إعلان

هيكل يُفسّر في 10 نقاط.. كيف حقق عبد الناصر "الثورة الاجتماعية"؟

12:17 م السبت 23 يوليو 2016

الصحفي محمد حسنين هيكل

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

تقرير – أحمد جمعة:

"رجل مستقبل أكثر مما هوَّ رجل ماضي".. هكذا كان الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل في تخليده لذكرى 23 يوليو من كل عام، لكنه ولأول مرة يغيب عن مشهد طالما شرح أسبابه وتداعياته وفسّر نتائجه على مدار 64 عامًا متصلة، حين غيبه الموت في 17 فبراير الماضي، ليغيب "صانع نجم زعيم الثورة جمال عبدالناصر".

غادر هيكل إلى "دار البقاء" تاركًا تاريخًا طويلًا من التفسير والشرح لمشهد "23 يوليو"، حين تحرك "الضباط الأحرار" إلى اقتلاع جذور "الملكية" من مصر، وغرس قيم "الجمهورية"، ثم المضي في تطبيق مشروع الثورة الأول "العدالة الاجتماعية".

لم يكن لـ"الأستاذ" طقوس خاصة في ذكرى يوليو من كل عام، حسبما يقول الكاتب عبدالله السناوي، لكنه خصص وقته للحوار مع الشباب ومحاولة التأثير في حركة الحياة، بما له من طريقة مختلفة في "الاحتفاء بذكريات التاريخ"، وأكثر ما حرص عليه هو الذهاب إلى ضريح جمال عبدالناصر يوم 28 سبتمبر من كل عام كلما تواجد في القاهرة.

يحكي "السناوي" أن الجامعة الأمريكية بالقاهرة دعت هيكل للاحتفال بالذكرى الخمسين للثورة في عام 2002، وحينها ترك الماضي وتحدث عن المستقبل، وقال إن مصر لا يمكن أن تُحكم بالطريقة التي حُكمت بها من قبل، وليست القضية صورة جديدة لرئيس جديد يتبع مبارك، وعارض التوريث علنًا وكانت هذه إضافة كبيرة للمعركة التي بدأها شباب "العربي" ضد التجديد والتوريث، وأعطى قوة هائلة لهذا التيار المعارض.

يرى السناوي أنه يصعب صناعة "هيكل جديد"؛ فهو "شخصية استثنائية لا تتكرر بكل مواصفاتها والأدوار التي لعبتها، وهو بتعبير عباس العقاد هو رجل يسير وحده، بمعنى أنه ليس من المتصور أن يكون هناك هيكلًا جديدًا، لأن ذلك يتطلب عبدالناصر جديد ودور بجواره وإطلاق الأحلام الكبرى، أو شخص توفرت له الظروف و وثائق مرحلتي عبدالناصر والسادات حتى عام 1974 على الأقل فيؤرخ ويكتسب من تجربته صفة (مفكر الأمن القومي). أظن أن هذه مصدر قوته الحقيقية، فأفكاره وخبراته لم يستفد منها الصحفيين فقط، بل قيادات عسكرية وسياسيين ومؤرخين".

حاولنا اقتفاء أثر الثورة من منظورها الاجتماعي في كتابات هيكل وبرامجه الحوارية، ورصدنا هذه الثورة من منظوره في 10 محاور، توضح كيف فسّر "الرجل الأقرب" لعبدالناصر مشروع العدالة الاجتماعية؟
1- لمن إنحاز عبدالناصر اجتماعيًا؟

في رأي هيكل، فإن من وصفهم بـ"أعداء" عبد الناصر لا يكفون عن اتهامه بالحقد على الأغنياء، ويعزون كثيرًا من سياساته إلى هذا الحقد الذى يتصورونه.

ويرد هيكل على ذلك بالقول: "لم يكن جمال عبدالناصر حاقدًا، ولكنه كان يرى الغنى الفاحش وسط الفقر المدقع جريمة لا تُغتفر، وهكذا جعل هدفه الذي لا يحيد عنه تذويب الفوارق بين الطبقات، ولو أنه وجد نفسه من الأغنياء -أو أوجدته مطامعه بينهم- لاختلفت تصرفاته، ذلك أن كل إنسان حريص على مصالح الطبقة التي ينتمي إليها، أو حتى تلك التي يتطلع يومًا للانتماء إليها. أي أن الذي يريد الثروة لنفسه يؤمن الثورة لغيره".
2- كيف عاش عبدالناصر حياته؟

لا يختلف نمط حياة عبدالناصر عن غيره من الأسر المصرية، فلم يكن مضطرًا لمجارة مستويات المعيشة المترفة، حسب قول هيكل، الذي يؤكد - بحسب الذين خالطوا عبدالناصر - أنه لم يكن له شهوة في طعام أو شراب، وكان أفخر الطعام عنده على حد تعبيره "لحمًا وأرزًا وخضارًا".. ويتساءل: ماذا يأكل الناس غير ذلك؟

ويضيف: "كان نهاره وليله عملًا متواصلًا، وكانت لمسة الترف في نهاره حينما يجلس للعمل فى مكتبه تسجيلاً لأغنية من أغاني أم كلثوم يدور وراءه خافتاً في خلفية جو عمله، وكانت لمسة الترف في ليله ذهابه إلى قاعة السينما في بيته يشاهد فيلمًا أو فيلمين قبل أن يأوي إلى فراشه".

مقاطعته ـ أي ناصر ـ للحياة الاجتماعية مشهورة، وتعامل مع ذلك بقوله: "إن الذين يستطيعون دعوة رئيس الجمهورية هم القادرون.. وهم يعرفون وأنا أعرف أن أفكاري تختلف عن أفكارهم، فلماذا أعذبهم وأعذب نفسي؟".
3- هل كان يسعى لتكوين ثروة تسانده في شيخوخته وتساعد أولاده؟

يقول هيكل إن عبدالناصر ألزم نفسه بعدد من المعايير الصارمة، وتقوم في الأساس على مبدأ "عدم التملك"، وكان يعتقد أن الملكية هيّ التجسيد العملي للامتياز الطبقي.

كان عبدالناصر يعتقد أنه مهما مرت السنون فلن يصل من العمر عتيًا، أي أنه ليس بحاجة إلى ثروة تدعمه إذا ما وصل إلى مرحلة الشيخوخة. ولم يخالجه الشك في مرة أن أسرته لن تحتاج شيئا من بعده: "إنني أعرف الناس في بلدنا وأعرف طيبة قلوبهم، واعرف أنهم من بعدي سوف يضعون أولادي في عيونهم".

وأضاف هيكل: "عندما رحل عبدالناصر كان كل ما تركه من حطام الدنيا قرابة أربعة آلاف جنيه، ألفا وخمسمائة منها قيمة بوليصة تأمين على حياته عقدها قبل ذهابه إلى حرب فلسطين، ثم حساباً في بنك مصر باسمه شخصيًا كان رصيده حوالي ألفين وأربعمائة جنيه، وفي مقابل ذلك كان مديناً بحوالى ستة وعشرين ألف جنيه بقيت عليه من تكاليف بناء بيتين".
4- هل كان عبدالناصر ضد "الملكية"؟

لم يكن ضد الملكية كمبدأ، ولكنه كان ضد تجاوز الحدود فيها في مجتمع أغلبيته الساحقة من المعدمين، وكان رأيه أن الحاكم في مصر لا يجوز له أن يمتلك لأنه بذلك يفقد قدرته على التعبير عن مصالح الأغلبية ويجد نفسه مهما حسنت نواياه يعبر عن مصالح الأقلية.
5 - هل وزّع عبدالناصر "اشتراكية الفقر" بدلا من "اشتراكية الغنى"؟

يُجيب هيكل على هذا السؤال بالقول إن تجربة التنمية في عصر عبدالناصر بدأت بخطوة تبدو -الآن- مرتجلة، لكنها في الحقيقة كانت الخيار الوحيد المطروح أمامه وقتها، فلم تكن بين يديه حينها دراسة مكتملة لهذا الشيء الذي يريد تحقيقه، وأحس أنه إذا ما انتظر حتى تكتمل الدراسة، فإن وقتًا ثمينًا سوف يضيع، لأنه في نفس الوقت لم يكن يثق في الجهاز الحكومي الذي ورثته "الثورة" من العهد الملكي. يؤكد هيكل أن عبدالناصر لم يترك خرابًا تتعلق "الغربان" على أطلاله، وإنما ترك اقتصادًا قادرًا على الاستجابة.
6- هل أشعل عبدالناصر نيران الصراع الطبقي في مصر؟

يرد هيكل على هذا السؤال بقوله؛ إن صورة حريق القاهرة يوم 26 يناير -قبل الثورة- هيّ التصوير البشع لحدة الصراع الطبقي في مصر، وكانت "الجماهير المحرومة" هيّ التي تولت بعد ذلك تزكية النار وتأجيجها إعلانًا لغضبها ورفضًا لـ"القسمة والنصيب".

ويردف هيكل أن هناك العديد من الصور على صراع الطبقات قبل ثورة يوليو، تمثل في "النهب" الذي حدث للأرض الزراعية، وقيام اقتصاد تجاري وصناعي ناش ومحدود في مصر، وتفاقم الأوضاع الاجتماعية المتزايدة في حدتها.

وعلى العكس من ذلك، قام جمال عبدالناصر بإطفاء "الحريق"، عن طريق إدراك أن الصراع الطبقي قانون من قوانين الحركة الاجتماعية، وأن للفقراء حقوقًا لا يستطيع الأغنياء حبسها، مشددا على الاحتياج إلى الوحدة الوطنية الكاملة في مواجهة الاستعمار.
7- كيف تحرك عبدالناصر في طريق التنمية والعدالة الاجتماعية؟

ثلاث محاور ارتكز عليها برنامج عبدالناصر الإصلاحي، الذي يرتبط في الوقت نفسه بتحقيق مفهوم العدالة الاجتماعية؛ الأول أنه جاء بالمشروعات التي وردت في وعود وزارة ما قبل يوليو 52، واعتبر أن هذه المشروعات دُرست بما فيه الكفاية، وأنشأ مجلسًا أعلى للإنتاج خارج إطار الجهاز الحكومي، وضمّ فيه مجموعة من أبرز خبراء مصر الاقتصاديين قبل الثورة، وعلى رأسهم حسين فهمي، ووضع تحت تصرف هذا المجلس كل المبالغ التي أمكن رصدها للتنمية ووصلت لأكثر من ألف مليون دولار.

وكانت من أبرز المشاريع التي نفذت بإشراف مجلس الانتاج؛ مصنع حديد حلون، ومصنع السماد في أسوان، وكهربة خزان أسوان، وكهربة خط حلوان، وفي نفس الوقت أنشأ مجلسًا أعلى للخدمات خارج إطار الجهاز الحكومي ساهم في تنفيذ مشروعات الوحدات المجمعة للصحة والتعليم، وإعادة التدريب والإرشاد الزراعي في الريف، إلى جانب المستشفيات المركزية.

المحور الثاني؛ بدأ عبدالناصر يفكر في الطريقة التي يمكن بها وضع خطة كاملة للتنمية الاقتصادية؛ وعهد إلى بيت خبرة أمريكي عالمي لإجراء مسح شاكل لإمكانيات مصر الاقتصادية وكيف يمكن التخطيط لها.

المحور الثالث؛ كان عبدالناصر يؤمن بأهمية وجود جهاز وطني، ومع أنه كان يعتقد أن التخطيط "أرقام"، فقد كان يشعر في نفس الوقت بأن التخطيط التزام أيضًا.
8 - هل ضغط عبدالناصر على الاقتصاد في سبيل التنمية؟

في رأي "هيكل" فإن الاقتصاد المصري تحمل بعد عام 1976 المهام الأربع التالية؛ إتمام بناء السد العالي الذي لم يكتمل إلا عام 1970، كما تحمل هذا الاقتصاد أعباء مشروعات جديدة ضخمة أبرزها مشروع مجمع الحديد والصلب، كما تحمل فوق ذلك عبء تثبيت أسعار السلع الاستهلاكية. ووصف هيكل ذلك بأنها "شبه معجزة حملها الاقتصاد، ولم تكن من المصادفات، وإنما كانت من صنع طاقة انتاجية متماسكة قادرة على تحمل صدمة فاجئتها على غير انتظار".
9- ما وضع الديون على كاهل الدولة بعد هذه السياسات؟

بحسب تقدير هيكل، طبقا لتقرير البنك المركزي، فإن مجموع الديون التي تتحملها مصر هو أربعة آلاف مليون دولار، وهو مجموع الدين المدني والعسكري، وكان معظمها للاتحاد السوفيتي، بفائدة 2.5%. وكان الدين قصر الأجل، وهو قروض بتسهيلات مصرفية ولموردين في حدود 104 مليون جنيه.
10- هل كان هناك تربصًا بـ"مشروع ناصر"؟

يؤكد هيكل في حديث تليفزيوني له، أن هناك بالفعل من كان يتربص بمشروع ناصر خاصة من العدو الإسرائيلي، فلم يكن مسموح له ببناء اقتصادي أو عدالة اجتماعية إلا إذا وقّع معاهدة صلح مع تل أبيب، وهذا ما لم يكن ينوي فعله.

وأضاف: هناك قوى في الإقليم كانت تتحالف مع "الشيطان نفسه" لحماية مصالحها ومواقعها، واحتاج إلى حالة من الصبر التاريخي لاستكمال مشروعه.

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج