إعلان

مصر بين محترفي النصب وهواة الإفساد

محمد أحمد فؤاد

مصر بين محترفي النصب وهواة الإفساد

03:25 م السبت 08 أكتوبر 2016

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - محمد أحمد فؤاد:
ليضرب كل معترض رأسه عرض الحائط.. ويبقى يناير 2011 علامة مضيئة متفردة، إنه تاريخ أحدث غصة في حلق كل من نصب من نفسه ولو مؤقتاً وصياً على عقلية ومقدرات شعب عاش مطحوناً بالأمر المباشر لعقود طالت.. كعادته، قام الشعب فجأة من غفوته مزلزلاً لكل ما حوله بحدث عظيم الأثر، لكنه سرعان ما عاد إليها مرة أخرى ربما زاهداً في حدوث أي تحسن، أو لأنه اعتاد انتظار المسيح المُخلص الذي سيأتي يوماً بكل المعجزات التي ستحول حياته من عناء وشقاء أبدي إلى رغد ورفاهية.

يناير 2011 سيظل عنواناً رئيسياً لأي متغيرات تطرأ أو ستطرأ على مستقبل هذا الوطن شاء من شاء وأبى من أراد أن يأبى.. باستثناء تلك الحالة المرحلية النادرة من الانقسام والتشرذم، والتي لم يمر بها المجتمع المصري من قبل، وأحسبها جاءت بفعل فاعل وأكثر نتيجة لتجاهل الحكام لمسبباتها على مدار قرابة أربعة عقود هي التي أظنها حالت بين حدوث الانفراجات المرجوة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وبين ما هو واقع مختل ومُخجل نعيشه، ومازلنا نكتوي بنيرانه إلى اليوم وحتى إشعار أخر.

لا أدري إن كان من المُجدي محاولة إخضاع الأمور للمنطق في زمن تتراجع أي منطقية وعقلانية أمام ما نراه يومياً من سلوكيات غير مبررة من جانب رجال سُلطة أو نواب برلمان عن الشعب، أو من رجال مال وأعمال يتحكمون بأرصدتهم "المخفية" بعناية فائقة في مصائر المجتمع.. يبدو أن أغلب هؤلاء لم يصبهم الدور الثوري بأي تغيير حتى ولو بقدر يسير، هذا الدور الذي من المفترض أنه يطور من أسلوب الحكم على الأشياء وتقييمها، وبالتالي يُحدث شيء من الحراك الإيجابي ينتهى بتقدم وتنمية ورخاء يشعر بها المواطن البسيط.. لكن الثابت أنه بمجرد أن حدثت الثورة، قام هؤلاء وبمهارة شديدة بالتمترس خلف الشعارات والنوايا الحسنة للتيار الثوري النقي، ليس بهدف دعمه ومساندته كما أعلنوا في البدايات، ولكن بغرض الاحتماء من عنفوانه وقوته التي كادت وأن ستعصف بمقدراتهم كافة إن لم يُظهروا نوعا من القبول والمهادنة أمام الثورة حتى تهدأ وتتراجع، أو ربما تتلاشى..!

ظني أن مصر تعرضت مؤخراً لأكبر عملية نصب في تاريخها الحديث، وربما مازالت تمر بها على يد مجموعة آلات جهنمية اعتمدت التضليل والتعتيم والمراوغة كمناهج أساسية لتصريف الأمور، وفرضت نوع من التخدير والعزلة الجبرية على الشعب أمام مشكلاته الأساسية، وقد تم هذا بدم بارد على يد شخصيات سياسية وأمنية وإعلامية لا أظنها ستنجو بفعلتها مهما حاول بعضهم اخفاء معالم جرائمهم في حق الوطن والشعب والثورة، تلك الأخيرة التي يحاولون وأدها وتشويهها في كل المحافل وبكافة السبل وأحسبهم لن يستطيعوا..

فعلى مستوى الحكم وإدارة الدولة، الآلة الحاكمة بكل وجوهها المتتابعة تستحق درجة " لم ينجح أحد " على الأقل في اختبارات مواجهة تحديات الفساد وفي التعامل الجاد مع الأزمات.. فمنذ البدايات الأولى، ونتيجة لسلمية ثورة يناير 2011 ونقائها التام من أي توجه سلطوي، تجد الحكومات المتعاقبة قد تمكنت وتبدلت وتلونت وساومت.. لكنها لم تحقق حتى الأن مجرد الاقتراب من تحقيق هدف الثورة الأساسي وهو " العدالة الاجتماعية ".. ولإثبات ذلك الواقع المؤسف، ربما لن نحتاج سوى لأن نستعرض آداء من تتابعوا على الحكم في موقع الرئاسة، وكذا حكوماتهم منذ تسلم المجلس العسكري مقاليد الحكم بعد سقوط الطاغية مبارك، مروراً بفترة الاختبار القاسية مع تجربة الإخوان المسلمين المريرة، ثم سقوطهم المتوقع، وتسلم رئيس المحكمة الدستورية العليا مقاليد الحكم وفقاً لنصوص الدستور، وحتى صعود الرئيس الحالي لمركز القيادة واقترابه من انهاء فترة رئاسية يحق وصفها بالعصيبة.. فالمحصلة النهائية رقمياً على أغلب الأصعدة تبوح بمؤشرات شديدة المرار والسلبية، وطالعنا جميعاً ما تيسر بها من قضايا فساد وزاري واستمرار للمحسوبية وتفشي الرشوة واستغلال النفوذ..

أما على مستوى السياسة الخارجية، فلا جدال أنه توجد محصلة ملموسة من العلاقات تمتاز بالتعددية، لكنها حالياً ومع الأسف إما هشة وفاترة ومرتبكة، أو أنها على أقل تقدير متوجسة وشديدة الحذر.. وهنا أعني العلاقات الاستراتيجية على المستوى الإفريقي الذي أحسبه الأهم ، وكذا على المستويين العربي والدولي أيضاً..

مع الأسف وبدون أي محاولات تجميل، مصر تخضع صاغرة لمجموع ضغوط سياسية رهيبة من جهات متعددة، فهي تتعرض للابتزاز السياسي والاقتصادي بصور فجة ومتكررة من القوى العظمى المهيمنة على المشهد السياسي الحالي في الشرق الأوسط روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والدول الكبرى بالاتحاد الأوروبي كل حسب متطلبات مصالحه الخاصة، وعلى جانب أخر تجدها أيضاً تنصاع مضطرة لسياسات شديدة الرعونة من جانب دول الجوار المانحة أو الشريكة، وربما لا تتفق تلك السياسات ووضع مصر ودورها الإقليمي المعروف تاريخياً، فبالتالي تفقدها استقلالية صناعة القرار وتستنزف رصيدها من الحضور على المستوى الدبلوماسي..

وعلى المستوى الاجتماعي، فإلى جانب الوضع المتردي داخلياً على إثر تباين الموقف الرسمي والشعبي من القضايا مثيرة للجدل كقضية "الجزر المصرية" تيران وصنافير، وقضايا الهجرات غير الشرعية، وقضايا تقنين أوضاع المصريين في الخارج، بالإضافة إلى عدم وضوح رؤية الحكومات المتتابعة تجاه مسألة الدعم ووصوله لمستحقيه، ناهيك عن تقليص مساحات الحريات التي تنص عليها مواد الدستور المعطلة، هناك صورة مشوشة رسمتها في الغالب أصابع مأجورة ومندسة على الإعلام الرسمي والخاص بشكل أقرب إلى السريالية المبهمة..

لا أدري لمصلحة من يكون الصمت أمام تلك التيارات التضليلية التي تخصصت في تشويه الأخر والنيل من معنوياته، أو على أقل تقدير إلصاق التهم الباطلة بسيرته أو مسيرته دون أي اسانيد منطقية طمعاً في استرضاء الحاكم بلا سبب مفهوم.. حتى أن بعضها تحول إلى صورة أشبه بالدب الذي قتل صاحبه، وأساء بغباء مُفرط لكل إنجازات تم تحقيقها على يد أي من مسؤولي الدولة مؤخراً.. ربما لو نظرنا الأن لمحاولة إعادة أباطرة الفساد للمشهد المصري إما بالاعتذار والتسلل الناعم إعلامياً، أو بالمصالحة المادية المشروطة، أو بعد قضاء عقوبات جنائية منقوصة، سنعرف حتماً لمصلحة من يعمل هؤلاء المرتزقة..! التلاعب بمشاعر رجل الشارع البسيط، الباحث فقط عن أقل وأدنى درجات الحياة الكريمة يُعد جريمة أخلاقية بكل المقاييس، لهذا لا يجب أن تمُر تلك الإساءات والإخفاقات دون محاسبة دقيقة..!

فهل يُعقل أن يظهر وزير التربية والتعليم لدولة بحجم مصر على شاشة قناة فضائية معروفة بتوجهها السلطوي، ويتحدث لقرابة الساعتين فقط عن أزمة مصروفات المدارس الدولية متجاهلاً الملايين من غير القادرين، ودون أن يذكر من قريب أو بعيد أي بادرة أو ملمح تطوير في المناهج التعليمية العقيمة التي لم تفرز على مدار عقود إلا عقول مشوهة وأجيال بائسة..؟ كيف يمكن احترام وزير تعليم لا يتحدث لغة عربية سليمة، ويقول أنه يعترف بوجود أخطاء في المنظومة التعليمية لكنه "عبد المأمور" جاء لينفذ القانون..؟ عن أي قانون يتحدث الرجل؟ وما جدوى وجود قوانين تفرز أخطاء يعترف بها رسمياً وعلى الشاشة من يحمل حقيبة أهم ملف في ملفات الأزمات المصرية المزمنة..؟

وفي سياق أخر كيف يخرج علينا وزير تموين مفصول من الخدمة لكونه مسؤول عن قضايا فساد مالي في دائرة اختصاصه ليتحدث عن شفافيته، وحرصه على مال عام تم إهداره بالملايين، فضلا عن فاتورة إقامته الشخصية في أحد الفنادق الشهيرة لمدة عام كامل والتي يقول إنه يسددها من ماله الخاص؟!

وعلى منابر إعلامية أخرى حدث ولا حرج.. تخرج من المشهد الإعلامي بقوة المال السياسي برامج هادفة تسعى لوضع حلول عملية للأزمات من خلال حوار مكتمل الصورة، وعلى درجة عالية من المهنية والشفافية، مع تصفية القائمين عليها بشكل مسئ وفج وغير مبرر، ويتم استبدالها ببرامج أخرى يتبناها مجموعة من الرعاة الرسميين من أباطرة التجارة والإعلان بغرض الدعاية الشخصية لمنتجاتهم تحت شعار رنان لا يخلو من النصب والخداع.. تخفيض مؤقت في أسعار بعض السلع مقابل دعاية مجانية بواسطة وجه إعلامي دائم الإثارة للجدل، يتحدث علناً على الشاشة عن سعر مخدر الحشيش دون أن تتم مسائلته قانوناً.

نحن نمر بمرحلة الافتقار إلى الشجاعة الحقيقية في مواجهة الواقع، ونحن لا نسمي الأشياء بمسمياتها الصحيحة، وهذا الأمر يفقدنا الفرص الحقيقية لإحراز أي تقدم.. الدولة تقع بالفعل بين مطرقة محترفي النصب وسندان هواة الإفساد.. وفي هذا لا أدري لماذا يعتمد كل صاعد لسدة الحكم منهج الإقصاء والتصفية لمعارضيه ظناً منه أنه بهذا يكون في مأمن من المخاطر..؟ أي مخاطر تكمن في التنبيه عند الخطأ، وأي مجازفة في الاستماع لصوت المعارضة المستنيرة..؟

القمع والتسلط والمنع والحظر والكبت والتضييق والاستبداد ليسوا من أدوات القوة في شيء.. لكن الصبر قوة، والرحمة مضاد القسوة في صناعة القرار قوة، والتواضع قوة، والعفة قوة، والحياء قوة، والتبصر قوة، والصفح قوة لأنه عنوان القدرة الدائمة التي لا تمسها إساءات الغير وعدوانهم، والتي إذا أبقت على خصمها اليوم، فهذا للاستفادة مما لديه من قدرات، والأهم لأنها قادرة على الاقتصاص منه في أي وقت تشاء..!

المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي مصراوي.

إعلان