إعلان

مصراوي يرصد ساعات الرعب والهلع بعقار "جاردن سيتي" المنهار

11:00 ص السبت 25 مارس 2017

كتبت – نانيس البيلي:

قبيل العاشرة والنصف من مساء الجمعة، بدا المشهد هادئًا داخل حي جاردن سيتي، لحظات وسُمع دوي هائل، رج أرجاء المكان، واخترق ذلك السكون، أحجار تتساقط الواحدة تلو الآخرى ، مارة يصيحون للسكان "اطلعوا اطلعوا"، لحظات قليلة وينهار الجزء الأيسر من العقار رقم 15 بشارع أبو المحاسن، مخلفًا سحابة كثيفة من الغبار، يتخللها صراخ واستغاثة "انقذونا"، الجميع يهرول لمساعدة المنكوبين، دقائق قليلة وتحضر الحماية المدنية وقوات الأمن.

عقار جاردن سيتي المنهار (2)

أمام سيارة ملاكي مهشمة، تغطيها كمية كبيرة من الحجارة البيضاء، وقف أصدقاء "أحمد"، أحد سكان الجزء الأيمن "غير المنهار" بالعقار، يتحدثون عن المفارقة التي أنقذته وأسرته من الكارثة: "صاحبنا سافر يدفن عمه في المنيا لأنه توفى النهاردة"، ويضيفون أن عمه كان يقطن بشقة في الجزء المنهار وأنه توفي صباح اليوم بعد يومين من دخوله للمستشفى.

على مقربة منهم، وقف "آدم" شاب عشريني يرطم رأسه بعربة المطافيء متمتمًا: "ده وحيد أمه وأبوه، هقول لأهله إيه في البلد"، قبل أن يجذبه رجلان ويهدآن من روعه: "إن شاء الله يكون عايش"، وظل "آدم" الذي يسكن بشقة في الجزء المنهار واقفا في مكانه يلطم خده ويقول "يارب يكون خرج ومنامش"، بينما ذهب أصدقاؤه للبحث عن زميلهم "حازم" لعدم تأكدهم من بقائه داخل الشقة أو مغادرته لوردية العمل بعدما أُغلق هاتفه.

بعد لحظات من الرعب عاشها الطالب بكلية التجارة خوفًا على صديقه الطالب بكلية الهندسة، رن هاتفه الجوال فابتعد قليلاً، قبل أن يأتي مهرولاً ليزف البشرى للجميع: "راح الشغل، الحمد لله طلع عايش والله"، ويحتضن رجال الشرطة واغرورقت عيناه بالدموع، بينما يربت أحد لواءات الشرطة على كتفه ويمازحه: "عايش أهو يا عم أومال بتعيط ليه".

شهود عيان: السكان تحدثوا عن شروخ بالعقار قبل أيام من انهياره

30 دقيقة مضت، امتلأ الشارع بأفراد الشرطة ومعهم مدير أمن القاهرة، ووضعوا الحواجز الحديدية وفرضوا كردونًا أمنيًا بمحيط العقار المنهار، كما انتشرت سيارات الإسعاف، وانخرط رجال الانقاذ في إخلاء السكان، وحضر أفراد الهلال الأحمر المصري للدعم، بينما احتشد الجيران والمارة يتابعون المشهد، وانزوى أقرباء سكان العقار يحبسون الأنفاس ويغلب عليهم الوجوم والرعب.

5 طوابق بها 10 شقق يتكون منها العقار المنكوب، انهار الجزء الأيسر بالكامل، "اختناقات، كدمات، كسور" هي حصيلة الإصابات بحسب أفراد الهلال الأحمر المصري، ويضيفون أنه تم نقل المصابين لمستشفيات المنيرة وقصر العيني، وحتى الآن لا أنباء عن وفيات.

عقار جاردن سيتي المنهار (6)

بجوار الكردون الأمني، انزوت "إلين" الفتاة الأجنبية التي تدرس بإحدى الجامعات الخاصة، تذرف الدموع الحارة على قطتيها التي تركتهما بالطابق الثاني المنهار، بينما وقف شاب وفتاة يتشاركان معها بالشقة، أخذا يهدآن من روعها، يقول الشاب إنها أخبرتهما بسماع أصوات عالية، صباح اليوم، لم تعلم مصدرها قبل أن يغادروا "قالت إنها سمعت دوشة عالية في العمارة".

"من 3 أيام السكان شافوا شروخ جامدة في العمارة" يقول "علي" الذي يقطن بالشارع المجاور، ويضيف أنهم أبلغوا الحي الذي عاين العقار وأخبرهم باحتمال انهياره في أي وقت إلا أنهم ضربوا بالحديث عرض الحائط.

يقول الرجل الستيني، إنه وأسرته سمعوا دويًا كبيراً قرب الحادية عشرة مساءً "سمعنا صوت رج جامد في البيوت" وسارعوا بالنزول إلى الشارع ليجدوا الجزء الأيسر من العقار منهارا، ويضيف أن قوات الحماية المدنية حضرت بعد دقائق قليلة وأنقذت بعض السكان فوراً، بخلاف سيدة ظلت بالطابق الآخير لفترة "فضلت متعلقة شوية لما السلالم وقعت وبعدين نزلوها".

عقار جاردن سيتي المنهار (7)

"أسامة" و"نبيلة" زوجان مسنان يقطنان بإحدى العمارات القريبة، وقفا يحبسان الأنفاس ويتابعان المشهد، يقول "أسامة" بنبرة غاضبة: "جاردن سيتي مفيهاش أكثر من 3 أدوار ما عدا العمارة دي"، تلتقط زوجته أطراف الحديث وتضيف أن سبب إنهيار العمارة هو بناء صاحبها لطابقين مخالفين بعد ثورة يناير، تنفعل وتقول "المشكلة أساسها الحي، يحصل على رشاوى مقابل البناء المخالف".

عدد من شباب الكنيسة، وقفوا يساعدون رجال الشرطة في إفساح الطريق لدخول سيارات الحماية المدنية، يروي "سامح" المشهد لمصراوي: "كنا واقفين عند البنك، وسمعنا صوت زي مايكون عربية بتوقع زلط بالراحة، وفجأة لقينا سحابة من التراب بتغطي السماء"، ويضيف أنهم تحركوا تجاه باب الكنيسة قبل أن يسمعوا أصوات حجارة كبيرة ترطتم بالأرض، ويبلغ بعدها أمن الكنيسة قسم قصر النيل، ليحضر رجال الانقاذ بعد دقائق من الانهيار.

مع دقات الثانية صباح السبت، جلس 4 من رجال الحماية المدنية خارج الكردون الأمني، أخذوا يتناقشون حول سبب انهيار الجانب الأيسر فقط دون الأيمن، يقول أحدهم لـ"مصراوي": حوالي 10 مصابين تم إنقاذهم، وجاري البحث عن مفقودين، ويروي آخر أصعب مشاهد الانقاذ لسيدة مسنة بالطابق الثالث "كان التراب مغطي وشها ومخضوضة ومش قادرة تتكلم".

الجيران: طابقين مخالفين بعد الثورة سبب انهياره.. والحي يحصل على رشاوى

على الجانب الآخر ناحية السفارة السويسرية، وقف "محمد شحاتة" فرد الأمن بمكتب التعاون الدولي التابع للسفارة، يلتقط أنفاسه بعدما جاء مهرولاً "سمعنا صوت حاجة بتتهبد جرينا لقينا منظر صعب"، بينما يقول عدد من الجيران إن الكارثة بدأت قبلها بساعات "كنا سامعين طوب بيقع من الفجر".

حالة من الوجوم والصمت، انتابت رجل خمسيني أخذ يسير بجوار الكردون الأمني ويتمتم بأسى: "4 عربيات اتدمروا، عليه العوض ومنه العوض"، يقول صديقه الذي وقف يواسيه إنه صاحب جراج بجوار العقار تضررت بعض السيارات المركونة به.

عقار جاردن سيتي المنهار (8)

ويقول "الليثي" لواء متقاعد: "سمعنا صوت أنا قلت فيه زلزال، مراتي قالت لأ ده عربية نقل معدية"، ويضيف أنه ينتظر صديقه الدكتور حمزة المفقود إلى الآن تحت الأنقاض.

بلهجة سورية، يؤكد "نضال" أحد الجيران بالمنطقة، إن إحدى قاطنات العقار المنهار أخبرته بملاحظتها انتشار شروخ بشقتها وبأجزاء من العمارة قبل أسبوع واحد، وأنها أحضرت مهندس لمعاينتها إلا أنه أخبرها بعدم خطورة الوضع "قالها ده قشرة مبيأثرش".

الساعة تقترب من الثالثة فجر السبت، هدأ الوضع قليلاً بعدما انصرف الجميع عدا أقارب سكان العقار، بينما يواصل رجال الحماية المدنية عمليات رفع الأنقاض بحثًا عن المفقودين.

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج