إعلان

المجلس الدولي العربي لحقوق الإنسان: التطرف والجنون مصير السجناء بعد خروجهم (حوار)

06:25 م الثلاثاء 26 يوليه 2016

عمرو عبد المنعم، المتحدث الرسمي باسم المجلس الدولي

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

رنا الجميعي: حوار:

على مسافة من الحكايات الذاتية، يقف عمرو عبد المنعم، المسئول الإعلامي للمجلس الدولي العربي لحقوق الإنسان، يتعرّض لقصص المعتقلين، يسمع منهم وعنهم، يختبر تحوّلات سجناء من انغلاق المساحات لانغلاق العقول، عطب يُصيب نفوس بعضهم، فيما يرتقي البعض الآخر، في حوار مصراوي معه، نُحاول معرفة معاناة المعتقل داخل السجن، وعن التحولات النفسية له، وكيف يتعامل بعد الخروج من السجن، وبحكم التجارب التي رآها مسئول لجنة التوثيق بمؤسسة الدفاع عن المظلومين، فإن الحديث تحديدًا هنا عن المعتقلين الإسلاميين بعهد مبارك.

- أولًا.. ما الذي يتكبده المعتقل منذ اتهامه وحتى سجنه؟ 

أثناء الاعتقال تتكبد الأسرة معاناة شديدة، أولًا في محاولات هروب المتهم، يتحملوا جُرم رغم أنه مازال تحت التحقيق أصلا، مثل ما حدث مع دكتور إبراهيم سماحة، فبمجرد تناول الإعلام لاسمه، عانت الأسرة. مسألة المصاريف أيضًا من الأمور الشديدة، وبعد ذلك حين يُعرف الشخص كسجين، أيًا كانت القضية المتهم فيها، ونظرات المجتمع للعائلة خاصة في منطقة سكنه.

- هل ما يسري على ظروف المعتقلين بعهد مبارك، يسري الآن؟ 

في عهد مبارك كان السجن مفتوح، وهو ما لا أستطيع وصفه على حكم السيسي بعد، لم يمر سوى عامين على رئاسته، كما أنه أفرج عن عدد من الناس حتى الآن، أما مبارك فلأعوام طويلة ظلّ المعتقلين داخل السجن، ككتل زمنية، وصلت حالات الاعتقال إلى 18 عام، وقبع البعض لأكثر من ثلاثين سنة.

- من هم أقدم السجناء، وما هي التُهم الموجهة إليهم حينها؟ 

يُعد نبيل المغربي أقدم سجين سياسي حيث مكث بالسجن 33 عاما، ويليه محمد الأسواني، كانت الديباجة المعروفة وقتها للاتهام هي "الانتماء لجماعة محظورة، ممارسة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، الحض على كراهية الدولة".

- تتعرّض للمعتقلين بحكم منصبك، هل ترى وصم بعضهم بالإرهاب مجحف؟ 

أقف على مقربة من تلك الحالات، يوميًا تُعرض عليّ، وأشارك في إنقاذ بعضهم، بتأهيل مُجتمعي، وهو ما أدعو إليه في علاج قضايا الإرهاب والعنف، خاصة أن مصطلح الإرهاب مطاطي، يحمل جمود شديد، فكل فرد يتعامل معه حسب هواه، مثلًا ميليشيات الحشد الشعبي بإيران غير مدرجة على قوائم الإرهاب، في حين ما يحدث بمصر هو إلصاق تهمة الإرهاب لبعض الجماعات الإسلامية بها بعض النتوءات التي تحمل أفكار إرهابية، فلا يُمكن وصف جماعات الإخوان كلها أنها إرهابية. وهناك من لم يكن العنف مُطلق لديهم، ففي أحداث عين شمس، عام 1988، تورط عناصر كثيرة من الجماعة الإسلامية في أحداث عُنف، كرد فعل، على تعامل جهاز أمن الدولة مع السيدات بطريقة شديدة "ودي مسألة حساسة عند الإسلاميين، يروح ضارب الراجل ويسحب الست بملابس البيت".

- ليس تبريرًا لمن تورطوا في أحداث إرهابية، لكن هل تحوّل البعض للإرهاب بسبب دخولهم السجن.. اذكر لنا بعضهم؟ 

نعم، الكثير تحولوا بسبب السجن، منهم من انضم للقاعدة وداعش بعد الخروج، أحمد راشد محمد راشد اعتقل على خلفية اغتيال السادات، عام 1981، دخل مظلومًا، لكنه رحل لأفغانستان في 88 وانضم للقاعدة لفترة كبيرة، ثم أصبح من التائبين، وقبض عليه في الإمارات بعدها. هناك أيضًا مطراوي فاروق، اعتقل لـ17 سنة، وهو متدين عادي، لا يُمكن القول إنه كان منخرطا في التنظيمات الإرهابية، بقدر ما كان له نشاط "إسلامي اجتماعي" في عين شمس، خرج وانضم لداعش ثم قُتل.

- هل هناك حالات أخرى؟ 

من القصص المأساوية أيضًا، رسام كاريكاتير جريدة الفتح، هو فنان مرهف الحس، وكان الرسام الرئيسي بمجلة نونة، لصاحبتها الفنانة حنان ترك، وهي السبب الرئيسي في اكتشاف موهبته، ولا أحد يستطيع المزايدة ويقول إن حنان ترك إرهابية مثلا. ذات يوم في 2009 خرج من مجلة نونة، احتك بأحد الضباط في الشارع، ونتجت عنها مشاجرة، تطورت حتى تم اعتقاله "خده على القسم وقاله إنه من أمن الدولة"، ظلّ بالسجن لسبع سنوات، خرج بعد الثورة وانضم لداعش أيضًا ثُم قتل هناك. قد تكون ثمة مؤثرات نفسية أخرى دفعته للانضمام، لكن عامل السجن مهم. من خلال السجن يتم تحطيم أشخاص ويصبح حاضنة إرهابية لا يتم السيطرة عليها بعد ذلك. ربما كان الوضع أفضل لو حُكم عليه بعقوبة مدنية بدلًا من تحويله لمجرم، ويحول المحيطين به إلى حاضنة إرهابية لا يتم السيطرة عليها بعد ذلك.

- صف لنا ما يتعرض له المعتقل داخل السجن؟

تصبح الأشياء المادية رفاهية يحلم بها؛ كالتليفون المحمول، واستعمال الأكواب الزجاجية، كما أنه يتعرض لعوامل نفسية ضاغطة؛ كإغلاق الزنازين، ومعاناة المتزوج في مقابلة زوجته وأولاده، كذلك الخلوة الشرعية في سجون الاسلاميين، والتي مُنعت في عهد مبارك لعشرة أعوام "وهذه تؤدي لمشاكل اجتماعية كبيرة، قد تحوله لشخص مجرم".

- كيف يتمكن المعتقل من الحياة داخل السجن مع تلك الأزمات؟ 

يُحاول التكيف مع البيئة المحيطة به، مثلًا يُخفي التليفون المحمول داخل جدار، يضع عليه بعض الإسمنت، ثم صابون معجون كلون الحائط بالضبط، فلا يتم تمييزه عنه، هو نفس الحال مع الأكواب الزجاجية، كما يُخفي أصحاب الأيدولوجيات كُتبهم.

- الهروب، أحد الحلول التي يُمكن أن يلجأ لها السجين نتيجة الضغط.. احك لنا عن أحد تلك النماذج؟ 

هناك قصة هروب شهيرة في عهد مبارك، كانت لمعتقل في عام 1993، أحد أفراد الجماعة الإسلامية، بعد شكاء زوجته المستمر له بسبب احتياجها للمال، ومعاناتها في تربية الأبناء وحدها، ما جعلها تقيم مع والدتها، فاتفقا على قرار هروبه من السجن، وأثناء الخلوة الشرعية-وهي الوسيلة التي يلتقي فيها الزوج بزوجته، ارتدى نقاب أعدته امرأته، وانطلقا خارج السجن، دون أن يشعر بهما أحد، غير أنه على رصيف مترو المعادي، استغرب أحد المارة من ارتداء إحدى السيدتين، حذاء رجالي، فردّت الزوجة "دي خرسا"، غير أنه ذهب للأمن بسبب شكوكه، قفز المعتقل إلى الرصيف المقابل، لكن الأهالي استطاعوا اللحاق به، عوقب المعتقل بتهمة "مقاومة السلطات" لا الهروب من السجن، فاعتقاله غير قانوني بالأساس، بسبب تلك القصة أغلق سجن استقبال طرة وحوكم مأمور السجن محاكمة عسكرية.

- ما هي التحولات النفسية الأخرى التي يُمكن أن تصيب المعتقل؟

الإصابة بالأمراض النفسية بسبب غلق المكان، والضغوط النفسية منها الأهل، يمكن أن يُصاب السجين بالبارانويا (جنون الاضطهاد، أو يتعرض للانهيار، وهناك بشر أصابهم الجنون، إذ رصدت 350 حالة بعهد مبارك.

- هل تعرّضت لحالات منهم؟

خَبَرْت حالة معتقل سُجن بين عامي 1993 إلى 2011، بعد خروجه عاد للسكن مع أمه وأبيه، في منزله به غرفة واحدة، تحول بسبب السجن لشخص حاد الطباع، لا يستطيع احتمال الآخرين، ذات مرة اعتدى عليه العساكر هو ورفاقه بالزنزانة، بعدها قال له أحد زملائه "انت سبب ضربنا، انت اللي شتمت الشاويش"، لم يتحمّل، وحرق ملابسهم الموجودة بساحة التريض، عندما خرج من السجن، رجع للعيش مع والديه، وبسبب تحوله لم يستطيعوا البقاء معه، فتركوا المنزل، وعاش هو على الهبات الخيرية، بعدما كان يشتغل مع زوج أخته في ورشة خشب.

شخص آخر أصيب بالجنون في سجن وادي النطرون، قبع بالحبس الانفرادي، لم يعد يستطيع السيطرة على نفسه، يتبول ويتبرز على نفسه، حينما خرج رفضت أخته تحمل مسئوليته، ووضع بمستشفى الأمراض النفسية، دخل السجن كشخص سوي وخرج هكذا. 

وصل الأمر بالبعض ممن لم يستطع الـتأقلم خارج السجن، فقام بعملية وهمية أمام المعبد اليهودي، لكي يعود إلي السجن مرة أخرى، ففي السجن جراية ( خبز 5 ارغفة ) ولحم كل أسبوع ومكان يستطيع النوم فيه.

-إذًا ما الذي يحمي الشخص داخل السجن. كيف يتقي شرّ التحول للأسوأ؟

-إذا كان المعتقل لديه أيدولوجية صحيحة، فهي تحميه بالداخل، والكثير استطاع الاحتفاظ بأفكار رغم عدم وجود كتب وجرائد، من خلال ثلاثة طرق: حفظ القرآن الكريم، كل زنزانة من عشرين فرد، يمتلكوا مصحف واحد، تتوزع أوراقه عليهم، كذلك حفظ المتون، مثل متن العقيدة الطحاوية، متن أبي شجاع، وألفية ابن مالك، يحفظوها ويكتبوها بسن صغير رصاص على جدار السجن، يباع ذلك السّن ب 50 جنيه يضعوه بأنبوبة بلاستيك "فرشاة معجون مثلا"، ثُم تكتب بطريقة ملتوية على الحائط. السجن ما هو إلا غُرفة، لما يرفع عنها الضغط النفسي، حينها يستطيع السجين التكيّف، فالسجن مثله مثل الخارج به عوالم مختلفة، ومن تعرّض لفترات سجن طويلة، يخرج إما محطم جدًا، لا يستطيع التعامل مع الواقع، أو ناضج، وهناك من تمكّن من الدراسة والحصول على الماجستير والدكتوراه بالداخل.

- هُناك مكاسب لتكيف السجين، مثلما قلت، فهل هناك هوايات يمكن تنميتها بالداخل؟

السجين لديه كل الوقت بالداخل، يُمكن أن يتعلم أي هواية أو مهنة، هناك من يتعلم السباكة، صنع المشغولات، المحارة. أحد الأشخاص تعلّم التجارة من زميله بالسجن، اشتغل بالتجارة بعد خروجه، وآخر فتح محل ترزي، بعدما تعلم الحياكة داخل السجن.

- وكيف يتعامل المعتقل بعد خروجه من السجن؟

سجين الرأي لديه قدرة مهولة على التكيف، لكن لا يتوفر لهم فرص عمل بعد الخروج، فالبعض منهم لا يجد سوى حلين؛ إما الانتماء إلى الحاضنة الإرهابية، أو العمل بمشروعات سرية كالتهريب غير المشروع. أما إذا تم تأهيل هؤلاء اجتماعيًا داخل السجن، فسيخرجون أفضل مما كانوا عليه، فالفرق بينهم وبين الشخص العادي أنهم أصحاب تجارب، فصاحب التجربة أكثر حركية في قدراته، لأن هذه القدرات تم تعطيلها لفترات طويلة ، فيحاول تعويضها، كذلك فهو حساس في التعامل مع الواقع، وحريص في تعامله مع الناس، الذين يُمكن أن يعايروه بقولهم "انت مسجون قبل كدا"، رغم أنهم سجناء رأي، وهم يختلفون عن السجين الجنائي.

- الحرية التي حُرم منها في المعتقل.. كيف يراها بعد الخروج؟ 

الحرية هي أهم شيء بالنسبة للسجين، لها معايير تختلف عن الشخص العادي، حرية الجسد، حرية الفكر وحرية اتخاذ القرار، التعامل مع قرارات بسيطة مثل "أنا هنزل أتمشى دلوقت"، رغم بساطته، لكنه أمر ينتفي لدى السجين المحكوم بمواعيد محددة "لأنه خلاص مبقاش فيه زنزانة بتتقفل عليه لحد الصبح".

بالنسبة للتعامل مع الجنس الآخر.. هل تختلف معاملته قبل وبعد تجربة الاعتقال؟-

لمست في الكثير عدم تمكنهم من التعامل مع النساء، حتى مع زوجته، يُمكن ألا يرى البعض زوجاتهم لعشر سنوات لمنع الزيارة، وحينما يراها يجد عوامل الزمن قد غيّرتها، فلم يتمكن من التعامل معها، لذلك زادت حالات الطلاق بعد السجن، أحيانًا رغبة الزوجة نفسها، ترى أنها تحمّلت الكثير وصبرت، "وبمجرد أنها وصلته لبر الأمان، قالت أنا عاوزة أشوف نفسي"، أو يُمكن أنها تراه صار شخص آخر لا تعرفه، وأوقات أخرى تكون رغبة الزوج، أحد الحالات التي قابلتها رفض الزوج رؤيتها لأهلها، وتحكمت أمه في حياتهم، فطلّقها وتزوج بأخرى بعدها.

- وماذا عن المتزوّج.. كيف يتعامل مع أبنائه؟

التعامل مع الأولاد صعب مثل الزوجة، خاصة وأن الأولاد يشعرون أنه لم يكن موجودا في حياتهم "انت مربتناش"، وحين تفشل العلاقة بينهم، يقرر البعض الزواج بأخرى والابتعاد. تفشل أيضًا بسبب تشدد الأب الديني، ما ينفر منه الأبناء، إصداره أوامر مثل "لا تشاهدون التلفاز، القيام لصلاة الفجر فلا يوجد سهر، الصيام اثنين وخميس، وارتداء النقاب للبنات"، وهي في الأساس أمور قلبية، تنبع من داخل الشخص، ليس بالقهر والدفع الذاتي.

- ما أخطر ما يواجه السجناء الآن؟

من خلال تتبعي لهم أستطيع القول أنه الانقسام الشديد في الأفكار ، فهناك انتقال كبير من عند الإخوان المسلمين في الصف القاعدي للتنظيم لما يسمي بالدولة الإسلامية "داعش"، الخطورة انهم كفروا بالديمقراطية وكفروا بالسلمية، قالوا في أعماقهم "ضربوا الأعور على عينه قال خسرانة خسرانة".

الانتقال السلس من فكر الإخوان -وهذا لا يعفي الإخوان من الدفع في هذا الاتجاه- إلي الإرهاب، بات واضحًا جدًا في الداخل ، ولا يشعر بهذا المجتمع الآن، بل ولا تشعر به أجهزة الأمن لأنها "مستريحة" لذلك، ويصب في مصلحتها بأن جميع من اعتقلتهم كانوا خطر علي الأمن العام، وهذا محل نظر كبير، من الأمثلة على ذلك فيلم "جعلوني مجرما".

تابع باقي موضوعات الملف:

1-      بعد الإفراج.. محمود يحيى: بقيت أعرف أبص للسما.. والسجن غير اللي بيجي ف التليفزيون

undefined

2-      "صلاح" و"عبد الخالق".. توأم حمل السجن إلى الحياة

undefined

3-      ستة أشهر داخل "مركز الكفار".. ما فعله السجن بـ"طه"

undefined

4-      ياسين "سجين سياسي": اللي عاش عمره "سجن وضرب" صعب يتعود على الحياة الطبيعية

undefined

5-      "العرابي" بعد السجن.. مايزال حبيس عنبر "ج" في طرة

undefined

6-      أحمد الدريني يكتب- الشيخ أحمد.. زنزانة العريس الراديكالي

 

undefined

7-      مساجين برة الزنزانة.. الحياة "عنبر" كبير (ملف خاص)

KgJIcwI

فيديو قد يعجبك: