إعلان

سوريون يروون رحلة الخروج من جحيم حلب: العالم كله خذلنا

02:45 م الخميس 22 ديسمبر 2016

سوريون يروون رحلة الخروج من جحيم حلب

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-دعاء الفولي وإشراق أحمد:
خلال الأسابيع الماضية عايشت ياسمين الحلبي ما لا يُطاق؛ لم تعد تستطيع إطعام صغيرها عُمر، حاصرها الجوع وانقطاع الكهرباء، واشتد القصف على حي بستان القصر بواقع 100 غارة يوميا. في حلب رأت الأم ذات السبعة عشر عاما أهوالا، لم تترك لها خيارًا سوى الهرب بصُحبة عائلتها إلى الريف الغربي، ضمن 25 ألف مواطن تم إجلائهم من المدينة منذ الخميس الماضي، حسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

مصراوي استمع لروايات بعض الهاربين من الجحيم، عن رحلات امتد بعضها لعشرين ساعة، حتى الوصول إلى منطقة لا تخلو من قصف، لكنها أكثر أمانًا.

أصدرت هيئة الأمم المتحدة في الأسابيع الماضية، تقاريرا تؤكد أن الوضع في حلب الشرقية "مأساوي"، واتهمت النظام السوري بقتل عشرات المدنيين بينهم نساء وأطفال، كما أشارت إلى مزاعم تعرض الفارين إلى أعمال انتقامية من جانب المعارضة المُسلحة، وكان إجلاء مقاتلي الفصائل المعارضة والمدنيين من المدينة بدأ 15 ديسمبر الجاري بمقتضى اتفاق تم التوصل إليه برعاية روسية تركية، مع اقتراب الجانب السوري من حسم المعركة لصالحه بالسيطرة كليا على المدينة.

حلب سوريا

لم يتخيل أهل حلب ذعر أكبر مما كانوا فيه، تلك الهدنة ليست الأولى، سبقها اتفاق في إبريل المنصرف، لكن هذه المرة صارت ميقات هجرة مدينتهم. انتفض الجميع من مكانه، فروا نحو الخروج، تخففوا من كل شيء، وهم لم يكن لديهم الكثير، فالمصير غير معلوم والحِمل لا يسع إلا حقيبة واحدة.

غادر عبده خضر حي الجزماتي بما يرتديه، فيما حملت ياسمين أثناء خروجها من بستان القصر زيًا واحدًا إضافيا لها ولطفلها الرضيع. ولم يجد محمد شعبان أهم من الكاميرا ومعدات عمله كمصور ليرحل بها عن حي سيف الدولة، بينما ارتحل أحمد محسن برفقة زوجته، مع قليل من الأمل في العودة، وقبضة من تراب مدينته احتفظ بها قبل الرحيل هامسًا في غصة "غمضي عيونك وفتحي يا يمي تلاقيني راجع".

حلب

فجر الخميس الماضي خرجت الدُفعة الأولى من سُكان حلب "كنّا متوزعين بخمسة وعشرين باص".. قال شعبان، تفاوتت أعداد المُحاصرين داخل الحافلات، إذ يحكي أمير الحلبي أن حافلته متهيئة لاستيعاب 30 شخصًا "بس نحنا طلعونا 90 شخص بيناتنا 35 طفل و30 امرأة".

في الحافلات مكث المُهجرون بالدفعتين الأولى والثانية، لمتوسط وقت لا يقل عن 10 ساعات لازموا أماكنهم، فكذلك جاءت أوامر القوات الروسية والإيرانية، المنتشرة على حواجز أمنية طيلة الطريق إلى معبر الوصول للأماكن "الخضراء"، تلك التي يسيطر عليها الثوار، فيما اختفى وجه جنود الجيش السوري النظامي كما قال خضر "كان يطلع على الباص ضابط روسي يحكي عن العدد وينزل". الرعب ملأ النفوس لرؤية ما خلف نوافذ السيارات لكن محسن اقتنص بعض المشاهد "نظرات قوات النظام للمدنيين في الباص كانت كلها حقد ولُئم".

حلب

الدفعة الأولى للنازحين من حلب لم تلق آثاما، لكن الثانية التي خرجت الأحد الماضي "أخدوا هواتفهم وشلحو النساء الذهب والمال" كما قال خضر، إلا أن الجميع نالوا نصيبًا من المشقة داخل السيارات الناقلة التي وصلوا إليها بعد ساعات من الانطلاق، لتصبح أشبه بأماكن حصار جديد.

"18 ساعة قضيناها بدون أكل أو شرب.. بدون نوم لأن أرضية الباص كانت ممتلئة كزنزانة جماعية، البرد قاسي لدرجة مابتنوصف" روى أمير عن ما يلاقيه الحلبيون داخل الحافلات مشيرًا إلى التهديد الذي تلقوه برش النيران إن قام أحدهم بفتح باب السيارة.

الخوف يزيد داخل الحافلات بمرور الوقت "عن نفسي تمنيت الموت والخلاص من هذه المرحلة.. كنت أود الجنة أو النار وكأننا على الصراط المستقيم وسيأتي الحساب بعد قليل" وصفت ياسمين حالها طيلة تقدم الأتوبيس الذي تستقله، متذكرة السيدة المسن في عمر الـ80 التي قرأت نصف القرآن بالطريق، فيما لم يختلف الحال عن باقي السيارات.

حلب

في طريق أهل حلب، كان البعض يأنس وحشة الرحلة بقراءة القرآن، وأخرون بسماع أغاني الثورة على هواتفهم المحمولة، يرفعون الصوت بثقة وتحدي بالمرور على مناطق تواجد قوات النظام، فيما تولى الشباب إلهاء الأطفال بمشاركتهم "لعبة السكوت"، ينافسونهم عمّن يصمت لأكثر وقت حتى لا تتسبب أي حركة أو ضجيج في أذى الجميع كما حكى أمير.

ظلت السيارات منغلقة على من فيها، لا صوت يعلو فوق أوامر القوات الأجنبية، ولا ناقة لأعضاء الهلال الأحمر المصطحبين للأهالي المهجرة. البرد والاحتجاز يزيد المصابين وكبار السن ألما وذلًا "في ناس مرضت بالباص وتقيئت إثر البرد" كما قال شعبان، كذلك لم تفلح محاولات استنجاد عجوز اشتد عليها مرض السكري، فطالبت بالنزول لقضاء الحاجة لكن "عضو الهلال حكى لها مستحيل وبعد عياط نزل لكن ما سمحت له القوات وعملتها السيدة في مكانها أمام الكل" حسبما قال الحلبي.

حلب

ساعات الحصار الأصغر، سبقه أخر دام لنحو 5 أشهر، منذ منتصف يوليو المنصرف، منع كل شيء عن حلب الشرقية إلا القصف المتوالٍ، وحصد الأرواح التي بلغت نحو 2612 قتيل وإصابة 14 ألف شخص كما وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان منذ إبريل وحتى الثاني من ديسمبر 2016 الجاري.

تم الإجلاء عبر عدد من المعابر أبرزها الراموسة، ورغم اختلاف أماكنها غير أن البؤس ظل قائمًا. صقيع حاصر قلوب وأجساد الماكثين أمام حواجز العبور للريف الغربي "كانت الناس تحرق ملابسها وصورها وأي شيء كي تُدفئ أطفالها الصغار".. وسط آلاف العائلات افترشت ياسمين الأرض، وكذلك فعل شعبان الذي صاحبه الخوف مع أول خطوة خارج الحافلة "كنت عم فكر إنه أكيد الاعتقال هيكون مصيرنا أو الإعدام لأن معبر بستان القصر اللي مرينا به تابع للنظام".

بينما هي أمام المعبر، لم يساور ياسمين الرعب من الموت "كنت بفكر في شو راح يجرالي إذا تم أسري.. النظام غدّار وممكن يعمل أي إشي". على حدود حلب الشرقية انتظر الجميع المصائب، ظنّوا أن الخروج من المدينة حلمًا، وتمنّوا أن تمر ساعات المعبر دون خسائر، فيما لم يستطع محسن التخلص من شعوره بأن "العالم كله خذلنا".

حلب

حين مرت العائلات بسلام إلى البر الغربي، تفرّقت أبدان آل حلب "كل اللي عنده صديق راح لعنده.. إحنا مكثنا كضيوف ببيت ناس ما بنعرفهم" حسبما أضاف أمير. احتمى الشاب مع عائلته داخل مكان مساحته 15 مترا، برفقة عائلتين أخريين "كنا 13 شخص بهاي الغرفة"، فيما استقر خضر عند صديق له، ورغم الغُصة بقلبه "لكن كنت مبسوط كتير عشان اطمئنيت على أسرتي"، أرسل الشاب ذو الست وعشرين عاما زوجته وطفليه من الغرب إلى شمال حلب، حيث تتواجد عائلته.

وفيما لا تعرف ياسمين مصير جيرانها الذين لم يلحقوا بحافلات حلب، يعتقد شعبان أن جزء من الباقين ينتظر وصول قوات النظام، ظنّا أن ذلك أكثر أمانًا "لكن أظن أن الماكثين بحلب بعد كل تلك المجازر سيتم إعدامهم أو اعتقالهم".

7

منذ لحظات الرحيل الأولى غالب الحنين سكان حلب، رغم ما عانوه من حصار داخل وخارج مدينتهم. افتقدت ياسمين صوت بائع الخضار ليوقظها من النوم، فيما سلبت لحظات التهجير روح ابن حي بستان القصر كما وصف محسن. وغاص خضر وشعبان في الحزن لفراق الثورة وأماكن تخضبت بدماء السوريين، فيما ترك أمير جزء منه مع قبر أبيه المدفون بحي السكري في المدينة.

خرج شعبان من حلب، وكان يظن أنه لا مصير سوى الموت بها مع سيطرة النظام على نصف المدينة، لم يلملم الشاب العشريني شتات أفكاره بعد، لا يعلم شيء عن مستقبله في الريف الغربي، سوى أن القصف سيعود بعد انتهاء الهدنة، وأنه لا أمان بأي بقعة في سوريا، بينما يكثف محسن جهده في البحث عن شخص يخرجه إلى أوروبا ليؤمن زوجته وابنته المنتظر ولادتها بعد 8 أشهر، وكذلك ياسمين وأمير اللذين قطعا نحو ألف كيلو متر أخرى ليبدئا رحلة اللجوء للخارج حيث تستطيع ياسمين استكمال دراستها، أما خضر فينتظر الإلتقاء بأسرته في شمال حلب، مفضلا اتخاذ طريق تركيا عن الذهاب من داخل سوريا، فلا راحة بالبقاء أو الخروج من حلب. الجميع يعلم أن الأمان بات غاية بقدر أن الفرار من الجحيم لم ينته.

تابع باقي موضوعات الملف

إجلاء ''حلب''.. ليالي ''الشتات'' الحزينة (ملف خاص)

undefined

1 - ''الصليب الأحمر'' يكشف لمصراوي كواليس إجلاء أهل حلب (حوار)

1

3 - ثنائية الحُب والحرب.. كيف ودع شاب سوري حلب؟

3

4- بعد الخروج من حلب.. ''العطار'' يحلم بزيارة قبر ابنته

4

5 - كيف تم إجلاء أهل ''حلب''؟ (فيديو جراف)

5

 

فيديو قد يعجبك: