إعلان

أكاديمية التحرير.. لماذا توقف مشروع تعليمي "من ريحة الثورة"؟

11:58 م الثلاثاء 24 يناير 2017

أكاديمية التحرير

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- إشراق أحمد ورنا الجميعي:

"أكاديمية التحرير ثورتنا على المعرفة التقليدية".. كان ذلك الهدف الذي دُشّن لأجله المشروع التعليمي لتحرير مفهوم المعرفة كما أعلنوا. في فبراير 2012 حلم عدد من الشباب على رأسهم الناشط السياسي، وائل غنيم، بإقامة مشروع تعليمي غير هادف للربح، وهو ما أعلن عنه الناشط عبر صفحته قبل بدايته بنحو شهر، فعلى غرار "أكاديمية خان التعليمية" لصاحبها الهندي، سلمان خان، قامت الأكاديمية بعمل فيديوهات تعليمية في مختلف العلوم الأساسية.

خلال أربعة أعوام تمكنّت الأكاديمية من تأسيس مكتبة معرفية على الانترنت، تابعها أكثر من نصف مليون على صفحتها بموقع الفيسبوك، وأكثر من 9 مليون مُشاهدة على اليوتيوب، ورفعت شعار "عشان تبقى فاهم مش حافظ"، إلا أنها تعثرت في الطريق أثناء عام 2015، وتوقف نشاطها بسبب نقص التمويل كما أعلنوا، حينها أوضحت الأكاديمية أن القانون المصري يحظر على الجمعيات الأهلية -وقد أنشأتها مؤسسة نبضات الخيرية- أن تقوم بأي نشاط ربحي، ولو بغرض تغطية نفقاتها.


شمل المحتوى التعليمي للأكاديمية ما يدرسه طلاب الشهادة الإعدادية وحتى الثانوية العامة،تزخر مكتبتهم بفيديوهات مُبسّطة لمجالات عديدة من بينها الرياضيات والتكنولوجيا والنحو. اعتمدت الأكاديمية على عدد كبير من المتطوعين، حيث كانت تُشجع دومًا أي شخص يُحب المشاركة في تقديم المحتوى، وكانت مهمتهم "تبسيط العلوم سواء مناهج المدارس أو بشكل عام وربطها بحياتنا" كما قال أحمد بديوي، أحد المتطوعين بالأكاديمية لمصراوي.

التحق بديوي بالأكاديمية في أكتوبر 2013  "كانت بدأت موجة انحسار الثورة، وعانى شباب كتير من الإحباط"، حسبما قال، لكن المشروع دبّ في نفسه الأمل "حسيت أننا نقدر نعمل حاجة ونفرق مع الناس".

حازت الأكاديمية على عدد من الجوائز من بينها أفضل مؤسسة ذات أثر مجتمعي لعام 2015، من مسابقة معهد(ماساتشوستس) MIT للشركات الناشئة بالعالم العربي، وأفضل منصة تعليمية في الدول النامية لعام 2014، من جامعة بنسلفانيا.

من بين المتطوعين كانت إيناس عصام، فخلال تصفحها لصفحة غنيم، وجدته يتحدث عن مشروع تعليمي اسمه "أكاديمية التحرير"، أعجبت بالفكرة، وشاركت معهم في صناعة المحتوى ببادئ الأمر.

اهتمت إيناس كثيرًا بتقديم محتوى الأكاديمية إلى من لا يمتلكون الإنترنت، أخذت خُطوة في هذا الطريق، بنفس الوقت آمن محمد ناصر بفكرة عرض المحتوى التعليمي على الأرض، وحالما أطلقت الأكاديمية في 2014 مبادرة "انزل علّم"، تمكّن الاثنين من الاشتراك بها، من خلال هذا البرنامج شارك ناصر في تعليم الصغار بإحدى الجمعيات الأهلية، كما فعلت ايناس.

كانت الثورة مِفتاح التغيير بالنسبة لإيناس "بعد يناير الواحد حسّ بالذنب إنه عايش"، تخرّجت الشابة من ذات الكلية التي درس بها "علاء عبد الهادي"، الذي قُتل أثناء اعتصام مجلس الوزراء بديسمبر 2011، في تلك الأجواء بحثت إيناس عمّا يُمكنه فعله، وجدت أن التعليم هو المجال الذي يُمكّنها من التغيير في البلاد "في المدارس تلاميذ بياخدوا دروس وبيتعلموا لحد اعدادي وثانوي ومبيعرفوش يقروا ولا يكتبوا".


أما داليا يونس، مسؤولة فريق المحتوى الإبداعي بالأكاديمية، فبعد شهور من المشاركة فقط، قررت ترك عملها في إحدى شركات الدعاية الطبية "الانترناشونال"، والعمل في المنصة التعليمية خلال عام 2013، وصفها البعض حينها بالجنون، لكن "الجو والروح المتماشية مع ثورة يناير" اتفق مع هدفها الذي اتخذته بعمل محتوى قيم، أكثر من فكرة البيع القائمة عليها مجال الإعلانات، لذا أحبّت داليا العمل معهم.

تجيد داليا مجال إنتاج المحتوى الإبداعي، وجدت في الأكاديمية نظامًا لا يقل عن الشركات الاحترافية، ووجود شباب أخرين مختلفي الثقافات جعلها بيئة صحية للعمل "كان في تارجت ونظام تقييم للناس، أحسن نظام اشتغلت فيه". لم يكن المشتغلون يعتبرون المكان مصدر رزق "كنا حابين الشغل لدرجة أننا كنا بنتكلم قدام كل الناس عن الأكاديمية".

اعتمد تمويل الأكاديمية على عائد وديعة وائل غنيم- حيث شغل منصب رئيس مجلس ادارة مؤسسة نبضات- فضلا عن التبرعات حسبما قال بديوي، مشيرًا إلى أنه رغم وجود الكثير من المتطوعين، لكن الأموال كانت مطلوبة لمقتضيات الإنفاق على الإمكانيات المادية، لخروج المحتوى من تصوير ورواتب المشتغلين، وكذلك مصاريف مقر الأكاديمية نفسه كما أوضح الشاب.

مرّت شهور قليلة ثم توقفت مبادرة "أنزل علّم"، لا تدري ايناس السبب في ذلك، لكنها حوّلت وجهتها إلى إحدى المؤسسات التنموية، وتعمل خريجة طب عين شمس بها حتى الآن، تضع نُصب أعينها فائدة التعليم، وتقوم على تعليم أطفال بأواخر المرحلة الابتدائية حتى الإعدادية، وتتشارك معهم محتوى أكاديمية التحرير.

في أغسطس 2015 فوجئ الجميع بتوقف الأكاديمية، وقبلهم بشهر صُدم فريق العمل بهذا الخبر أيضًا، قيل لهالة وداليا وبديوي وبقية الفريق المُعاون أنهم حاولوا بكل السبل ألا تنتهي الأكاديمية، يذكر بديوي أنهم قاموا بحملة للتبرعات لكنها لم تكن كافية للاستمرار.

أما ناصر ففوجئ مثله مثل كثير من المتطوعين بتوقف نشاط الأكاديمية، قال إنه كان حريص على الاستمرار فيما يُقدمه، وإلى الآن ينشر المحتوى التعليمي للأكاديمية بجانب محتويات أخرى لتبسيط العلوم للأطفال في سن من 13 إلى 18، عبر مبادرة أخرى أسسها.


 دعّم أكاديمية التحرير بجانب المتطوعين والمشتغلين، بعض العلماء المعروفين أمثال دكتور فاروق الباز –الذي كان عضو المجلس الاستشاري، وعصام حجي الذي التقى بمجموعة من المشاركين بالأكاديمية عام 2014، في جامعة ماساتشوستس الأمريكية (MIT). كان حجي حينها يتولى منصب المستشار العلمي لرئيس الجمهورية، وقال عالم الفضاء بوكالة ناسا لـ"مصراوي" إنه قام بتصوير كلمة داعمة للمشروع، فضلاً عن الحديث معهم بهذا الشأن، وحاول مصراوي التواصل مع مسئولي الأكاديمية إلا أنهم فضّلوا الصمت.


  المحتوى التعليمي للأكاديمية كان يمر بفرق عديدة حتى الوصول إلى نشره عبر يوتيوب كما أوضح بديوي، يستغرق الأمر ما بين أيام إلى أسبوع لإنتاج إحدى المقاطع المصورة، بعضها يتم تنفيذه داخل استوديو مخصص لأكاديمية وأخرى خارجه، شارك الطبيب البشري مع الأكاديمية في التعليق الصوتي وتقديم الفيديوهات، كذلك كتابة "سكريبت" الحلقات "أفضل شيء عملته الأكاديمية أنها ولدت عند الطلاب قناعة أنهم يقدروا يحصلوا العلم من بره كتاب ومناهج الوزارة وربطتهم بسبل البحث والتعليم" حسبما قال بديوي.

من بين المتطوعين أيضًا كانت هالة حمودة، حيث اعتبرت أن مجال التعليم قضية مهمة، سمعت عن الأكاديمية واشتركت بصفحتهم "كنت مبهورة بالفكر اللي بينشروه إن الفهم أهم من الحفظ حبيت أوي فيديو ليهم عن ليه السما زارقة، عمرنا ما فكرنا فيها"، قالت هالة.

خلال الشهور الأولى لعام 2015 تطوّعت هالة بالأكاديمية "كنت بشتغل على تقديم المحتوى"، لكن بعد شهر وُظفت بالمشروع التعليمي، وانضمت إلى فريق التسويق. اعتبرت مهمتها هي تقديم مُنتج الأكاديمية بالجامعات، من بين ما شاركت فيه هالة إحدى الفعاليات بجامعة المنصورة، ومن خلاله دعت إلى التصويت للأكاديمية، بإحدى المسابقات التي تعتني بالجمعيات التنموية "كان هدفنا نوفر تعليم 12 ألف طفل".

لم تكن الأكاديمية تقدم مجرد معلومة "طورنا المسألة وبقى في إمكانية طرح الأسئلة وكنا بنجاوب عليها بفيديوهات"، أضاف بديوي، لمس الشاب في ردود الفعل على صفحة الأكاديمية طيلة عامين باهتمام بالغ، وصل إلى مقابلته لبعض طلاب تخلوا عن المدرسة واعتمد على التعليم المنزلي.

 يرجع حجي، انتهاء المشروع إلى أنه لم يجد الدعم من الدولة، ولا الشخصيات العامة التي كان بإمكانها مساندته ماديًا قائلاً "لم تجد الأكاديمية حفنة دولارات للحفاظ على الخدمات التعليمية التي كانت تقدمها للآلاف"، ويُضيف بديوي "مؤسسات الدولة حاربتنا"، مشيراً إلى قانون الجمعيات حينها.

بالنسبة لهالة فإن الأكاديمية خلال سنوات عملها وفّرت مفهوما مُغايرًا للتعليم، "من أكتر التعليقات اللي انبسطت بيها، اشتركت في عمل فيديو عن الجينات وحد علق إن دي أول مرة في حياته أفهم الجينات مش أحفظها"، تأثّرت كثيرًا هالة بالتعليق المذكور "عجبني لأن طول حياتي باخد حاجات في الدراسة من غير ما أفهمها". كما لا يرى ناصر أن هناك نموذج شبيه بما قدمته أكاديمية التحرير "على مستوى الكم والجودة".



كانت الأكاديمية بمثابة "نقطة نور" لبديوي، لذا أصابه الإحباط حينما توقفت، يقول "كنا بنحب اللي بنعمله وكان عندنا كتير نحب ننفع بيه"، واصل الشاب حياته بعد المشروع، غير أن غصة ظلت في نفسه "الأكاديمية كانت حصان أسود رابح". 

يرى حجي أن أكاديمية التحرير كان يهدف إلى نشر قيم الثورة الحقيقية وهى العلم والأخلاق، فيما اعتبر توقف المشروع بعد عامين نموذج لحالة موت كل المشاريع التعليمية في مصر، موضحًا أن الحلم في 25 يناير أن تكون مصر دولة "بشعب متعلم".

رغم توقف الأكاديمية، ومُغادرة إيناس لها قبل إعلانها، إلا أنها مازالت تُعلم الأطفال لمحتوى المشروع، تواصل عملها بالمؤسسة التنموية لعامها الرابع، وتُشاهد التغيير الحاصل على الصغار من منطقة منشية ناصر خلال تلك السنين "الولاد كانوا مبيعرفوش يقروا ويكتبوا، دلوقت بيتعلموا برمجة وبيدخلوا مسابقات".

أما بديوي فقد استقر بشكل نهائي على السفر خارج مصر، يسعى لذلك بكل قوة، لم يكن نهاية المشروع التعليمي السبب الوحيد لكنه دافع قوي، إذ حاول الشاب كما كثير من المتطوعين إيجاد مكان بديل يشعر فيه بإفادة الناس، لكن "المصاعب والروتين والتعنت هو هو في كل مكان". و كلما يأخذ داليا الحنين تتبادل ذكرى الأيام مع أصدقائها من الأكاديمية، تُعزي الحال ببقاء المحتوى على الإنترنت حتى الآن، لم تقدر داليا على العمل بأي شركة بعد الأكاديمية، واكتفت بالعمل الحر "بقيت زي واحدة كانت مخطوبة لواحد حلو أوي وكل ما يجيلها غيره تقارنه بيه".

تابع باقي موضوعات الملف 

''توفير الطاقة''.. قصة مشروع نفذته ألمانيا وأهدرته مصر بالروتين

2017_1_24_15_38_23_856

بعد 6 أعوام من الثورة.. تفاصيل إجهاض أول مشروع لـ''الصحة النفسية'' للشرطة

2017_1_24_20_50_26_165

''الفن ميدان''.. لماذا لم يعد ''الشارع لنا''؟

2017_1_24_13_49_54_439

دكتور أميرة.. منحتها الدولة جائزتها ''التشجيعية'' وتركت أبحاثها ''محلك سِر''

2017_1_24_21_39_10_730

مصور مقتل ''شيماء الصباغ''.. مشوار أوله ''ثورة'' وأخره ''هزيمة''

2017_1_24_19_1_55_475

تطوير العشوائيات.. مشروع على جناح الثورة هدمته الحكومة

2017_1_24_22_40_58_589

فيديو قد يعجبك: