إعلان

تحقيق- نار تحت الرماد: النقل العام تنتظر حقوقها وتشريع يحدد وتبعيتها

01:26 م الأربعاء 02 أبريل 2014

سيارات النقل العام

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - مصطفى علي:

يخرج ''حسن عبد المحسن'' من بيته في الثالثة صباحا متوجها لجراج ''فوم الخليج''، متنقلا بين عدة ميكروباصات، حيث لا توجد مواصلات عامة في ذلك التوقيت.

دعنا لا ننسى أن تلك مهمته بالأساس: توفير وسيلة مواصلات عامة رخيصة الثمن - نسبيا - لمن يخرج من بيته باكرا سعيا خلف لقمة العيش؛ لذلك فهو يخرج أبكر من الآخرين.

يصل عبد المحسن الجراج الذي يخرج منه بسيارته الميني باص في الخامسة والنصف صباحا متوجها إلى أولى محطاته بموقف ''أبو الريش''، وهناك تقف سيارته المتهالكة طويلا أمام سيارات الميني باص التي تمتلكها الشركات الخاصة وتشرف عليها المحافظة أيضا.

في إحدى الاكشاك البيضاء المصنوعة من الالوميتال يقف عبد المحسن بين زملائه السائقين والمحصلين مع ناظر المحطة، يسجلون توقيت رحلتهم الأولى.

كان يوما ربيعيا عاديا - بالمفهوم المصري - تهب فيه رياح خفيفة محملة بأتربة غطت مكتبين وعدة كراسي في ذلك الكشك الأبيض - حيث مكتب ناظر المحطة - سيء الإضاءة والتهوية.

وكانت لا تزال أصداء الإضراب عن العمل الذي خاضه هو وزملاءه تحيط بحديثه معهم، والذي لم يسفر عن شيء سوى وعد بدراسة مطالبهم من قبل الوزارة الجديدة، بعد أن سقطت الوزارة القديمة لتوها، كما حصل العمال على 200 جنيها بشكل مؤقت لحين الفصل في طلباتهم.

ظروف عمل سيئة

يعمل عبد المحسن ما يقارب الـ 9 ساعات على سيارته التي من المفترض أن تحقق ما بين 3 إلى 5 رحلات في اليوم، وفي الغالب لا يحقق عبد المحسن هذا الرقم من بعد قيام الثورة، بسبب ظروف المرور والبلد حسبما يشير.

بعد 20 سنة خدمة يجد عبد المحسن أن ما يحصل عليه في المقابل لا يكفيه هو وأسرته، لذلك وجد أن معركة الإضراب التي خاضها عمال الهيئة وبسببها شلت القاهرة تقريبا ''عادلة''، فراتبه الذي يصل إلى 887 جنيها لا تفي بالتزاماته.

''تكاليف الحياة غالية.. دفعت الشهر ده 250 جنيه كهربا ومية''، اخرج عبد المحسن بيان مفردات مرتبه وأشار إلى خانتي العلاوة الاجتماعية (4 جنيهات) وغلاء إضافي (6 جنيهات) مستنكرا ''يعملوا ايه دول؟ كل ولد حاسبينه ب 3 جنيه!''.. يترك عبد المحسن الكشك مستكملا رحلته اليومية.

ويعتبر عبد المحسن أفضل حالا من زميله أحمد منصور الذي لم يقضي في الخدمة أكثر من 6 سنوات ويتقاضى 430 جنيها تقريبا، غير أن منصور لا يشكو تدني الأجر فقط، فالسيارات المتهالكة وعدم توافر قطع غيار تؤثر على عدد الرحلات وإيراد الوردية ويحرمه بالتالي من نسبته في الايراد البالغة 10 في المئة من مجمل الإيراد.

كما يشكو منصور وزملائه سواء كانوا سائقين أو محصلين اقتطاع ثمن التلفيات التي تلحق بالمركبة أثناء ساعات عملهم، فالمحصل يتحمل تلفيات زجاج جانبي المركبة والمرآة الخلفية، فيما يتحمل السائق الربع الأول الذي يقع فيه مقعد السائق، بالإضافة إلى مسؤوليته عن تلفيات جسم المركبة.

يقول محصل رفض ذكر أسمه أن سيارات النقل العام تتعرض للحوادث أثناء المظاهرات والاشتباكات بين المتظاهرين والأمن، ومع ذلك هم مسؤولون عن تعويض تلك التلفيات!

يضيف أحد المفتشين أنهم لا يشعرون بالأمان، أكشاك النظار غير مجهزة وبلا كهرباء أحيانا، وهناك محطات في مناطق مقطوعة ووسط المقابر، يروي حادثة تسببت في حصوله على عدة غرز في رأسه، يحني رأسه الأصلع ويشير إليها، لا يرفع رأسه أثناء روايته المختصرة والتي كررها عدة مرات بانفعال ''الوقت اتأخر وكنت وحدي في المحطة، دخل شباب بلطجية عليا الكشك وقالوا لي اخرج من هنا عشان يشربوا مخدرات، رفضت فعوروني بقزازة''.

يتدخل سامي غريب - ناظر محطة - لوضع حد لرواية زميله المتكررة وإعادة دفة الحوار إلى المطالب المالية، فهو بعد 30 سنة خدمة ووصوله إلى درجة أولى عمالية يحصل على ما يزيد عن 1000 جنيه بعدة جنيهات، ومن المتوقع أن يحصل على معاش أقل بكثير من هذا بكثير بعد تقاعده، لكن ليست هذه المشكلة، فالمشكلة في شباب الهيئة الذين أمامهم مستقبل غير واضح المعالم مع ظروف البلد وفي ظل الراتب الذي لا يسد حاجتهم، ويزداد ببطء مع عدد سنين الخدمة من وجهة نظره.

حد أدنى للأجور

ويلوم غريب حكومة الدكتور حازم الببلاوي التي أعلنت عن قرار بالبدء في تطبيق الحد الأدنى للأجور مع بداية العام الجاري، وهو القرار الذي يبدو أنها لم تستطع تطبيقه على جميع العاملين بالجهاز الإداري للدولة، ناهيك عن بعض الهيئات الاقتصادية التابعة لها، ومن ضمنها هيئة النقل العام، بالإضافة إلى عدم قدرتها على فرضه على القطاع الخاصة، مما أثار عدد من القطاعات التي رأت في عدم تطبيق القرار عليها ظلم بين، وساهم في سقوط الحكومة بعد عدة شهور من توليها المسؤولية في ظروف استثنائية.

ويرى غريب في هذا الإعلان دعوة لغلاء الأسعار، وهو أمر يتكرر مع كل زيادة في مرتبات العاملين بالدولة منذ عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، في الوقت الذي لم يحصل فيه عمال الهيئة على سبيل المثال على زيادة تواجه هذا العبء الجديد.

لكن هل يبحث عمال هيئة النقل العام عن تطبيق هذا القرار عليهم؟ على الرغم من توجيه النقابة العامة المستقلة للعاملين بهيئة النقل العام خطابا مع مطلع العام الجاري للمستشار عدلي منصور الرئيس المؤقت للبلاد يحمل لوما ضمنيا لاستثنائهم من صرف علاوة الحد الأدنى للأجور للعاملين بالحكومة والقطاع العام، إلا أن النقابة ذاتها طالبت في وقت سابق بالمساواة مع هيئات يتمتع العاملين بها بامتيازات استثنائية عن العاملين بجهاز الدولة كالهيئة العامة لسكك حديد مصر والشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو.

وطالبت النقابة المستقلة في بيان لها يوم 18 فبراير - أي قبل إضرابها بـ 5 أيام - بصرف بدل طبيعة عمل بنسبة 100 في المئة أسوة بالعاملين بمترو الإنفاق والسكة الحديد، وصرف بدل إجادة ليبدأ بنسبة 400 جنيه عن كل 20 يوم تشغيل، وتزداد 50 جنيها يوميا على كل يوم تشغيل حتى 22 يوم تشغيل، بالإضافة إلى صرف ارباح 6 أشهر كأرباح سنوية مساواة أسوة بالعاملين بمترو مصر الجديدة الذي أنضم للهيئة سنة 1991 ويسري على العاملين به جميع امتيازات الهيئة دون أن يتمتع باقي العاملين بالهيئة بامتيازات مترو مصر الجديدة، مما اعتبرته النقابة شرخا في العلاقة بين عمال الجانبين.

وبينما يُستثنى العاملين بالهيئة من القرار رقم 22 لسنة 2014 والطبق بالمنشور العام لوزارة المالية رقم 1 لسنة 2014 - نظرا لأنه لا ينطبق على الهيئات ذات اللوائح الخاصة - والذي يقضي بتطبيق الحد الأدنى على كل الجهات التي قد يحصل العاملون فيها على مكافآت وبدلات يقل إجماليها عن نسبة 400 في المئة من الراتب الأساس للعامل ودون احتساب أية علاوات تشجيعيةٌ (بعد استبعاد مكافآت جذب العمالة وبدلات التفرغ وبدلات ورواتب الإقامة بالمناطق النائية وبدلات ظروف ومخاطر العمل وأية مزايا عينية) حسبما أشار تقرير صادر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، يحصل العاملون بالهيئة على امتيازات مالية غير مدرجة ببيان مفردات المرتب ترتبط بإنتاجيتهم وبدلاتهم.

فيحصل السائق والمحصل على بدل وجبة (300 جنيه)، حافز إجادة على كل 22 يوم تشغيل (200 جنيه) بالإضافة إلى 10 في المئة من قيمة إيراد رحلاته، قدر بعض العمال الايراد ب 500 جنيه في الوردية في الظروف الطبيعية وقبل الثورة بما يعني أن العامل يحصل على ما يعادل 1000 جنيه تقريبا في حالة تحقيقه لـ 22 يوم تشغيل، وهو المعدل - 500 جنيه في الوردية - الذي لا يتحقق منذ اندلاع الثورة، بينما يحصل الملاحظون والمفتشون على بدل وجبة (300 جنيه)، بالإضافة إلى حافز إجادة (223 جنيه)، مع 11 نقطة (تقدر النقطة ب55 جنيها) بما يعني 605 جنيها، الأمر الذي يعني أن كثيرا من العاملين يتجاوزون الحد الأدنى للأجور في بعض الظروف الطبيعية.

يقول محمد كمال - أمين عام نقابة جنوب - أنه لا ينكر أن تلك المميزات المالية ترفع أجور نسبة كبيرة من العاملين إلى ما يفوق الحد الأدنى للأجور المقرر (1200 جنيه)، إلا أن تلك المميزات مرتبطة بلائحة تنظم عمل الهيئة والجزاءات على العاملين صدرت سنة 1947، وتتعارض مع قانون العمل، وبالتالي قد يتعرض العامل لجزاءات تحرمه من هذه المميزات.

من جهة أخرى فأن أغلب هذه البدلات مرتبطة بأيام التشغيل المقدرة بـ 22 يوم عمل أو افتراض أن المركبة تعمل بكامل كفاءتها وفي ظل ظروف مرور طبيعية، وهو ما يعني أن غياب يوم واحد، أو 5 جزاءات في الشهر، أو عدم تحقيق الإيراد المطلوب في ظل الزحام المروري والظروف الاستثنائية يعني أن العامل لن يحصل على أغلب هذه المميزات.

ويضيف كمال الذي يعمل محصلا بالهيئة لا يحقق الايراد المطلوب منذ أغلاق الشوارع أمام الأقسام واندلاع موجات من التظاهرات في خط سيره، مما يعني أنه لولا القرار رقم 3 لسنة 2014 والصادر عن مجلس إدارة الهيئة والذي يقضي باحتساب متوسط ايراد العامل لآخر 3 شهور وقسمته على 90 يوم وضربه في عدد أيام التشغيل، لكان الآن حرم من أهم جزء من هذه المميزات، حسب قوله.

ويستنكر عادل رمضان - رئيس نقابة جنوب - ازدواجية التعامل بالقوانين مع عمال الهيئة، فالهيئة التي تعتبر هيئة استثمارية لا يحصل العاملون فيها على حقوق تساوي العاملون في الهيئات المشابهة كصرف أرباح للعاملين، وذلك لاعتبارها هيئة ذات لوائح خاصة تنظمها، وعندما تم إقرار تطبيق الحد الأدنى للأجور على العاملين بالدولة تم استثناء العاملين بالهيئة باعتبارها هيئة استثمارية، فضلا عن تعدد القوانين التي تفرق في التعامل بين عمال الهيئة الأصليين وعمال مترو مصر الجديدة التي انضمت للهيئة سنة 1991، وشركة أتوبيس القاهرة الكبرى التي انضمت للهيئة في 2009.

من هيئة النقل إلى وزارة النقل

ويؤكد طارق يوسف - أمين عام النقابة المستقلة - أن الإدارة والحكومة يبحثون عن القوانين واللوائح التي لا تعطيهم حقوقهم مشيرا إلى استثناءهم سابقا من حافز الإثابة البالغ 200 في المئة والذي أقره المجلس الأعلى للقوات المسلحة أثناء فترة حكمه الانتقالية الأولى في 2011، وحرمانهم أيضا من الحد الأدنى للأجور طبقا للقرار رقم 3 لسنة 2014 المشار إليه سابقا.

ويرفض يوسف الانتقاد الشديدة التي تعرض لها العاملون بالهيئة أثناء فترة إضرابهم باعتباره حقا مشروعا، خاصة وأن مطالبهم مشروعة، ويؤكد أن مطالبهم ليست مالية فقط موضحا أنهم طالبوا الجهات المعنية بتوضيح طبيعة الهيئة وتبعيتها لتحديد نوعية القوانين واللوائح والحقوق والواجبات التي تترتب عليها.

وكان قد قدم العاملون بالهيئة مشروعا لمجلس الشعب يقضي بعودة الهيئة لوزارة النقل، بعد أن تم خروجها بقرار جمهوري رقم 2716 لسنة 1966 ولم يتحدد تبعيتها حتى الآن، إلا أن حل مجلس الشعب حال دون إصدار قانون يقضي بعودة الهيئة للوزارة، في حين المحافظة التي تولى الاشراف على إدارة الهيئة ترفض الاعتراف بتبعيتها لها حسبما يقول نقابيون.

وتتمثل أهمية تحديد تبعية الهيئة لوزارة النقل هي حاجة الهيئة لقرارات وزارية سريعة وفاصلة في مسائل تتعلق بطريقة سير الهيئة التي تعاني من الفساد وتهالك مركباتها وعدم توفر قطع الغيار وتوقف مصانع ناجحة تمتلكها الهيئة كمصنع الكاوتش لعدم توافر الخامات، ومطبعة الهيئة التي تم غلقها وتسريح عمالتها حسبما يشير يوسف.

لكن اللجنة المشكلة لبحث مطالب عمال الهيئة من إداريين واعضاء نقابيين شكلت بناءا على قرار وزاري استبعدت هذا المطلب، وقال هاني عفيفي أمين صندوق النقابة العامة لعمال هيئة النقل العام وعضو اللجنة أن هذا المطلب يستدعي تشريعا لذلك هم في انتظار انتخاب برلمان يصدره، وعليه تركزت توصيات اللجنة التي أرسلتها للجهاز المركزي للتنظيم والإدارة التابع للهيئة على المطالب المالية التي قدرت بـ 235 مليون جنيه، وتعديل لائحة الهيئة بما يتناسب مع قانون العمل.

وتنتظر اللجنة التي أرسلت توصياتها منتصف مارس الماضي موافقة الجهاز المركزي للتنظيم والادارة بهيئة النقل العام لإرسالها لقطاع موازنات الهيئة والوحدات الاقتصادية بوازرة المالية التي وافقت على مطالب العمال وطالبت الجهاز بإرسال موافقته الكتابية في مارس الماضي حسبما يشير خطاب حصل مصراوي على نسخة منه.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج