إعلان

بالصور.. في المنيا "راندا" تصنع السعادة من الطين

11:02 ص الإثنين 25 يوليو 2016

راندا منير

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-إشراق أحمد:
كانت الأجواء مشحونة في قاعة النحت، بكلية الفنون الجميلة، جامعة المنيا، الأنفاس تتصاعد باقتراب موعد تسليم مشروع التخرج، الجميع عاكف على اخراج أفضل ما لديه، والأعصاب تحت ضغط العمل، غير أنه بدا بأحد الأركان لمسة، سحبت الأعين، إلى سيدة عجوز وطفلين، تنبع منهم حركة، رغم كونهم مجسما يكسوه الطين، واكتملت هيئتهم بثغور تنفرج بابتسامة أخّاذة، كلما وقعت عين أحدهم عليهم قيل لصانعتهم "أنا لما بشوفهم بلاقي نفسي ببتسم واضحك"، حينها شعرت راندا منير أن ما تمنته من ايجاد أسلوب خاص بها قد تحقق، وأن "فن الشارع" هو الأقرب والمغير لثقافة مجتمع يرى أن النحت، والفنانين عامة، أغلبهم أشخاص لا يغادرون برجهم العاجي.

1

ثلاثة تماثيل، يماثلون الحجم الطبيعي للأشخاص، الأول لسيدة طاعنة بالسن، بطول نحو متران، يلف رأسها وشاح صغير، وتحمل ملابسها هيئة الجدات، أما وجها فيكشف عن ضحكة غابت عنها الأسنان، فيما بدت تهرول نحو تمثالين آخرين، وهما لطفلين صغيرين بطول نحو متر، صبي وفتاة يبادلون الجدة الضحكات. كأن الجميع في حالة مرح ولعب، أحبكتها "راندا" بوضع قطع من النجيل الأخضر أسفل أقدامهم، ليكتمل صنيع أجواء "كن طفلا"، الاسم الذي أطلقته طالبة الفنون الجميلة على مشروع تخرجها، لإيصال حالة النقاء والتلقائية كما قالت "لمصراوي".

2

"نحت ميداني" هو وصف ما قامت به "راند" وينتمي للمدرسة التأثيرية كما أوضحت، لذا حرصت على تفاصيل الحركة، وكسرات الملابس، وملامح الوجه، "كل حتة طين كنت حاسة مكانها وبسيبها فيه وده ممكن يخلي البعض يحس أني مش مكملة الشغل" كذلك فسرت "راندا" عدم ظهور التماثيل ملساء كما اعتاد البعض رؤيتها.

3

في بداية الاعداد للمشروع، أخذت "راندا" تعصر أفكارها لعمل ما يعبر عنها، فطيلة سنوات الدراسة بكلية الفنون، تبحث الشابة عما تصنعه ويكون به "حياة"، ولهذا تخصصت في النحت  الميداني رغم ندرة مَن يلتحق به لكما قالت "أنا البنت الوحيدة بين ولدين في الشعبة بتاعتي". وحين أبصرت صورة فوتوغرافية لسيدة مسن تمرح بحديقة، جاءت لها الفكرة، التي تحقق لها هدفها "أكون سبب في أن حد يبتسم".  

4

حملت "راندا" كاميراتها الخاصة، وأخذت تبحث في ملامح المحيطين بها عما تريد، بين والدتها وجدتها وخالتها دارت عيناها، حتى وصلت لتفاصيل هيئة الجدة "بصور نفس الوضعية والسن ونفس اللبس وهي بتجري القماش هيبقى عامل إزاي"، ثم استدارت إلى الطفلين لتخرجهما مألوفين للناظرين. استغرقت طالبة الفنون الجميلة نحو شهر ونصف متواصل العمل لتنفيذهم، وأوضحت "راندا" أن يومين فقط لزما لإعداد الهيكل الأساسي للتماثيل "العمود الفقري اللي زي عند البني آدم"، فيما تكفلت بقية 45 يوم لإكمال المشروع "كان شيء صعب أني أظهر الروح في التماثيل عشان كده الابتسامة والحركة المعنوية في نظرتهم لبعض أخدت وقت كتير" كما قالت صاحبة "كن طفلا".

5

تلك المرة الثانية، التي تصنع بها "راندا" تمثال بالحجم الطبيعي، ورغم ما به من جهد إلا أنه لم يختلف عن الأسلوب الإنساني المفضل لها، ومن أجله التحقت بقسم النحت "أنا بحب الناس وبحب وجودهم حواليا، فبحاول دايما اعمل اللي يوصل للناس بطريقة بسيطة وسهلة"، لذا منحتها ردود الفعل على مشروعها طاقة إيجابية، كان تأثيرها عليها خاصة أن أكثرها من غير المتخصصين أكبر من حصولها على تقدير "امتياز"، وكذلك عزاء لها أمام البعض ممن لم يتقبل عملها من منطلق "إزاي أعمل ناس كبيرة بتلعب".

6

تمتن "راندا" لما حظى به مشروعها من استحسان، بعدما نشرت صوره على صفحتها الشخصية بموقع فيسبوك، لكن هذا لم يمنع قلقها من المستقبل "مش عارفة هلاقي فرصة وهعرف اتطور بيها ولا لأ"، أشارت خريجة الفنون الجميلة إلى سوق العمل المغلق في مجال النحت كفن وليس مجرد أعمال تُباع، لما يتطلب من تقنيات عالية وتكاليف باهظة، متذكرة بحزن أعمالها وزملائها طيلة سنوات الدراسة التي كان مصيرها "تنشف وتتكسر"، لانعدام الخامات والجهد الذي يعينهم على  الاحتفاظ بها، فلا تملك "راندا" سوى تمثالين صغيرين من أعمالها، فيما اكتفت بصور فوتوغرافية للبقية الزائلة.

7

لا تفقد ابنة سملوط الأمل في تغيير ثقافة استقبال الفن، متذكرة كيف تذمر الكثير لتمثال "نفرتيتي" الذي وُضع بميدان مدينتها، حتى بادر أحد أساتذة كليتها بتغييره، متمنية لو استعانت الدولة بالمتخصصين، ويكون للفن عامة اهتمام، لا يقتصر على إقامة المعارض التي في الغالب لا يحضرها سوى الفنانين بل بنشر الأعمال حسب قولها، إذ ترى "راندا" أن تذوق الناس للفنون لا يكون إلا بالوصول إليهم، حالمةً أن يجد عملها "كن طفلا" مكان حيوي له في المنيا، على الكورنيش أو بحديقة الكلية، إيمانا منها بأن الفن لا يحقق رسالته بدون تفاعل الناس.

فيديو قد يعجبك: