إعلان

التائهون "في دايرة الرحلة".. آمال غزاويين "محبوسة" على معبر رفح

04:04 م السبت 22 أكتوبر 2016

قوائم الراغبين في السفر إلى مصر على معبر رفح

كتبت- شروق غنيم ودعاء الفولي:

"اسم" في قوائم الراغبين في السفر إلى مصر. رحلة روتينية يجب أن يقضيها في البداية. يطوف على عدد ‏من المصالح حتى يُنجز أوراقه. الانتظارُ مُر. ‏حياته مُعلَّقة على أعتاب معبر رفح بعدما ضاق القطاع عليه ‏بالحياة. مبلغ من المال يجب أن يدفعه ابن غزة حتى يتسنى له المرور، وغرفة متردية بدون تهوية يدخلها ليعبر منها إلى مصر، فتصبح ‏سجنًا آخر ينتظر فيه انتهاء الإجراءات. في 15 من الشهر الجاري أعلنت الحكومة المصرية فتح معبر رفح ليومين، ثم إعادة الكرّة مرة أخرى من 19 أكتوبر وحتى اليوم أمام العالقين والحالات الإنسانية.. مصراوي تواصل مع بعض الغزاويين الماكثين في القطاع ومصر، ليرووا محاولاتهم المستميتة للعبور خلال رفح، فيما فقد آخرون أي أمل بالمرور يوما ما.

منذ أربعة أعوام أُصيبت زيدان أبو شاهين بسرطان Sarcoma"، كانت تبلغ حينها 24 عامًا. سافرت إلى مصر للخضوع للعلاج الكيماوي، واستئصال الورم السرطاني لتمكث فيها مدة عام كامل -كما تسرد شقيقتها لمصراوي. وبعد استكمال علاجها كان من الواجب متابعة دورية كل 3 شهور في أول عام، وبعد ذلك كل 6 أشهر، ولكنها بسبب ظروف المعبر تقوم بالمتابعة كل سنة أو أكثر "في تقاريرها الطبية يسجل الأطباء أن المرض موجود وهذا ما يشفع لها بالمتابعة والخروج من المعبر .. لكن هذا لا يمنع التعب الذي تراه في المعبر وقطع الحدود".

1

في يوليو 2012 أعلن إسماعيل هنية، رئيس الحكومة في القطاع، عن فتح المعبر لمدة 12 ساعة يوميا بالتعاون مع الجهات المصرية، وذلك للسماح برفع أعداد المسافرين عبره خلال اليوم إلى 1500 شخص.

إن كان المرض يشفع لزيدان، فالدراسة لا تفعل مع أنس سوفيان الذي جاء من غزة إلى مصر عام 2011 للالتحاق بالجامعة، غير أنه لم يعد للقطاع طوال خمس سنوات إلا مرتين فقط، آخرهم بعهد الرئيس الأسبق محمد مرسي "ما قدرت أطلع خوف من إني أضيع دراستي ويتأخر سفري".

تزايد ذلك الهاجس لدى أنس بعدما عايش أزمة أصدقائه العالقين بغزة، وكيف أثَّر ذلك على مسارهم الدراسي "فيه تعنت بالسفر، وكتير من أصدقائي راح عليهم تيرمات كاملة وتأخر خروجهم"، ورغم دفع بعضهم آلاف الدولارات من أجل العودة إلا أن "رؤساء الأقسام بالكليات ما تساهلو معهم، وضاعت عليهم الامتحانات أيضًا".

2

14 ألف طالب فلسطيني كانوا قد بدأوا الدراسة في مصر منذ عدة أعوام، بينما يحيى -اسم مستعار - لا يزال في غزة، وحينما قرر العودة من أجل العام الدراسي "الإجراءات أخدت وقت" وظل المعبر مُغلقًا لمدة 5 أشهر، ما دفع والده للتواصل مع أصدقاء مصريين "عطوه رقم ضابط بيشتغل بالمعبر، كلمناه طلب 3000 دولار ولكن بعد مية ألف رجاء خلاها 2000 دولار. وفي ناس دفعت فلوس وصلت لـ7000 دولار" حسب قول الطالب، الذي أضاف "اللي بيدفعوا رشاوي للضباط إلهم أولوية يعدو المعبر من باص للتنسيقات المصرية".

عاد يحيى لمصر وكانت اختبارات الفصل الدراسي الأول قد أُجريت، وعندما طلب من عميد الكلية أن يُعاد اختباره لعُذر السفر "رفض وأصر على تأجيل التيرم".

قبل الوصول إلى المعبر، ثمة رحلة يخوضها الفلسطيني من غزة، يحكيها أنس لمصراوي. تبدأ من مركز تابع لوزارة الداخلية بالقطاع من أجل تسجيل الأسماء الراغبة في السفر. وبعد فتح المعبر تفرز "الداخلية" الأسماء "غالبًا 200 اسم لكل يوم عمل معبر، وعشان اسمك يكون مُدرج بالقائمة، هتستنى سنة ونص إلى سنتين"، ويرجع ذلك لعدد الناس المسجلة للسفر. 

3

بعد إدراج الاسم بقائمة السفر، يتوجه الشخص في الصباح الباكر إلى صالة داخل الحدود الفلسطينية، لتبدأ "الداخلية" بالنداء على المسافرين وختم الجوازات في إجراءات تستغرق ساعة ونصف ثم ينتقل العابرون إلى الصالة المصرية، وهنا تبدأ أزمة أخرى.

طريق يمتد لـ200 متر، يفصل بين الصالتين الفلسطينية والمصرية، إذ يدلف العابرون الأخيرة للجلوس على مقاعد خشبية في انتظار الموافقة الأمنية من قبل الجانب المصري "بنسلم جوازاتنا وبننتظر ينختمو، ‏وبننتظر التحقيق من أمن الدولة"، تطول الإجراءات المصرية إلى ثاني يوم من وصولهم "ما في بني ‏آدم بيغادر المعبر بنفس اليوم"، يفترشون الأرض في انتظار سماع أسمائهم للعبور، حسبما يروي أنس. ‏

4

ما يقرب من شهر، ظلت خلاله منار أبو شاهين عالقة في غزة، بعد أن سافرت من مصر لقضاء عطلتها، وحينما جاء موعد دراستها بكلية الطب، لم تستطع الخروج "إسبوع في المعبر انتظر اللاشئ.. كان الوضع عذاب"، حيث تصف الغرفة بأنها بلا مراوح أو وسيلة تدفئة، وهو ما زاد مشقة الانتظار، فقررت منذ 3 سنوات ألا تعود إلى غزة حتى تحصل على شهادتها.

"ما عندي قرايب بمصر، متحملة مسؤولية كل شيء دون أي مساعدة من أحد"، وفي كل مرة يتسلل لها شعور بالضغط أو عدم القدرة على المواصلة، كانت تُعّزي ذلك الشعور إلى رغبتها في استكمال الدراسة، كما تقول لمصراوي.

ليس ثمة تقديرات رسمية لعدد المواطنين الغزاويين الموجودين بمصر، لكن هناك إحصائيات بأرقام تتراوح بين 50 إلى 70 ألف فلسطيني بشكل عام. 

5

الدراسة والمرض ليسا السببان الوحيدين لمجيء أهل غزة عبر رفح. كصحفي مُقيم في غزة يحتاج محمود إبراهيم للتنقل "لأغطي الأحداث سواء بمصر أو خارجها"، لكن منذ عام 2013 لم يبرح غزة مُنتظرا أن يأتيه الدور.

لتسهيل الخروج يُفضل أن يحمل المسافر فيزا في بلد آخر أو إقامة، ولأن ذلك لا يحدث دائما، فسيظل خروج الشاب الثلاثيني لتأدية مهامه الوظيفية "شبه مُستحيل".

6

كان حكم مُبارك قد انتهى لتوّه حينما جاء جمال الدرة لمصر، ليحضر أحد المؤتمرات التي تتحدث عن القضية الفلسطينية، بصفته والد الطفل الشهيد محمد الدرة. التحرك خارج غزة عام 2011، لم يكن يسيرا على الرجل الخمسيني، لكنه بالتأكيد أيسر من الوقت الحالي، إذ لم يخرج الدرة من غزة منذ ذلك الوقت "بحط اسمي ع المعبر في انتظار الدور وما بييجي أبدا".

الإجراءات التي يتبعها الدرة مثل الباقين، لكنها لا تُجدي نفعًا خاصة مع توتر العلاقات بين مصر وغزة عقب تولي حركة حماس الحكم عام 2007 . لا يهتم والد الشهيد كثيرًا بعلاقات سياسية بين البلدين، فقط يعنيه سهولة التنقل "عم بنحس إننا متعاقبين بسبب حماس واحنا ما إلنا ذنب كمواطنين".

7

لبنان، سوريا، مصر ، وغيرها من دول غير عربية وجهت دعوة للدرة، لكنه ما لبّى النداء "بتوجع بنفسي لأنو ممنوع اتكلم عن القضية الفلسطينية، وياللي مش قضية ابني فقط بس قضية العرب جميعا"، قبل أشهر قليلة طُلب الرجل الغزاوي للحضور في مؤتمر يُقام في إيران من 23 سبتمبر حتى نهاية الشهر، وقد سُمي الحدث باسم ابنه الراحل، وبشكل ما لم يفقد الأب الأمل فظل يسعى للخروج منتهزا فرصة فتح المعبر أمام حجيج البيت الحرام غير أن محاولاته فشلت.

لم يحتمل عبدالكريم -اسم مستعار- حبال الإجراءات الطويلة على معبر رفح، فحاول الذهاب للأردن منذ عام ونصف عن طريق معبر ايرز الواقع أقصى شمال غزة، غرضه العلاج من مرض "رفة القلب" بعدما قبله مستشفى هناك، إلا أنه ظل عالقا بالقطاع "الاحتلال ما رضيو يخرجوني لأنو ابني شهيد بأحد غارات قصفهم لغزة عام 2014"، فلجأ لبعض منظمات المجتمع المدني لكن لم يساعده أحد.

8

"معبر رفح مش إلنا نحنا الغلابة، بيطلع منو اللي عنده واسطة أو بيقدر يدفع".. مُضطرا قدّم عبدالكريم أوراقه لوزارة الداخلية بالقطاع للسفر عن طريق رفح منذ عام، معتقدا أن مرضه يجعل له أولوية على القائمة لكنه اصطدم بالأسوأ عندما ذهب لمبنى "الداخلية" منذ أيام "فوجئت بهم عم يطلبوا أوراقي كلها من جديد". عاد لنقطة الصفر كحال الغزاويين التائهين في دائرة الإجراءات المُغلقة.

فيديو قد يعجبك: