إعلان

140 مليون جنيه .. فاتورة قانون التظاهر

06:16 م الخميس 08 ديسمبر 2016

قانون التظاهر

كتب- محمد أبو ليلة:

فتح حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان المادة العاشرة من قانون التظاهر، الجدل من جديد حول بعض مواد القانون التي أقر في عام 2013 ، وهو يحمل بين طياته مواد موجودة بالفعل في قانون العقوبات المصري، كالمادة السادسة والسابعة.

ومن بين المواد صاحبة الجدل الأكبر المادة 19 والتي تنص على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز 5 سنين، وبالغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف الحظر المنصوص عليه في المادة السابعة من القانون.

مشكلة هذه المادة حسب حديث عبد الغفار شكر نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان مع "مصراوي"، أنها مادة معيبة تسببت في سجن ألاف من الشباب وتحميلهم مبالغ مالية كبيرة على شكل غرامات دفعها أهالي هؤلاء الشباب.

محمد طارق هو شاب في مُقتبل عامه الـ 25 كان واحد من هؤلاء الذين وقعوا ضحية للمادة 19 من قانون التظاهر، حيث أُلقى القبض عليه في أحداث منطقة محرم بك بالإسكندرية يوم 29 أغسطس من عام 2014، وحسب حديث صديقه محمد عز لـ مصراوي أنه لم يكن مشارك في تلك الأحداث وإنما تصادف مروره بهذه المنطقة فأُلقي القبض عليهم ووجهت له تُهم عديدة منها انضمامه لجماعة محظورة وخرق قانون التظاهر.

حكم على طارق في حكم أول درجة جنح بالسجن لمدة 21 سنة و وغرامة 135 ألف و 500 جنيهاً، وبعدها صدر الحكم النهائي بـ جنح مستأنف بالحبس 3 سنوات و6 شهور وغرامة 100 ألف جنيها، وقام أهله بدفع الغرامة.

37 ألف متهم بقانون التظاهر

حالة "طارق" لم تكن الوحيدة التي حُكم عليها بالسجن لسنوات ودفع غرامات أقلها مائة ألف جنيه على خليفة القانون، فهناك ما يزيد عن 37 ألف مواطن أُلقى القبض عليهم بسبب قانون التظاهر منذ إقراره في عام 2013.. وذلك طبقاً لبيان أعدته مجموعة "دفتر أحوال" وحصل مصراوي على نسخة منه.

واحد من هؤلاء الشباب الذين تضرروا من قانون التظاهر كان أحمد فؤاد ذلك الشاب السكندري ذو الـ 20 عاماً، والذي حكمت عليه محكمة جنايات الاسكندرية بالسجن 3 سنوات سجن وغرامة مالية قدرها 100 ألف جنيه في القضية رقم 1416 لسنة 2014 إداري أول المنتزه، بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية وخرق قانون التظاهر.

قصة فؤاد بدأت حينما كان متوجه إلى منطقة المنتزه في الذكرى الثالثة لثورة 25 من يناير 2011 ، كي يغطى التظاهرات الواقعة هناك، بحكم عمله الصحفي كمراسل لموقع "كرموز" ، لكنه وفور اقترابه من أحدى عربات الشرطة التي أحرقها المتظاهرون وأثناء التقاطه عدة صور للأحداث فوجئ بخمسة من أفراد الأمن يقتربون منه ويلقون القبض عليه.

حمدي خلف محامي "فؤاد" يؤكد في حديث لـ مصراوي أنه تم الحكم على فؤاد وزملاءه في تلك القضية على خلفية قانون التظاهر الذي وصفه بـ"غير الدستوري"، كما أن هناك أحكام مشددة وغرامات غليظة بمثابة إنهاء مستقبل عدد كبير من الشباب.. حسب قوله.

وأوضح أنه وفريق دفاعه قدموا كل ما يثبت أن موكله كان في مهمة صحفية وليس لها علاقة بأية تنظيمات سياسية، لكنه يرى أن هذا الحكم كان جزءً من أحكام مسيسة ضد عدد كبير من الشباب الذين أٌلقي القبض عليهم في تلك الأحداث.

اطلعنا على الحكم الصادر في هذه القضية ووجدنا أنه صدر يوم 14 من يونيو لهذا العام، ما يعني أن "فؤاد" ومن معه قضوا أكثر من عامين ونص في فترة الحبس الاحتياطي.

المشكلة الأكبر التي تواجه "فؤاد" هي الغرامة المالية التي أقرتها المحكمة بـ 100 ألف جنيه، فمن ناحية أخرى لا يستطيع فؤاد وأهله سداد تلك الغرامة المالية الباهظة، وطبقاً للقانون فإنه إذا لم يستطع المتهم دفع الغرامة المالية فعليه أن يقضي ثلاثة أشهر أخرى في محبسه وهذا سيجعل هناك عبء معنوي أخر على أهله وأصدقاءه.

تقول والدته لـ مصراوي أنها لم تعد تحتمل فراقه حتى الأن، ولا تستطيع أن تنتظر ثلاثة أشهر أخرى يقضيها داخل زنزانته، كما أنهم كأسرة لا يستطيعون إيجاد ذلك المبلغ الكبير لسداده، وتتابع "ابني كان في سنة ثانية كلية علوم وكان بيشتغل صحفي، واتقبض عليه وهو بيغطي المظاهرات، احنا مش هنقدر ندفع الغرامة ومش هنقدر نستحمل 3 شهور تانية يقضيها في السجن".

فاتورة الغرامات

وصل عدد الغرامات في قضايا قانون التظاهر منذ إقراره في نوفمبر 2013، وحتى منتصف العام الحالي، لما يزيد عن 128 مليون جنيه، بالإضافة لأكثر من سبعة ملايين جنيهاً كفالات تم دفعها كإخلاء سبيل لعدد من المتهمين على ذمة استكمال قضاياهم.

وهذا يوضح أن أموال الغرامات والكفالات وصلت لما يقرب من 135 مليون جنيه، منذ إقرار قانون التظاهر وحتى النصف الأول من العام الحالي.

أحمد عاطف واحد من النشطاء الذي أخذوا على عاتقهم رصد وتوثيق الانتهاكات الواقعة منذ تفعيل قانون التظاهر، لكنه كما يقول لـ مصراوي فإن هدفهم الأساسي اتاحة البيانات الخاصة بعدد من الانتهاكات القانونية بدون أي انحيازيات، مؤكداً أن جزء من البيانات التي أعطاها لنا هي مجرد أرقام لحقائق تم رصدها بشكل منهجي.

وبخلاف بيانات مجموعة دفتر أحوال كانت هناك قضايا أخرى لم تستطع المجموعة حصرها، تلك القضايا الخاصة بمتظاهري جمعة الأرض الذين اعترضوا على اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، فهذ ه التظاهرات التي وقعت في شهر إبريل الماضي، أُلقي القبض فيها على المئات بعضهم حُكم عليه بالسجن والغرامة والبعض الأخر دفع كفالات لإخلاء سبيله على ذمة تلك القضايا المتعلقة بخرق قانون التظاهر.

معتقلو الأرض

من خلال الأوراق التي جمعناها والخاصة بمتظاهري جمعة الأرض، قُبض على ما يقرب من 590 شخص، وتم تقسيمهم إلى أربعة قضايا، قضية الدقي وقضية العجوزة وقضية قصر النيل وقضبة بولاق.

في قضية الدقي تم الحكم على 38 شخصاً بالسجن خمسة سنوات وغرامة قيمتها 100 ألف جنيه لكل منهم، بإجمالي غرامات قيمتها 3 مليون و800 ألف جنيهاً، وأمام محكمة الاستئناف تم إلغاء حكم الحبس فقط واستمرار حُكم الغرامات في هذه القضية.

بالإضافة لإخلاء سبيل 48 شخص من بينهم سبعة أطفال، وأربع فتيات، بكفالة قيمتها 300 جنيه للأطفال، و500 جنيه للفتيات، وألف جنيه للباقين، بإجمالي 40 ألف ومائة حنيهاً.

وفي قضية العجوزة تكرر نفس الأمر وتم الحكم على 9 أشخاص بالسجن 5 سنوات وغرامة قيمتها 100 ألف جنيه لكل منهم ، بإجمالي غرامات قيمتها 900 ألف جنيهاً، وأمام محكمة الاستئناف تم إلغاء الحكم فيما يتعلق بالحبس فقط واستمرار حُكم الغرامة.

وأيضا في قضية بولاق تم الحكم على 9 أشخاص بالسجن 3 سنوات وغرامة قيمتها 100 ألف جنيهاً لكل منهم، بإجمالي غرامات قيمتها 900 ألف جنيهاً، وأُلغي حكم الحبس في محكمة الاستئناف واستمر تأييد حُكم الغرامة.

وتعتبر قضية قصر النيل هي الوحيدة التي صدر فيها الحكم بمنع الحبس أو الغرامة للمتهمين، حيث صدر حكم أول درجة بحبس المتهمين سنتين وغرامة قيمتها 100 ألف جنيهاً وفي الاستئناف ألغى الحبس والغرامة.

وتقدر إجمالي قيمة غرامات وكفالات المقبوض عليهم في مظاهرات جمعة الأرض بـ 5 مليون و640 ألف ومائة جنيهاً.

محمد فاضل محامي المقبوض عليهم في مظاهرات الأرض يؤكد في حديث خاص لـ مصراوي أن هذه الغرامات كانت بمثابة إنهاء لمستقبل هؤلاء الشباب وتُجافي أوضاع الاجتماعية التي نعيشها، "كان فيه شباب يضطروا يمضوا على وصولات أمانة كي يدفعوا الغرامات".. هكذا قال.

ويوضح أنه كانت هناك محاولات من شخصيات سياسية محسوبة على ثورتي 25 يناير و30 يونيو من أجل التبرع لعدد من الشباب ودفع غراماتهم ، لكنه يرى ان كل هذه الاحكام غليظة بشدة ولم يسمع عنها أحد ضد من أفسدوا ونهبوا أموال الدولة من رجال مبارك، "يوسف والي ومحمد إبراهيم سليمان كان بيتم إخلاء سبيلهم بكفالات لا تزيد عن 10 ألاف جنيه، وكان أقرب شيء لما الحكومة رفعت إشكال لوقف تنفيذ حكم مصرية جزيرتي تيران وصنافير، المحكمة غرمت محامي الحكومة 800 جنيه فقط".. يتابع

أين تذهب الغرامات؟

بلغ إجمالي الغرامات والكفالات التي حصلتها الدولة على خلفية قانون التظاهر نحو 141,7 مليون جنيه خلال ثلاث أعوام من إقرار قانون التظاهر.. لكن أين تذهب تلك الأموال

المادة 29 من قانون السلطة القضائية الخاصة بترتيب المحاكم وتنظيمها تنص على أن حصيلة الغرامات وسائر أنواع الرسوم المقررة بالقوانين في المواد الجنائية والمدنية والأحوال الشخصية وكذلك الأمانات والودائع يكون تحصيلها وحفظها وصرفها بمعرفة الكاتب الأول والكتاب والموظفين المعينين لذلك تحت إشراف النيابة العامة ورقابة وزارة العدل.

"الغرامات يتم دفعها في الخزينة الموجودة بالمحكمة وبتدخل الموازنة العامة للدولة اللي بيتم إقرارها كل عام، تعتبر بند من ضمن البنود الخاصة بالموارد وتقوم يجمعها وزارة العدل، اللي بيحكم المحاكم وميزانية كل محكمة نظام أشبه بنظام الصناديق الخاصة".. يوضح ذلك محمد فاضل محامي المقبوض عليهم في مظاهرات الأرض.. حيث أعطانا صورة من الإيصالات الرسمية التي يتم تحصيل الغرامات من خلالها، كان واضح بها ختم وزارة المالية.

في السياق ذاته أوضح لنا أحد الموظفين داخل وزارة العدل – رفض ذكر اسمه- في حديث مقتضب لـ مصراوي أن الغرامات المالية عند دفعها تدخل تلقائياً خزينة قطاع المطالبات القضائية ويخصص جزء منها لصندوق الرعاية الصحية والاجتماعية للقضاة، بينما الكفالات تظل داخل خزينة المحكمة لحين الانتهاء من القضية، فإذا انتهت القضية ببراءة المتهم يمكنه استرداد مبلغ الكفالة من خلال مجموعة من الإجراءات، أما إذا تم تنفيذ الحكم يتم تحويل الكفالة لخزينة المحكمة لأنها تُصبح غرامة.

تغيير جوهري

"لو حصل تغيير جذري في قانون التظاهر ستسقط كل العقوبات التي نفذها المقبوض عليهم، سواء كانت بالسجن أو الغرامة بمعنى أنه يتم إلغاء على الأقل 4 مواد في قانون التظاهر".. يؤكد ذلك عبد الغفار شكر نائب رئيس ا لمجلس القومي لحقوق الإنسان في حديث خاص لـ"مصراوي".

لكنه يرى أن عدم دستورية هذه المادة لا تسقط القانون بأكمله، لكنه وصف القانون بأنه "غير دستوري" وبه مواد كثيرة معيبة.

وأكد أنهم في المجلس القومي لحقوق الإنسان أبدوا 13 ملاحظة تؤكد عدم دستوري قانون التظاهر من بينها جرائم قانون العقوبات، "هما وضعوا في القانون جرائم يعاقب عليها قانون العقوبات، مثل قطع الطريق وتعطيل المواصلات والتخريب و بالتالي العقوبات أصبحت سجن وسجن مشدد و300 ألف جنيه غرامة وهكذا

وأضاف شكر " احنا كنا طالبين أن كل ما يتعلق بالجرائم التي يعاقب عليها في قانون العقوبات يتم إلغائها من قانون التظاهر وتلغي العقوبات اللي عليها"..

وطالب بضرورة قيام مجلس النواب بإعادة النظر فيه لأن القانون لا يزال جاري العمل به حتى بعد إقرار المحكمة بعدم دستورية أحدى مواده".

الفقيه الدستوري عصام الإسلامبولي يوضح لـ"مصراوي"، أن البرلمان هو صاحب سلطة التشريع الأن والمعني بإصدار قانون تظاهر جديد إذا رأى أن القانون الحالي به بعض اللغط، إذا كانت المحكمة الدستورية قضت بدستورية قانون أم لم تقضي بدستوريته، والطبيعي هو الانتظار لحين نشر الحكم في الجريدة الرسمية أولاً كي يتم تنفيذه من قبل سلطات الدولة.

وأضاف أنه لا توجد فترة زمنية تلزم البرلمان بالبت في قانون التظاهر، "متاح للبرلمان في أي وقت البرلمان أنه يعدل القانون أو يلغيه أو يبقى عليه، أو يعدل النص الذي قضت المحكمة بعدم دستوريته".

وحينما سألناه عن استرجاع الغرامات التي دفعها المقبوض عليهم إذا قام البرلمان بإلغاء القانون ذاته، أوضح أنه لو هناك شباب قُبض وتمت إدانتهم على خلفية المادة العاشرة من قانون التظاهر والتي قضت المحكمة الدستورية بعدم دستوريتها، من حقهم أن يتم تبرئتهم ويستردوا ما دفعوه من غرامات، إذا كانت الإدانة مبنية على المادة العاشرة.

وتنص المادة 10 من قانون التظاهر على سلطة وزير الداخلية في إصدار قرار مسبب بمنع التظاهرة أو إرجائها أو نقلها في حالة وجود ما يهدد الأمن والسلم.

وأضاف الإسلامبولي "لو البرلمان قام بتعديل مواد أخرى في القانون سننظر للتعديل إذا كان بأثر رجعي سيتم تبرئة المقبوض عليهم ويستردوا أموال الغرامات التي دفعوها، وأما إذا كان التعديل بأثر فوري لن يستطيع أحد استرداد الغرامات المدفوعة، وهذا مرتبط على الشكل والمضمون الذي سيقدمه البرلمان في قانون التظاهر".

في السياق ذاته يؤكد النائب ضياء الدين داوود عضو اللجنة التشريعية ان مجلس النواب سيعيد النظر في قانون التظاهر بكل مواده.

واضاف ان حكم الدستورية سيعجل بإعادة النظر في القانون، بما يسمح بإيجاد ضوابط ممكنة وليست معقدة،"...

واكد عضو اللجنة التشريعية أن كل هذه الفلسفة لابد أن ننظر إليها بما لا يجعل هناك تعنت من أي جهة بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو، "معندناش معتقلين، أولا استخدام كلمة معتقل في ظل إلغاء حالة الطوارئ هو لفظ خاطئ، لأنه هناك قانون يسير هذه العملية حتى لو أننا سنعيد النظر فيه"

وأكد أن الأحكام المشددة على المتظاهرين والمغالاة في الغرامات المالية يجعل إعادة النظر في قانون التظاهر أمر مهم ويخفف من وطأة أن يكون هناك منع نتيجة الترهيب من استخدام القانون نفسه.

SJH-SDKFL-(1)

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج