان صحفي قرأته على الملأ أمام أعين الكاميرات. نعم، ميركل التي لم تسلم من لسان ترامب السليط قامت بتهنئته أيضا وعرضت عليه التعاون، ولكنها ربطت ذلك بشكل واضح وصريح  بالتزام الأخير بالقيم المشتركة مثل الديمقراطية والحرية والكرامة الإنسانية.

بإمكان ميركل بالطبع أن تضع الشروط على الزعيم الأقوى في العالم وتخرج بمثل هذه التصريحات القوية بفخر وثقة كبيرة في النفس، لأنها وببساطة تتسلح بسلطة صناديق الاقتراع الحرة والنزيهة. بالمقابل يشعر بعض الزعماء العرب أن فوز ترامب يمنحهم بعض الشرعية تعوض تلك التي لم يكتسبوها عبر انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة ويقوي سلطتهم على شعوبهم. انها وبحق صورة مثيرة للشفقة.

ما يمكن ملاحظته حاليا للأسف: فوز ترامب في الانتخابات يشجع الحكام المستبدين في العالم قاطبة. هذا توجه خطير! إنها تجربة محبطة أخرى لجميع الذين يعملون ليلا ونهارا، رغم كل الصعوبات، من أجل تحقيق المزيد من الإصلاحات.

إعلان