إعلان

"تكليف من الله".. طقوس الصائمين في رحاب الحسين

07:22 م الجمعة 23 يونيو 2017

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- فايزة أحمد:

 

لا هم على علم بمأساة الحلاج مع العباسيين، ولا يدركون إرث ابن الفارض في العشق الإلهي، لكنهم على يقين أن ما يقومون به يندرج تحت مُسمى "التصوف" ذلك الذي يجبرهم على زهد ما في الدنيا من ملذاتٍ وصراعاتٍ، متخذين جوار الأولياء الصالحين كملاذٍ أمنٍ لهم، لاسيما خلال الشهر الكريم، معتبرين أن الأمر "تكليف من الله".

وسط ساحة "مسجد الحسين" يقبعون على مقربة من بعضهم البعض، يتسامرون، يسبّحون، يتأملون في أشياء لا علم للعامة بها، ما يجعلهم لا يشعرون بالمارة الذين يمنحونهم طعامًا وشرابًا لإفطارهم.

الصوفي المشاغب

"جوار أهل البيت يساع من الحبايب ألف".. كلمات قالها "مصطفى معاوية" ذو اللحية التي صبغها الشيب باللون الأبيض، والبالغ من العمر (60عامًا).

من محافظة قنا في صعيد مصر يأتي معاوية للحسين هاربًا من الأعباء الدنيوية، وفاءً وتنفيذًا لأوامر الله التي تقتضي بحسب رؤيته أن يكون بجوار الصالحين في الشهر الكريم "إحنا هنا بتكليف من ربنا".

منذ وقفة رمضان اتخذ معاوية ساحة المسجد كنفًا له، ليمارس طقوسه اليومية التي تبدأ قُبيل أذان الفجر وحتى الانتهاء من صلاة التراويح "بقوم بعد صلاة الفجر أفوت على كل البياعين حبايبي اللي هنا في المنطقة أتكلم معاهم عن حياتهم وأشغالهم".

على هذا النهج سار "معاوية" منذ 20 عامًا "كنت مشاغب في حياتي وفجأة حسيت أني مش راضي عن نفسي.. روحت أزور الأوليا لقيت نفسي هناك"، إلاّ أنه رفض أن يدله أحدًا على تفاصيل الطريق لأن "الوصول لربنا مش عاوز وسيط".

حينما دخل "معاوية" هذا العالم بدت ملامحه في البداية غريبة بعض الشيء لأهله وأسرته، لكنها لم تغيرهم تجاهه. خلال الرحلة إلى "الصوفية"، اتخذ اثنين من سابقيه كرفقاء لطريقٍ "اتعرفت على عبد الله نوح وإبراهيم سالم، ومن يومها وإحنا مع بعض لحد النهارده".

صوفية بالوراثة

بجانب الرجل الستيني يفترش "عبد الله نوح" الذي يبلغ من العمر 62 عامًا الأرض بمجموعة من الأذكار والسبح زهيدة الثمن "الحاجات دي بصرف على نفسي من اللي بيطلع منها".

بالرغم من أن عائد هذه البضاعة شحيح للغاية؛ إلاّ أنه يكفي "نوح" الذي ترك حياة مليئة بالأبناء والأحفاد وراء ظهره، باحثًا عن الله في روحه.

لم يُكمل "نوح" تعليمه الأزهري الذي جُبل عليه آنذاك، بأوامر من والده الذي كان يعتنق الصوفية بالوراثة "أبويا قالي أدخل الأزهر وأتعلم وعلمني كتاب الله صح"، لكن القدر لم يُمهله الكثير لتلقي ما يكفي من علم الأزهر؛ إذ ببلوغه سن الـ(13عامًا) توقف قابلًا بوظيفة من وزارة الأوقاف، التي جعلته مسئولًا عن مسجد "العارف بالله" بحي "الجمالية" حيث مسقط رأسه.

خلال مرحلة جديدة من حياة "نوح" لقنه والده الذي بلغ من الكبر ما يكفي درسًا لا ينساه حتى اليوم "إمام المسجد ماكنش بيجي وكان بيخليني أمضي اسمه وخلاص" لم ترتاح نفسه لمثل هذا الأمر فعرضه على والده الذي كان ردة فعله غير مألوفة "انفعل وقالي وديتك الأزهر تتعلم وبعدين تخالف دينك؟.. أومال تعليم إيه اللي أنت اتعلمته".

جنح "نوح" لرأي والده الذي كان "مش عاوزين الشغلانة دي.. حد الله بينا وبين الحرام"، ليبدأ حياةً جديدةً بعيدة عن معاصي العباد وبجوار والده، متعهدًا بعدم مفرقاته مادام متواجدًا في الدنيا "من يومها وأنا بروح مع أبويا موالد الأوليا وحلقات الذكر".

المُعلم الزاهد

ينهر صديقهما الثالث "إبراهيم سالم" أحد الصغار الذي يرفقه في رحلاته هذه؛ نظرًا لاندفاعه مسرعًا نحو المارة الذين يقومون بتوزيع العصائر والأطعمة عليهم "أنت هتعمل زي المتسولين ولا إيه".

من طنطا بلد "السيد البدوي"، جاء "سالم" البالغ من العمر 57 عامًا برفقة حفيده "علي" الذي لم يكمل العاشرة من عمره، إلى المكان ذاته منذ مطلع الشهر الكريم، تلك العادة التي ألفها منذ ثلاثين عامًا.

يرفض "سالم" أن يتلقى ما يُوزع على المتواجدين في رحاب الحسين من طعام أو شراب "أنا جاي هنا أخد ثواب من ربنا مش جاي اشحت ولا أتسول"، ذلك الدرس الذي يحاول جاهدًا أن يوصله لحفيده الذي صمم على مرافقته هذا العام "مسك فيا السنة دي وقعد يعيط ويقولي معاك يا سِيد مرضتش أزعله وجبته معايا".

ويحاول "سالم" أن يكون مُعلمًا ويشرح لحفيده ببساطة قائلًا: "أن ترتكب معاصي أو تعمل خيرًا مش هينفع ولا هيضر حد.. غيرك أنت".

فيديو قد يعجبك: